تحدثت في العدد السابق عن النظرة التاريخية للأشخاص المعاقين كمدخل للحديث عن أسلوب الدمج للطلبة من ذوي الإعاقة في العملية التربوية والتعليمية.
وعندما يذكر الدمج تتراءى للإنسان المتخصص وغير المتخصص على حد سواء ملامح ومعطيات وفلسفة التربية الخاصة الحديثة القائمة على أساس دمج الأشخاص من ذوي الإعاقة مع أقرانهم من غير المعاقين في العملية التعليمية داخل المدرسة العادية، وهذا نتاج لميثاق العمل الدولي الذي دفع الأمم المتحدة ممثلة بمنظمة العلوم والثقافة والتربية لاصدار القرار الشهير المنصف للشخص المعاق بحقه في التعليم في أقل البيئات تقييداً حتى يتم انتشاله من عزلته ويصبح عضواً فاعلاً في مجتمعه. وهذا هو ما يهدف إليه الدمج كأسلوب تربوي حديث قائم على أساس المساواة الاجتماعية بين الشخص المعاق وغير المعاق في العملية التعليمية كخطوة أولى.
وغالبية دول العالم تقوم بتطبيق برامج الدمج، والسعودية إحدى هذه الدول التي طبقت الدمج منذ عام 1411 هـ / 1990 م وكانت البداية بعدد محدود من البرامج ولكن بعد مضي سنوات على تطبيقه وبعد أن بدأت نتائجه الايجابية تظهر بشكل واضح وجلي تزايدت أعداد برامج الدمج حتى وصلت إلى أكثر من 3.171 برنامجاً وذلك وفق أحدث دراسة للدكتور ناصر بن علي الموسى عضو مجلس الشورى ضمن ورقة عمل قدمها للمعرض والمنتدى الدولي للتعليم (2014) الذي أقيم في في فبراير 2014 عن تجربة المملكة العربية السعودية في مجال دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام.
وقد لوحظ مع هذه التجربة مدى تفهم العاملين في إدارات التعليم والمدارس لأهمية الدمج ودوره الفعال في تربية وتعليم الأطفال المعاقين مع أقرانهم في المدارس العادية.
لكن ما يعوق نجاح عملية الدمج هو النظرة السلبية من قبل بعض مديري ومعلمي المدارس العادية الذين يرفضون الدمج فكرة وواقعاً ومنهم من يقبل الدمج بشكله الظاهري فقط أي يطبق الدمج البيئي ولكنه يحرم المعاقين من أكثر الميزات التي ينعم بها الطلاب الآخرون كأن لا يشركهم في أنشطة المدرسة (الأنشطة اللاصفية) مثل الرحلات والزيارات والإذاعة الصباحية والطابور، أو يرفض دمجهم في بعض المواد العملية مثل مادتي التربية البدنية والفنية وخاصة الطلاب المعاقين سمعياً وعقلياً.
وشخصياً كنت شاهداً على موقف غريب وسلبي بدر من أحد التربويين الذي قال لي مرة: إن أسلوب الدمج هذا هو أسلوب غربي وأنتم تطبقون أفكاراً غريبة! قلت له: أشعر بالأسف لسماعي مثل هذا الكلام من رجل مسلم وتربوي.. فلو سمعته من رجل الشارع العادي أو من شخص غير متعلم لوجدت له عذراً.. ولكن يا أخي نحن المسلمون أولى بتبني وتطبيق هذا الأسلوب لأننا (خير أمة أخرجت للناس) وأمة واحدة قائمة على أساس الشريعة الإسلامية التي تطبق مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع كافة ومبدأ المودة والرحمة والتكاتف ما بين الصغير والكبير والغني والفقير والأخذ بيد المسكين والمحتاج ومعاملتهم معاملة حسنة.
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لم يأذن للشيخ الكفيف عبد الله بن أم مكتوم بالصلاة في منزله بل أمره أن يصلي مع الجماعة وفي ذلك دمج حقيقي للمعاق وانتشاله من عزلته حيث أن خروجه من المنزل والسير إلى المسجد والجلوس فيه للعلم والعبادة واحتكاكه بإخوانه المسلمين هو دمج حقيقي، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع اللبنة الحقيقية لدمج الأشخاص المعاقين في حياتهم اليومية. ولذلك فإن ديننا الإسلامي الحنيف قد حقق مبدأ المساواة بين البشر كافة دون تمييز أو انتقاص للأشخاص وفوق الاعتبارات العرقية أو الجنسية أو اختلاف القدرات الحسية والجسمية، وكل شخص في المجتمع له حقوق يجب أن يتمتع بها وعليه واجبات يجب أن يؤديها على أكمل وجه.. ويتحقق مبدأ التكافل الاجتماعي بمساعدة ومعاونة الفقراء والأشخاص المعاقين وذلك لتحقيق ميزان عدل اجتماعي بين أفراد المجتمع كافة، ولذا يجب أن نعتز ونفتخر بأننا نحن المسلمون أول من طبق الدمج قبل الغرب ولكننا تخلينا عنه أزمنة عديدة وبعد ذلك بدأنا نطبق ما عمله الغرب ومن حيث انتهوا.
لم ينته الحديث مع صاحبي الذي قال: أنا أرفض دمج المعاقين عقلياً (قابلين للتعلم) فقط حفاظاً عليهم وحماية لهم من أن يكونوا مجالاً للسخرية من أقرانهم. قلت له: لا عليك عندما توجد الإرادة القوية والعزيمة الصادقة فسوف تتكاتف كل الأيدي مجتمعة.. الإدارة والمعلمون وأخصائيو التربية الخاصة والمرشد الطلابي وأولياء الأمور فإنهم حتماً سوف ينجحون ويحققون الدمج الحقيقي وذلك بإسعاد الطفل المعاق وأسرته بتلقيه تعليمه في بيئة طبيعية بعيدة عن العزل والحرمان في معاهد خاصة بالأشخاص المعاقين.
عندها سوف يحقق الدمج نتائج ايجابية تعود على الشخص المعاق وغير المعاق بالنفع ومن ضمن نتائجه المرجوة أنه يعمل على تقليص الحواجز النفسية والاجتماعية بينهما في العملية التعليمية والعمل مستقبلاً، وكذلك انتشال الشخص المعاق من عزلته السابقة بتفاعله مع أقرانه في المدرسة العادية وزيادة ثقته بنفسه والنظرة الايجابية لذاته والتفاعل مع البيئة المحيطة في حياته التعليمية والعملية والاجتماعية فيصبح حقاً عضواً فاعلاً في المجتمع.