اهتمت الكثير من الدراسات بإدارة الوقت خاصة في مجال العمل، وبكيفية الاستفادة القصوى منه لانجاز أكبر قدر من الأعمال وتنظيمها بما يعود بالنفع على المؤسسة وعلى القائم بالعمل.
واستعرض هنا إدارة الوقت الذاتية التي تشمل حياة الفرد اليومية بكل جوانبها المختلفة بما فيها العمل. فالوقت هو أغلى ما يملك الإنسان، وهو المورد المتاح بالتساوي للجميع على مختلف أجناسهم، ثقافاتهم ودياناتهم، ولكنهم يختلفون في درجة استثمارهم لهذا الوقت، وتؤكد الدراسات الحديثة عن الوقت أن احساسنا بقيمة الوقت ما زال ضعيفاً وأن جزءا كبيراً من الوقت يضيع هدراً دون استفادة حقيقة منه أو استثمار جاد له.
من هنا تجىء أهمية التعامل مع الوقت وإدارته بصورة تحقق لنا أهدافاً سواء كانت شخصية، اجتماعية، علمية، ثقافية، رياضية بل وحتى اقتصادية. وتكمن الأهمية من منطلق كيفية تحقيق الاستغلال الأمثل أو الأكثر فعالية للوقت وليس تغييره أو تعديله أو تطويره فهذا غير ممكن.
وليس هناك أهم من تنظيم وإدارة وقت الشخص ذي الإعاقة، ولا أقصد هنا بأن يكون كل وقته موجهاً نحو أنشطة تعليمية علمية فقط ـ وإن كنت أرى أهمية ذلك ـ أو أن يكون جل وقته موجهاً للعب فقط. إلا أن المقصود هو تنظيم وإدارة وقت الشخص ذي الإعاقة بما يحقق له ممارسة الأنشطة التعليمية والثقافية والترفيهية والرياضية بل وحتى الاجتماعية، دون تفرقة بين نشاط وآخر فكلها تدور في سلسلة متكاملة تصب في تكوين شخصية الفرد من ذوي الإعاقة. وتكمن المهارة في تنظيم وإدارة الوقت في تخصيص وتخطيط وقت لجميع الأنشطة السابقة سواء كان التخطيط يومياً أو أسبوعياً على الأقل.
إن وضع برنامج لإدارة الوقت يهدف إلى تنويع المهارات التي يتلقاها الشخص من ذوي الإعاقة فلا يجوز أن نسرف في الأنشطة الترفيهية واللعب، وإهمال الأنشطة الأخرى بل يجب أن تسير في خطوط متوازية. فهناك وقت للتعلم، ووقت للزيارات الاجتماعية، ووقت لممارسة الأنشطة الثقافية، ووقت للعب. بل حتى وقت اللعب يجب أن يستثمر فيما يعود بجوانب معرفية وترفيهية في الوقت نفسه على الطفل، فقد أشارت (كريستين ماكنتاير) في كتابها: (أهمية اللعب للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة) أن (ديفيد ـ 1979) يفرق بين (اللعب الترفيهي) وهو ممارسة المهارات التي يعرفها الطفل بالفعل، فهو تكراري رمزي، (واللعب المعرفي) وهو تعلم مهارات جديدة ويهدف إلى الإبداع والاستكشاف وحل المشكلات (كترتيب المكعبات والصور). إذن حتى في تخصيص وقت اللعب للطفل ذي الإعاقة لا بد من تنويع اللعب بين الترفيهي والمعرفي لزيادة مدارك الطفل وتحقيق الترفيه في الوقت نفسه.
كما أشير هنا إلى ضرورة استكشاف مواهب الطفل ذي الإعاقة وتنميتها وتوجيهها وإدارة الوقت بما يتيح للطفل ممارستها، الأمر الذي يحقق تنمية قدرة الاعتماد على الذات واكتساب مهارات استقلالية لديه.
وفي مقال للدكتورة (نادية العربي) بعنوان: (الاستمتاع بوقت الفراغ) أشارت إلى ضرورة الاهتمام بمواهب الطفل ذي الإعاقة وتنميتها. وركزت على موهبة الرسم خاصة بالنسبة لفئة الإعاقة العقلية. لما لذلك من أهمية كبرى في تطوير القدرات الفنية للطفل، وتنمية قدرة الاعتماد على الذات، وتنمية مهارات الاستقلالية والتفاعل الاجتماعي.
ولقد اهتمت دولة الإمارات بإنشاء مراكز متخصصة في تأهيل وتدريب الأشخاص من ذوي الإعاقة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية هي أول مؤسسة في دولة الإمارات العربية المتحدة تقدم خدمات متخصصة لهؤلاء الأشخاص وتتوفر فيها الكثير من الإمكانات والكوادر البشرية التي تؤهلها عن جدارة للقيام بدورها التأهيلي والتدريبي. وغيرها من المراكز المختلفة في الدولة.
والتحاق أبنائنا من ذوي الإعاقة بهذه المراكز لهو أكبر استثمار في مستقبلهم تجدر المبادرة إليه، وهي أفضل استثمار لإدارة وقت الشخص ذي الإعاقة بما توفره تلك المراكز من تعليم وتأهيل بالاضافة إلى الأنشطة الاجتماعية والرياضية والترفيهية مثل الرحلات وتبادل الزيارات واقامة النوادي والمراكز الصيفية والتي تمتاز في مجملها بالتفاعلية بين الشخص ذي الإعاقة والمحيطين به.
ومن خلال قراءتي لسير العظماء والمشاهير الذين حققوا انجازات لا يستهان بها، تعمقت في كيفية النشأة الأولى لهم وكيف كانت البدايات الأولى، وما الذي حقق لهم النجاح دون غيرهم، فوجدت في سيرهم عبرة وخلاصة وهي حسن إدارة الوقت واستثماره.
ففي البدايات الأولي لعميد الأدب العربي (طه حسين) الذي أرسله والده إلى (الكُتاب) لحفظ كتاب الله. فكان قراره الاستفادة من وقته في العلم، وفيما تيسر له من اللعب، ثم تلقى بعد ذلك درساً في كيفية إدارة الوقت حينما قسم له شيخ الكتاب وقته بحيث يتلو في كل يوم 6 أجزاء وعلى مدار 5 أيام هي فترة عمل الكُتاب فما ينقضي الشهر إلا ويكون قد ختم القرآن تلاوة، فكان أن تحقق له الاستفادة من وقته بين علم ولعب. بل إن حسن استغلاله للوقت جعله يدرك أهمية العلم الذي بدأ يتلمس طريقه إليه، فنهل منه حتى تحصل على أعلى المراتب العلمية. (الأيام – طه حسين).
ولنا كذلك في حياة هيلين كيلر أعظم المثل على حسن استغلال وإدارة الوقت وكيف استطاع والداها وبمساعدة معلمتها (آن سوليفان) – رغم صعوبة الإعاقة – وبعد عامين من الجهد، وحسن استثمار الوقت تمكنت هيلين كيلر من إجادة القراءة بطريقة برايل، وكيف تَحسن لفظها وازداد وضوحاً عاماً بعد عام، فيما يعد من أعظم الانجازات الفردية في تاريخ تريبة وتأهيل الأشخاص من ذوي الإعاقة. كما أتقنت هيلين الكتابة وكان خطها جميلاً مرتباً. والتحقت بالجامعة وحصلت على شهادة الدكتوراه في الفلسفة ولها كثير من المؤلفات.
إذن، تمكنت هيلين كيلر بحسن إدارة الوقت واستغلاله وبتوجيه الجهود من تحرير عقلها من ظلام الجهل إلى نور العلم (قصة حياتي ـ هيلين كيلر).
وكم من قصة نجاح حولنا نراها تتحقق، كانت بداياتها الأولى تكمن في سر إدارة الوقت واستثماره. وكم من أشخاص حولنا لم يستثمروا الوقت، فكان مصيرهم أن توقفت عجلة الزمان بهم.
إن الطاقات والإمكانات التي بداخل أطفالنا من ذوي الإعاقة لهي كبيرة وخلاقة، ونخطئ في حق أبنائنا وفي حق أنفسنا إن لم نعمل على اكتشافها وتنميتها وتوجيهها. وكل ذلك لن يتحقق إلا بإدارة وقت الشخص ذي الإعاقة واستثماره وتوجيه الوقت بما يحقق أهدافاً سواء كانت شخصية، اجتماعية، علمية، ثقافية، رياضية بل وحتى اقتصادية.
الاسم: أحمد شفيق أحمد همام
الجنسية: سوداني
المؤهلات العلمية
- جامعة الإسكندرية ـ كلية الآداب ـ ليسانس اجتماع.
- دورة في إدارة الموارد البشرية.
- دورات إعلامية متنوعة
- دبلوم صحافة إلكترونية.
الخبرات العملية:
- أعمل حالياً بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بدبي.
- إداري ومكلف بالعمل بقسم الإعلام ومسؤول عن نشر أخبار وأنشطة الكلية بالصحف.
- الإشراف على تصميم وإخراج وطباعة كافة مطبوعات الكلية.
- سكرتير تحرير مجلة الكلية العلمية الأعوام 2010 ـ 2012.
- عضو هيئة تحرير مجلة الطلبة (ميلاد فجر), 2013 ـ 2012 وما زلت حتى الآن.
- عضو اللجنة الإعلامية للندوة العلمية الدولية للحديث الشريف (الخامسة والسادسة),.