معاناة الصم من بعض المشكلات السلوكية لا تعني التهاون في حقوقهم الأساسية في التعليم والصحة ولابد من الأخذ بمبدأ الدمج وعدم عزلهم وإشراكهم في وضع الحلول
إن التأثير النفسي للإعاقة السمعية هو أمر غاية في الخطورة إذا لم يوضع في الاعتبار، فمن الواجب توفير الرعاية النفسية للمعاقين سمعياً وتهيئة المناخ المناسب لحياة طبيعية هي حق لهم.. فهم يسعون إلى الاندماج في الحياة والمجتمع، إلا أنهم يصطدمون بالعديد من العقبات ـ سواء من المجتمع أو من الأسرة ـ التي تحبط مساعيهم في الاندماج أو الحصول على حياة طبيعية.
-
أولاً ـ المعاق سمعياً والأسرة
للوالدين دور هام في توفير المناخ النفسي السليم لأبنائهم المعاقين سمعياً.. إلا أنه من الملاحظ وجود تباين خطير في معاملة الوالدين لهؤلاء الأبناء والتي لا تسبب لهم سوى المزيد من الإعاقة النفسية.
ومن السلوكيات الخاطئة التي يتبعها الوالدان تجاه أبنائهم المعاقين سمعياً:
- يتعاطف بعض الآباء مع أبنائهم المعاقين سمعياً بشدة ويحيطونهم بالحب المفرط في صورة توفير كافة احتياجاتهم الأساسية، الأمر الذي يؤدي وبصورة لا شعورية إلى محو شخصية أبنائهم وإفسادها بالتدليل.
- هناك بعض الآباء يصدمون من إصابة أبنائهم بالإعاقة السمعية فيكون رد فعلهم الانقباض والقلق الذي قد يصل بهم إلى الخجل من الاعتراف بالإعاقة السمعية لأبنائهم أمام المجتمع مما يترتب عليه تدهور الحالة النفسية للطفل إلى أقصى حد وإلى مدى يصل إلى كراهية الأهل.·
وفي الحالتين كلتيهما لا توجد أية وسيلة اتصال بين المعاق سمعياً وأسرته فالوالدان لا يمتلكان القدرة على التعامل مع ابنهما المعاق سمعياً من خلال لغة الإشارة التي يجيدها بتعامله مع أقرانه من المعاقين سمعياً في جمعيات الصم أو من خلال مدارس ومعاهد الأمل للتربية الخاصة، بل إنهما ـ أي الوالدين ـ لا يبذلان جهداً في ايجاد وسيلة اتصال مع ابنهما المعاق سمعياً فيظل خط الاتصال بينهما منقطعاً فلا يمثلان للابن المعاق سمعياً سوى مصدراً لتوفير الحاجات الأساسية فقط، وبالتالي فإن الأصم لا يكتسب من والديه القيم والتقاليد وتعاليم الدين بشكلها الصحيح اللهم سوى القشور والمعلومات السطحية التي لا يعي منها إلا سلوكيات وحركات قد لا تعني له شيئاً.
وحتى لو وجدت لغة اتصال بسيطة بين المعاق سمعياً ووالديه فهي لبساطتها تشعر الأصم بأنه أقل عقلاً.. إنها لغة بسيطة إلى درجة أنها لا تغطي مفردات لغتنا العربية، وهذا يعني أن المعاق سمعياً لا يستطيع إشباع احتياجاته من العلم والتربية داخل أسرته.
وما يثير الذعر أن خط الاتصال بين الوالدين وابنهما المعاق سمعياً يظل منقطعاً أو سطحياً حتى بعد سن البلوغ وممارسة المعاق سمعياً لحياته الخاصة وليست العلاقة معدومة تماماً بل هي موجودة ولكن في صورة تختلف تماماً عن علاقة الوالدين بأبنائهم السامعين، وهذا السلوك الأسري تجاه المعاق سمعياً يجعله يشعر بأنه غريب بين أهله وقد يتعدى ذلك فيشعر بالحقد والكراهية لإخوانه نتيجة اختلاف معاملة الوالدين لهم عن معاملته هو..
إذن، كيف ننتظر من المعاق سمعياً أن يمارس حياة أسرية خاصة به بينما هو لم يعشها ولم يشعر بها!!
إن أفضل سبل تعامل الوالدين مع ابنهم المعاق سمعياً هو تقبلهم لواقع إعاقته السمعية بتشجيعه ومساعدته على استغلال أقصى قدراته وطاقاته مما يسمح له بقدر وافر من الاعتماد على ذاته، كما يجب على الأسرة أن تسعى لإيجاد وسيلة اتصال قوية بينها وبين ابنها المعاق سمعياً بتعلم حجم كبير من مفردات لغته ـ لغة الإشارة ـ بجانب الاستفادة من أقل درجات السمع لديه ومساعدته على استخدامها وتمييز الكلمات من خلالها.
-
ثانياً ـ المعاق سمعياً والمجتمع
إن الرعاية النفسية للمعاق سمعياً تهدف إلى مساعدته على التكيف السليم مع نفسه وقدراته ومع أفراد المجتمع، كما أنها تؤكد ذاتيته وكيانه من خلال إقامة علاقات ايجابية بناءة في المجتمع تساعده على أن يسلك سلوكاً خالياً من التناقضات مع تحمله للشدائد والمصاعب ومواجهتها ليصبح مواطناً صالحاً من خلال زيادة قدراته على الانتاج وبالتالي الاحساس المستمر بالرضا والسعادة كأي إنسان له كرامته وحقه في الحياة.
إن أكثر اهتمامات المعاق سمعياً هو تكوين علاقة متفاعلة وايجابية مع المجتمع، إلا أن نظرة المجتمع الخاطئة إلى المعاق سمعياً كفرد غير طبيعي وما يترتب عليها من تعامل الآخرين معه سمعياً بالعطف والشفقة المصحوبين بالأسى والحسرة حيناً أو بالاندهاش والانقباض والنبذ في أحيان أخرى الأمر الذي ينجم عنه تعرض المعاق سمعياً لآثار نفسية سيئة متمثلة في الآتي:
الاحباط الشديد، الشعور باليأس، كراهية النفس، كراهية المجتمع، الخجل من مواجهة الناس، الشعور بالنقص، الاكتئاب والإحساس بالظلم، العصبية في مواجهة المواقف، الانطواء، فقدان الأمل بالمستقبل والخوف منه والحساسية المفرطة لتصرفات الناس معه والشك فيمن حوله،.. وعلى العكس من هذا فقد تظهر على بعض المعاقين سمعياً علامات القوة وحب الذات وعدم التعاطف مع الغير.
وتنجم هذه الصفات عن المجهود الزائد عن العادة الذي يبذله المعاق سمعياً ليواجه متطلبات الحياة العادية وانقطاع الأصوات من حوله ومن ثم شعوره بالانعزال والتخوف الدائم من عدم الحصول على عمل مناسب أو فقدان الوظيفة وشعوره بأنه مخلوق أقل درجة من الآخرين.
وتزداد هذه الآثار سوءاً كلما حاول المعاق سمعياً أن يندمج في المجتمع، لذا فمن واجب المجتمع أن يتقبل المعاقين سمعياً ويعطيهم حقهم من التقدير الايجابي كمواطنين أسوة بغيرهم.
سيكولوجية المعاق سمعياً
أثبتت الأبحاث أن الصم أو ضعاف السمع هم أشخاص طبيعيون تماماً إلا أنهم يشكلون مجتمعاً خاصاً بهم في بعض النواحي، وتختلف سيكولوجية المعاق سمعياً تبعاً لطبيعة ودرجة الإعاقة السمعية على النحو التالي:
-
المجموعة الأولى ـ ضعاف السمع
هؤلاء يشعرون بالحرج والنقص والانعزال مع بعض التصرفات العدائية والاكتئاب، وتفيد التدريبات السمعية والتخاطب هذه المجموعة وإن كانت لا تغني عن العلاج النفسي فهم يشعرون بالمرارة والاكتئاب الشديد لضعف سمعهم.
-
المجموعة الثانية ـ الصم
لا يبدي الصم وعياً كاملاً بالنقص فهم وإن كانوا أكثر عرضة للانحرافات النفسية ممثلة في تجاوزات نفسية وسلوكية ولكن هذا لا يؤدي إلى حدوث مرض نفسي حقيقي.
يشكو المعاقون سمعياً من زيادة ضغط الحياة والمتطلبات اليومية عليهم ويشعرون بمدى الصبر الذي يبديه أفراد أسرتهم حيالهم لاستيعاب هذا النقص وتغطيته، بالإضافة إلى المتاعب التي يلاقونها في سعيهم للحصول على عمل مناسب وفي ايجاد اصدقاء لهم للخروج من جو الوحدة التي يقاسونها والعزلة الاجتماعية التي فرضت عليهم إلى جانب عدم الاتزان العاطفي.
أضرار الصمم النفسية
- عدم التمكن من سماع أصوات التحذير.
- نقص الاختلاط الاجتماعي.
- نقص فرص التعليم خارج المدارس الخاصة بضعاف السمع.
- ضعف قوة التحصيل.
- متاعب في الحصول على عمل أو وظيفة.
- الشعور بعدم القدرة والاضطهاد.
- عدم الاستمتاع بالموسيقى والراديو وكل ما يعتمد على الصوت.·
المزايا النفسية للصمم
- التحرر من رابطة الجماعة، وهذا يؤدي إلى الراحة العقلية.
- التعود على تحمل الأصدقاء.
- الرضا والتوازن الداخلي.
- الاتجاه إلى بعض الأنشطة الاجتماعية.
- الاحساس الباطني بالجمال.·
وخلاصة ما سبق أن بعض المعاقين سمعياً يعانون من بعض المشكلات السلوكية نتيجة الصعاب التي يواجهونها في حياتهم اليومية ومعظم هذه المشكلات يمكن تجاوزها وذلك برعاية شؤونهم وتسهيل حصولهم على مطالبهم الأساسية من التعليم والصحة كحق من حقوقهم من خلال برامج خاصة بهم ليكونوا أكثر تقبلاً لأوضاعهم مع الأخذ بمبدأ عدم عزل المعاق سمعياً عن المجتمع ومراعاة الأخذ في الاعتبار أن الصم هم أكثر الفئات قدرة على توضيح الحالة النفسية والمشاكل التي تواجههم وسبل القضاء عليها.
وجمعية أصداء هي جمعية أهلية تأسست بالإسكندرية عام 2000 لرعاية المعاقين سمعيا والارتقاء بمجتمع الصم في كافة جوانب الحياة بهدف إعلاء قيمتهم الإنسانية وليتواصلوا مع مجتمعهم ويندمجوا فيه.
وتهدف الجمعية إلى:
- إنشاء أكاديمية تعليمية لخدمة مجتمع الصم داخل الإسكندرية بصفة خاصة ومصر بصفة عامة.
- المساهمة في تعليم وإيجاد فرص عمل مناسبة لمجتمع الصم عن طريق الارتقاء بهم تعليميا
- .إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مجال تكنولوجيا المعلومات ICT بهدف زيادة فرص العمل لمجتمع الصم.
- تنفيذ مشروعات تكنولوجية تساهم في النهوض بمجتمع الصم مثل: استخدام المكالمات المرئية كوسيلة اتصال بدلا من الصوت.
- إنشاء موقع الكتروني لتعليم لغة الإشارة باستخدام تكنولوجيا التعلم الالكتروني.
لم يستطع مؤسس الجمعية أن يدرك خلال سنوات طفولته الأولى الحكمة وراء أنه ولد بأذن صماء، ذلك الجزء الذي ورثه عن أمه الصماء والذي كان سببا في إنشاء جمعية أصداء لارتقاء بالصم وضعاف السمع .
“أنا تعبان نفسيا، مش قادر أعيش من غيرها” قالها سامى جميل (53 سنة), وقد اغرورقت عيناه بالدموع، خاصة أنها توفيت منذ سنوات قليلة، وكان أكثر أبنائها تعلقا بها لدرجة أنه لم يحتمل أن يعيش بعيدا عنها بعد زواجه، ربما يكون السبب وراء ذلك يكمن في شعوره الدائم بأنه يحمل جزءا منها.
“ابن الخرسة” تلك الجملة التى ألقتها إحدى السيدات في وجهه أثناء إحدى المشاجرات وكأنها سبة، فكر فيها كثيرا وتأمل معناها وقرر أن يحولها إلى مصدر للفخر ليعلنها على الملأ “أنا ابن الخرسة”.
شكل صمم والدته كل خطوة في طريق حياته حيث التحق بكلية الزراعة ودرس في قسم الوراثة ليتعرف بدقة على إمكانية أن يرث أبناؤه الصمم عنه أو عن جدتهم ودفعه خوفه من إنجاب أطفال صم إلى الابتعاد عن زواج الأقارب فتزوج من امرأة من خارج العائلة.
وبعد تخرجه، قرر الانضمام إلى إحدى الجمعيات الأهلية التي تهتم بشؤون الصم ليتمكن من مساعدتهم بكافة الطرق، وكانت المساعدات تقتصر على استخراج بطاقة شخصية أو تقديم إعانات أو مساعدات مالية بينما كان طموحه يتعدى ذلك بمراحل حيث كان يتمنى أن يخترق مجال تعليم الصم ليطوره (الأصم يقضى 14 سنة في مدارس الصم ويتخرج “بصمجي”),.
قرر سامي إنشاء جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع ، والتى نجح في تأسيسها بأموال الصم أنفسهم وبدأ التفكير في تطوير تعليم الصم ومحو أميتهم من خلال مشروع لتأهيل مدرسين لمحو أمية الصم في اللغة العربية، مهمة شاقة ما بين تدريب المدرسين على لغة الإشارة وتدريبهم على المنهج الجديد الذى يتم تدريسه بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار. ولم يكتف بذلك حيث قرر أن يعلم الصم الحاسب الآلي من خلال إعداد منهج خاص لتعليم الكمبيوتر للصم باستخدام لغة الإشارة.
ونجح في إلحاق مجموعة من الشباب الصم بمنحة وزارة الاتصالات للحصول على الرخصة الدولية لقيادة الحاسب الآلي ICDL بمنهج مبتكر بلغة الإشارة واجتياز الاختبارات باللغة الإنجليزية.
كان سامي يتمنى أن يشارك في العديد من المسابقات على المستوى الدولي، إلا أنه كان يسأل على استحياء إذا كانت هناك إمكانية في اشتراك الصم في مثل هذه المسابقات، إلا أنه قرر أن يخوض المغامرة ويشارك في عدد من المسابقات الدولية للروبوت، والتى قرر أن يعد أطفال الجمعية قبلها بفترة كافية ليندهش من النتيجة، حيث حصل شباب الجمعية على المركز الثالث في مسابقة الروبوت التى نظمت على مستوى مصر ليشاركوا بعدها في المسابقة العربية للروبوت في الأردن والمسابقة الآسيوية للروبوت في اليابان.. بل وحصلوا على المركز الأول بمصر بين السامعين ليمثل فريق الصم مصرًا بالمسابقة الدولية للروبوت بالولايات المتحدة الأمريكية محققين المركز الأول لكأس أحس مشروع إبداعى للروبوت وكأس أحسن تدريب وإشراف على بين كافة دول العالم وبعدها توالت المشاركات الناجحة بأستراليا وأندونيسيا .. وغيرها.
وصل سامي جميل بأبناء الجمعية من الصم إلى أكثر مما كان يحلم إلا أن جعبة أحلامه لم تفرغ بعد حتى بعد أن حصل ثمانية من أبناء الجمعية على منحة فولبرايت الأمريكية والتي تمنح الصم فرصة لدراسة التسويق وتصميم المواقع وإدارة الشركات السياحية والتبريد والتفصيل في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية حيث إلتحقوا بدورة في اللغة الانجليزية لمدة 8 شهور وساتفروا بعدها وقضوا عامين بجامعة أوهلونى بالولايات المتحدة وحصلوا على المنحة الدراسية.
الجدير بالذكر أن نجاحات الصم بمسابقات الروبوت دفعت بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بإلحاق أربعة من الصم وضعا فالسمع المتميزين للدراسة بها بمنحة دراسية كاملة تقديرًا لتميزهم في مجال تصميم وبرمجة الروبوت .
كما أن أكاديمية سيسكو للشبكات والنظم بادرت بتأسيس أكاديمية أصداء – سيسكو للشبكات والنظم لإتاحة الفرصة للصم للحصول على شهادات سيسكو الدولية بهدف تخريج مهندسين شبكات من الصم وضعاف السمع أنفسهم ليسيروا على طريق النجاح.
ويخطط سامى لإنشاء المعهد العالي للصم في مجال الحاسب الآلي والفنون التطبيقية والمحاسبة المالية والسياحة والفنادق بعد عودة أبناء الجمعية من الخارج ليكونوا النواة الأولى التيتبنى عليها أساسات المعهد.
حصل سامي على عضوية مؤسسة أشوكا العالمية باعتباره مبدعا اجتماعيا لارتقائه بالصم وإكسابهم مهارات التعايش والتواصل والاستقلال الاقتصادي والثقة بالنفس، إلا أن سعادته بأبنائه من الصم تفوق أي شعور آخر حيث أصبح فخورًا بهم وأن الجمعية تحولت إلى بيت العائلة لكل الصم.
سيرة ذاتية دونتها: يمنى مختار