حول الكاتب والشاعر الجزائري الكبير مالك حداد
ماذا كان يمكن لمالك حداد أن يهدي للجزائر أكثر من غزالة؟ هذا ما فعله عام 1959 عندما كان مغترباً في باريس، لكنه لم يهد شيئاً لمدينة النور رغم أنه كان يعيش بين أحضانها. ربما لأنه كان يعتبر ذراعيها قضباناً باردة تخنقه حتى الموت.
ولد أكبر كاتب رومانسي عرفته الجزائر حتى اليوم في 5 يوليو / تموز 1927 بمدينة قسنطينة بالشرق الجزائري. عاش مالك حداد مجازر 8 مايو / أيار 1945 حيث ذهب ضحيتها أكثر من 45000 جزائري من رجال وأطفال ونساء على أيدي الجنود الفرنسيين والمستعمرين الأوروبيين.
كان ذنب الجزائريين أنهم أنقذوا سمعة فرنسا في الحرب العالمية الثانية، فكانت لهم الوعود بالحرية والاستقلال فور انتهاء المحنة. وصدقوا هذه الوعود، واحتشد شباب الجزائر ليعلنوا فرحتهم بميلاد الاستقلال في مؤتمر وطني ضخم عقد في مدينة سطيف قرب قسنطينة، ورفعوا الأعلام الوطنية، وما هي إلا لحظات حتى كانت نيران المدافع من الأرض والسماء تنصب عليهم من كل جانب تحصدهم حصداً. وامتدت المظاهرات إلى كل أنحاء الوطن الجزائري حتى لم تبق بلدة أو قرية بلا مذبحة، بل وذهبت السلطات الفرنسية إلى إطلاق سراح المساجين النازيين والايطاليين لمساعدتها في القتل والذبح الجماعي.
تخلى كاتبنا عن دراسة الحقوق في جامعة Aix-en-Provence بعد أن استنتج أن الحق لا يمكن انتزاعه أمام رجال القضاء الكولونياليين إلا باستعمال القلم والقوة، وبدأ في الكتابة ابتداء من سنة 1955 في عدة مجلات أدبية فرنسية منها Les Lettres و Progres وقام بنشر أهم أعماله بين سنوات 1956 و1961.
كان مالك حداد رجلاً ذا مواقف وطنية وقومية ثاتبة، ففي حديث دار مع صديقه الشاعر الفرنسي آراغون Aragon قال له: (إن الفرنسية هي منفاي الذي أعيش فيه.. بلى يا أراغون.. لو كنت أعرف الغناء لتكلمت العربية)، فقال له أراغون: (إنك طائر من طيور الأغصان العليا).
ويحكى أنه دخل دكان تاجر من أصل يهودي واشترى زجاجة عصير برتقال، وعندما لمح عبارة (صنع في إسرائيل) مكتوبة عليها قال للتاجر: (هذه الزجاجة غير موجودة).. ثم شطب بقلمه كلمة (إسرائيل) وكتب عليها: (صنع في فلسطين المحتلة)، وقال للتاجر: (الآن موجودة!).
توقف تماماً عن الكتابة مع استقلال الجزائر بعد أن قال جملته الشهيرة: (أفضل أن أموت في صمت على الإستمرار في الكتابة بلغة ليست لغتي)، ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا ترفض دور النشر الفرنسية إعادة نشر قصصه ودواوينه نظراً لمواقفه الوطنية والقومية خاصة منها موقفه الرافض لمكانة اللغة الفرنسية في الجزائر المستقلة.
وبعد رجوعه إلى الجزائر عمل كمحرر ثقافي لجريدة (النصر) الصادرة في مدينة قسنطينة، بعد أن ترأس اتحاد الكتاب الجزائريين حتى سنة 1967. توفي بعد مرض طويل في مدينته بتاريخ 2 يونيو / حزيران 1978.
تنتهي قصة (سأهبك غزالة) بنجاة الغزالة من الصياد الذي صوب بندقيته نحوها، ففي اللحظة التي ضغط إصبعه على الزناد يموت عطشاً!!
ترجم له صديقه الشاعر الكبير سليمان العيسى ديوان (الشقاء في خطر)، وهذه مقتطفات منه:
إني أكتب لأكون جديراً بأمي
أمي أبداً جميلة
إني معها كل يوم
يسمونها حمامة
ولكنها اسمها الحقيقي عربي
وتمتمت الزهرة
وتمتمت الزهرة: إني أشعر بالضيق
أعيدوا إليّ مروجي
إنها زهرة الحرية
أنا أشعر بالضجر من البيانو
قال العندليب
أعيدوا إليّ غابتي
فهي الموسيقى كلها
إني أشعر بالضيق، قالت كلمة: أحبك
إني أتململ ضجراً على الورق
أعيدوا إليّ القبلات.. فهي رسائلي
إني أكاد أختنق.. قالت الصورة
ردوا إليّ البسمة التي كانت تشرق
بها عيناي
من أهم مؤلفاته
- ديوان شعر (الشقاء في خطر)، 1956، تعريب سليمان العيسى، 1961 المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ـ لبنان.
- رواية الانطباع الأخير، 1958، Paris.
- رواية (سأهبك غزالة)، 1959، تعريب صالح القرمادي، 1968، الدار التونسية للنشر.
- رواية (التلميذ والدرس)، 1960، تعريب سامي الجندي، 1962، دار الطليعة، بيروت ـ لبنان.
- ديوان شعر (اسمع وأناديك)، 1961، Paris.
- دراسة بعنوان (الأصفار التي تدور في الفراغ)، 1961، Paris.
باريس ـ فرنسا