هناك أشكال كثيرة للحرية والتي منها حرية التعبير عن الرأي وحرية اختيار العقيدة، وهذه الحرية شيء نفيس يستحق الحماية بالكلمة المكتوبة والمسموعة أو بالصورة إلا أن ما رأيناه من حرية مزعومة للتعبير عن الرأي كانت عبارة عن تجريح لمشاعر المسلمين، عندما صور سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بما لا يليق بمكانته وعظمة رسالته، وكأن المواجهة قد نشبت بين الغرب (حامل شعار الحرية النموذجي) والعالم الاسلامي (بطل الدين والتدين)!.. وهذه الصورة تعتبر مشوهة لأبعد الحدود، كون ديننا الاسلامي دين الحرية، بعد أن حرر الناس من عبادة العباد واستعبادهم، إلى عبادة رب العباد، وإذا نظرنا لحظة وراء الخلاف حول هذه الرسوم سيكون في مقدرتنا ان نرى النزعة الدنيوية في هذه الأيام التي وظفت من أجل تشويه الدين تحت مسمى الحرية.
في عام 1941 عندما كانت الحرية مهددة من جميع النواحي استخدم فرانكلين روزفلت منصة الخطبة السنوية لتوضيح حريات الانسان الأساسية الأربع ليس فقط حرية إبداء الرأي بل أيضاً حرية الدين والتحرر من الرهبة والتحرر من الخوف، وبعد الحرب العالمية الثانية قبلت كل دول العالم هذه الحريات الأربع، وتحت القيادة الملهمة من قبل اليانور روزفلت الذي كان يعمل كرئيس للجنة قرعة أدخلت تلك الحريات ضمن البيان العالمي لحقوق الانسان.
هذه الحريات الوضعية التي جاء بها البشر متأخرين بعد عقود من النزاعات وسفك الدماء، قد جاء بها الاسلام من قبل بالتسامح والمحبة دون إكراه.
إن مزاولة الحرية ليست هي في حد ذاتها الهدف الذي رمت إليه هذه الرسوم، فهناك مجالات عديدة يستطيع من خلالها الإنسان ممارسة حريته، إلا أن خبث الهدف من وراء هذه الرسومات، استغل قناع الحرية من أجل تحقيق مراميه المأجورة في تشويه ديننا الاسلامي الحنيف وزعزعة ثقة الأمم بعدالة الإسلام من خلال تشويه صورة النبي الأعظم الذي جاءنا به.
تكمن المشكلة في أن كثيراً من الناس الذين يثيرون الفتنة بشأن حرية التعبير عن الرأي ليسوا مستعدين لتحملها، ففي حين يفتحون الباب على مصراعيه لكل ما يخدش الحياء والأخلاق ويمتهن إنسانية الانسان، فهم يقيدون المرأة المسلمة في حرية اختيار لباسها ويحاربونها من أجل كشف عورتها، ويكممون الأفواه التي تحاول أن تهمس بالهولوكوست أو ما يسمونها معاداة السامية، وكل ذلك تحت مزاعم الانفتاح والحرية.
وكثيراً ما يحدث أن يكون هناك قناع من التسامح يخفي وراءه شعوراً بعدم الاكتراث أو حتى بالعدوانية تجاه الثقافات والديانات الأخرى ولا يحدث دائماً أن يقول أحدهم جهاراً إنه يرى الدين كتذكار لأوقات وأماكن مختلفة ويكمن فيه الخطر وإن رأي المتطرفين الدنيويين هذا ليس مؤسفاً فحسب، بل إنه خطر متأصل في حد ذاته، وإن كان القرن الـ 20 عصر القيم والمبادئ فسيكون القرن الـ 21 عصر الهوية، وإذا لم ندافع عن هويتنا كمسلمين لنا دين أرسى دعائمه خير البشر فإننا سنكون عرضة لتيارات الغرب الهوجاء المتخبطة وأفكاره المسمومة التي تكاد تفتك بشبابنا وتنخر هويتهم بدعوى العولمة والديمقراطية والحرية.
وإذا لم نتمسك بحريتنا التي جاء بها ديننا الحنيف حامي هويتنا على مر الزمن لنحقق قيم السلام والعدالة بين البشر، فسيسيء آخرون استخدام الحرية من أجل الحرب والظلم وفرض ثقافتهم المشوهة على الآخرين دون أي اعتبار لقيم ومشاعر الطرف الآخر.