باليوم العالمي للغة العربية في باريس
شهد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في ديسمبر 2014 احتفالية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» باليوم العالمي للغة العربية في العاصمة الفرنسية (باريس) حيث تفضّل سموّه بحضورها لاختياره (ضيف شرف) الاحتفالية بدورتها هذه، ويعد سموّه أول شخصية يتم الاحتفاء بها كـ (ضيف شرف) ضمن هذه الفعالية نظراً لإسهاماته الجليلة في خدمة اللغة العربية.
كان في استقبال صاحب السمو حاكم الشارقة لدى وصوله إلى مبنى اليونيسكو كل من: عبدالله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام، السيدة إيرينا بوكوفا مدير عام المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو)، عبدالله محارب مدير عام المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (الإلكسو)، عبدالله مصبح النعيمي المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى اليونيسكو، الدكتور زياد الدريس رئيس الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونيسكو، حمد الزعابي القائم بأعمال سفارة دولة الإمارات لدى جمهورية فرنسا، جاك لانج رئيس معهد العالم العربي في باريس وجمع غفير من أعضاء السلك الدبلوماسي وممثلي السفارات العربية لدى فرنسا ونخبة من المثقفين والأدباء والفنانين العرب والأجانب.
لغة معجزة
بدأت الاحتفالية بقصيدة (هذه لغتي) تلتها كلمة الدكتور زياد الدريس التي أشار فيها إلى أن العام الثالث لهذه الاحتفالية مقارنة بالعامين السابقين شهد تفاعلاً واتساعاً في المناشط الوجدانية والتعبيرية والإجرائية ليس في العالم العربي فقط بل في جهات العالم الأربع بأيدي العرب المنتشرين فيها وليس خلال هذا اليوم فقط، بل طوال العام.
وتطرق إلى إشكالية العلاقة بين اللغة العربية والإسلام التي لا نفطن لتفاصيلها كثيرا ـ على حد تعبيره ـ فقال: (لا يمكن لأحد مهما بلغ حنقه الديني أن ينكر فضل الإسلام على اللغة العربية، فما الذي كان سيضمن لنا عدم انقراض اللغة العربية كما حدث لبعض اللغات أو تهميشها كما هو حادث الآن للغات كثيرة كانت إلى قرون قليلة سابقة لغة حضارة قائمة ودول مهيمنة، إذ سقطت حضارات وتهمشت دول في حركة تبادل قوى السيطرة على العالم فلم تنج لغاتها من التهميش.. لكن اللغة العربية، رغم الويلات التي تعرضت لها الحضارة الإسلامية والمحن التي لا تنفك تعيشها الدول العربية، بقيت تزاحم اللغات الأولى في العالم حتى الآن، وما كان أحد ليضمن هذا البقاء والاستعصاء على التهميش لولا أن العربية هي لغة القرآن الكريم).
وتساءل الدريس: (هل من مصلحة الإسلام ربطه المطلق والدائم بالعروبة أم من مصلحة اللغة العربية ربطها المطلق والدائم بالإسلام)؟ وأجاب: (في الشطر الأول من المعادلة سنوصل رسالة خاطئة بأن الإسلام هو دين العرب فقط، وفي الشطر الثاني سيفهم أن اللغة العربية هي لغة المسلمين فقط، والحقيقة أن كلا المفهومين خاطئ ومغلوط، فالإسلام واللغة العربية أوسع وأرحب من أن نضيقهما بهذا الاقتران الحصري، ولا يغيب عن أذهاننا ما أسهم به غير العرب من المسلمين في إثراء العلوم والمعارف الإسلامية.. كما لا يمكن أن ننسى مثلا ما قدمه المسيحيون العرب من خدمة للغة العربية، كالبستاني، أو الكرملي، أو اليازجي وغيرهم).
وختم قائلاً: (يسعدني أن أعبر بوصفي العربي والمسلم عن بالغ العرفان والامتنان لما أثرى به المسلمون من غير العرب والعرب من غير المسلمين حضارتي وثقافتي العربية والإسلامية).
وفي السياق نفسه، تحدثت سميرة الموسى رئيس المجموعة العربية سفيرة سلطنة عمان لدى اليونيسكو، في كلمتها عن ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم، والأهمية المركزية التي يحتلها الحرف في الحضارة العربية الإسلامية، وإسهامات غير العرب في تطور الحرف العربي.
وقالت: تشير أغلب الدراسات إلى أن الحرف العربي مرّ بمراحل مختلفة عبر العصور، واستمدت أشكال الحروف التشكيلية والصيغ الهندسية للحروف الأبجدية العربية بفضل تداخلها وتفاعلها مع اللغات النبطية التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
ولفتت إلى أن العرب والمسلمين من غير العرب كالفرس والأتراك برعوا في تجويد الخط العربي، واستخرجوا من أشكال الحروف المجردة خطوطا فنية غاية في الإبداع والجمال، وعندما ازدهرت الحضارة الإسلامية على مر عصورها برز جمال الخط العربي في الفنون والزخارف الإسلامية، وفي اللوحات الابداعية للآيات القرآنية، وقد برع إعلام الفن الإسلامي في الزخرفة بالحروف وفي تزيين المقتنيات الثمينة والأبواب والنوافذ والمساجد والقصور، وختمت ببيت شعري لأمير الشعراء أحمد شوقي:
الخط يبقى زمانا بعد كاتبه وكاتب الخط تحت الأرض مدفونا
من جهته، تطرق جاك لانج، رئيس معهد العالم العربي في باريس، إلى دور المعهد في صون الثقافة العربية وتحقيق التقارب بينها وبين مختلف ثقافات العالم، وتناول في معرض حديثه جملة من إسهامات صاحب السمو حاكم الشارقة في دعم المعهد ودعم الثقافة العربية واللغة العربية في مختلف المحافل الدولية.
عرض لا جوهر
وأكد الدكتور عبد الله محارب المدير العام لـ (الألكسو) في كلمته أن ما تمر به اللغة العربية اليوم من أزمة ليس هو مفصل الأمر وجوهره، إنما هو عرض لمرض شديد أصاب غالبية الأمة العربية في نهضتها وهمتها، فالأمر ليس مرهونا باللغة نفسها بقدر ما هو مرهون بحال أهلها ورغبتهم في التقدم الحقيقي، وقال: نحتاج إلى خطاب مغاير يسعى إلى فهم أزمة العربية لا من منظور ضيق، بل من منظور أرحب وأشمل يربطها بأصل المرض وعلة وجوده، فلابد أن نربط حال اللغة العربية الآن بما يمر به العالم من أزمة اقتصادية طاحنة، وبأزمة التعليم في عالمنا العربي، وبأزمة قصورنا عن فهم خطورة العلم وأهميته وغيرها من المشكلات التي ما إن استقر بنا المقام على فهمها والولوج إلى دقائقها حتى تغيرت رؤيتنا لطبيعة المشكلة.
وأضاف: نحن بحاجة ملحة إلى توحيد جهودنا الساعية إلى النهوض باللغة العربية وأن نضع القضية في إطار لا يقتصر على حديث الهوية فحسب، بل يتخطاه إلى ما هو أرحب وأشمل، فنلقي الضوء مثلاً على ما لهذه اللغة من تراث فكري إنساني فريد وجب على العالم أجمع أن يفخر به، وأن يجتهد في حفظه وصونه أي أن نسعى إلى توعية الأمم غير العربية بما سيخسرونه هم بضعف هذه اللغة واندثارها، وأن نجلي لأبناء اللغة العربية من الأجيال الصاعدة عظمة تراثهم العربي الإنساني الخالد وثرائه الفكري وما فيه من جدة وأصالة ورصانة ليدافعوا عن لغتهم فيما بعد دفاع المؤمن المقتنع صاحب القضية.
تضامن عبر الحدود
اختتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة إيرينا بيكوفا مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) التي تحدثت باللغة العربية في أكثر من فقرة، ونوهت بدور صاحب السمو حاكم الشارقة وجهوده الدؤوبة في دعم أنشطة وبرامج وفعاليات اليونيسكو فيما يتعلق بالثقافة العربية واللغة العربية، لافتة إلى أنه بعمله على دعم ترويج الثقافة العربية يسهم أيضاً في الفهم المتبادل والحوار بين الثقافات والشعوب، لافتة إلى أن حضور سموّه بمثابة رمز شديد الأهمية، مؤكدة أن هناك رابطاً وطيداً بين اللغة العربية وبين الثقافات الأخرى، وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال المواضيع التي من المقرر أن تتم مناقشتها هذه السنة، كالأبجدية العربية والحروف والخط العربي.
وأوضحت أن تاريخ تطور الأبجدية العربية لهو خير دليل على الدور الذي لعبته اللغة العربية على مدار أكثر من 1000 عام لنقل المعلومات والأفكار من ثقافة إلى أخرى، وأكدت أن اليوم العالمي للغة العربية خير فرصة للاحتفاء بهذه اللغة في التراث المشترك للإنسانية جمعاء فهي رمز للاتحاد والتنوع ونحن نرى الجمال اللامتناهي للغة العربية والذي نستمد منه الحكمة والاحترام والسلام لمكافحة انعدام التسامح والكراهية..
ومن أجل الترويج للغة العربية ينبغي التشجيع على التضامن العابر للحدود.. ينبغي تشجيع ملايين الرجال والنساء كي يسمعوا أصواتهم ويشاركوا بشكل متساو في بناء عالم أكثر إنصافاً وأكثر عدالة وأكثر استدامة في مجتمعاتهم لذلك نحتفل اليوم بهذه اللغة العظيمة.
تم خلال الحفل تقديم هدية تذكارية لصاحب السمو حاكم الشارقة عرفاناً وتقديراً لسموه على تفضله بالحضور والمشاركة في هذه الاحتفالية العالمية وتثمينا لدوره البارز في خدمة لغة الضاد من خلال تأسيسه جمعية حماية اللغة العربية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمعية الإمارات للخط العربي، وساحة الخط التي تضم بين جنباتها معهد الخط العربي ومتحف الخط العربي وبيوت الخطاطين، فضلاً عن الأنشطة والفعاليات الدورية التي تعنى بالخط مثل: معارض الخط وملتقى الشارقة للخط وغير ذلك.
الخط العربي يتألق في باريس
كما افتتح صاحب السمو حاكم الشارقة، على هامش الاحتفالية، معرض الخط العربي المصاحب، والذي شارك فيه نخبة من الفنانين والخطاطين العرب والأجانب ممن أبدعوا لوحات حروفية متنوعة جسدوا من خلالها جماليات اللغة العربية.
تضمنت الاحتفالية مجموعة من الندوات شارك فيها نخبة من الباحثين والنقاد والأدباء والفنانين العرب والأجانب، ومن بينها: ندوة (اللغة العربية بين الهوية الثقافية والقرار السياسي)، وندوة (تاريخ الحرف العربي، وعلاقته باللغات الأخرى)، وندوة (الخط العربي ووسائل التقنية).
اليوم العالمي للغة العربية 2014 خصص للحرف العربي
وكان المحور الرئيسي لليوم العالمي للغة العربية الذي احتفي به في 18 كانون الأول ديسمبر، لهذا العام هو الحرف العربي. حيث قررت ذلك الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) التابعة لليونيسكو، في اجتماعها الذي عقد في مقر المنظمة بباريس.
وأكد رئيس الهيئة الاستشارية للخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية (أرابيا) السفير الدكتور زياد الدريس المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية لدى اليونسكو، أن قرار الهيئة جاء بالتنسيق مع مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الذي اقترح على الهيئة الدولية أن يكون الحرف العربي العنوان الرئيسي للاحتفاء باللغة العربية في يومها العالمي 18 ديسمبر 2014م، و ذلك لما يمثله الحرف العربي من قيمة في الرمز للغة العربية المحتفى بها. وما يمثله كذلك من حضور لافت على مستوى الثقافات والحضارة البشرية بوصفه أحد الصور التي تجاوزت الرسم التواصلي إلى الأعمال الفنية والابداعية.
وأضاف الدكتور الدريس أن الاحتفاء بالحرف العربي يكرس إعادة لفت الانتباه الى أهميته وجماله واستحضاراً لقيمته العالية التي تمثل ما يشبه الاتفاق الجمعي العالمي على مكانته في الحضارة البشرية.
وقد شارك في الندوات المخصصة لهذا الموضوع عدد من الخبراء اللغويين مع جمهرة الكتاب والباحثين والدبلوماسيين والإعلامين والعاملين في اليونسكو، كما نظم معرض للخط العربي على هامش الاحتفالية شارك فيه عدد من الخطاطين من مناطق جغرافية متنوعة.
يذكر أن المجلس التنفيذي لليونسكو كان قد قرر في دورته 190 في تشرين الأول / أكتوبر 2012 تكريس يوم الثامن عشر من كانون الأول / ديسمبر للاحتفال باليوم العالمي للغة العربية وجاء اختيار 18 ديسمبر لأنه اليوم الذي أقرت به الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 اعتبار اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية لها ولكافة المنظمات الدولية المنضوية تحت لوائها.
الجدير بالذكر أن خطة تنمية الثقافة العربية (أرابيا) التي أنشأتها اليونسكو عام 1999 تهدف إلى (توفير إطار يمكن فيه للبلدان العربية تنمية تراثها الثقافي، بحيث يصان الماضي مع التركيز بوجه خاص على المستقبل، ويفتح العالم العربي على التأثيرات والتكنولوجيات الجديدة مع الحفاظ على سلامة التراث العربي).