إذا كنت تمتلك ثروة طائلة وتقاعدت عن العمل في سن صغيرة، أو كنت تعمل حتى بلوغك سن الشيخوخة وما بعدها، فإن احتمالات تمتعك بتقاعد صحي وطويل ستظل كما هي.
ففي الأسابيع الماضية، أجرى باحثون أستراليون دراسة أظهرت أن العمر الذي يتقاعد فيه الناس عن العمل ليس له علاقة بطول العمر.
وكان بحث سابق قد أشار إلى أن الأشخاص الذين يتقاعدون في سن مبكرة يفقدون صلاتهم الاجتماعية ويقل نشاطهم البدني والذهني مما يعني تزايد أرجحية تعرضهم لخطر الوفاة المبكرة.
وقد توصلت دراسات أخرى إلى نتائج مفادها أن الأشخاص الذين يعملون حتى سن متقدمة، تزيد أرجحية وفاتهم في سن مبكرة لأنهم يتعرضون للقلق والتوتر فترة أطول. بيد أن الدراسة الأخيرة التي أعدها الباحثون الأستراليون، تعد الدراسة الأكثر شمولاً التي تنفذ حتى الآن وخرجت بنتيجة مغزاها عدم وجود علاقة بين سن التقاعد والعمر المتوقع.
وقال البروفيسور جون بيغوت أستاذ الاقتصاد في الكلية الأسترالية لإدارة الأعمال الذي أشرف على إعداد هذه الدراسة: “يعتقد بعض الناس أن التقاعد له علاقة بالعمر المتوقع، والحقيقة هي أن حالة أو وضع المرء الصحي هو المحدد الرئيس للوفاة. فالحالة الصحية تؤثر في توقيت التقاعد وفي وقت الموت أيضاً، وهذا ما أدى لحالة من الإرباك في بعض الدراسات السابقة”. بيد أن الباحثين وجدوا علاقة قوية بين الاضطرار لترك العمل “بسبب إغلاق المؤسسة أو تقليص أنشطتها” وسن الوفاة.
وقال البروفيسور بيغوت: “حينما يلغى خيار المرء لترك العمل، قد يكون لذلك تأثير في احتمالات وفاته أو عمره المتوقع، ويكون ذلك غالباً بسبب عدة عوامل مختلفة كالاكتئاب وفقدان العلاقات الاجتماعية”.
ولأغراض البحث، درس العلماء الأستراليون بيانات سكانية صادرة عن الحكومة النرويجية تغطي الفترة من 1990 حتى 2010.
وفي حقبة التسعينات من القرن الماضي، قلص عدد كبير من شركات القطاعين العام والخاص في النرويج سن بلوغ التقاعد من 67 إلى 62، ما أدى إلى تقاعد الموظفين في فترة أبكر من المتوقع.
وظل سن التقاعد القومي كما هو (عند سن ال 67) لدى بقية السكان.
وعند مقارنة مدى العمر وسط الأشخاص الذين تقاعدوا في وقت مبكر، بمن ظلوا يعملون حتى بلوغ سن الـ 67 لم يجد الباحثون فرقاً ملموساً. وقادتهم هذه النتيجة للاستنتاج بأن التقاعد لا يؤثر في الوقت الذي يحين فيه الأجل المحتوم.
وأظهرت دراسات سابقة، أن الناس الذين يعملون حتى بلوغهم سناً متقدمة تقل أرجحية إصابتهم بالعته.
واكتشفت الباحثة كارول دوفيل بمعاونة فريق من الباحثين في المعهد القومي للأبحاث الطبية بفرنسا أن الشخص الذي يتقاعد في عمر الـ 65 تقل أرجحية إصابته بالعته مقارنة بمن يتقاعد في سن الـ 60.
ويعتقد الباحثون أن هذا الفارق يعزى لعوامل الوقاية التي يقاوم بها التحفيز الفكري والانشغال الذهني والعته.
من جانب آخر، توصلت دراسة أمريكية إلى أن التأثير السلبي للقلق الذي يشعر به المرء من احتمال فقدان وظيفته أو مصدر رزقه على الصحة يفوق بشكل أكبر التأثير الناجم عن البطالة نفسها.
وقالت الاختصاصية في علم الاجتماع في جامعة ميتشيغان سارة بيرغارد المشرفة على الدراسة، إن “تأثير القلق في هذه الحالة هو في الواقع أسوأ من فقدان وظيفتك”. وأضافت: “تبين لنا من خلال الكيفية التي قيّم فيها المشاركون صحتهم البدنية والعقلية أن الذين كانوا قلقين بصفة مستمرة على وظائفهم تدهورت صحتهم أكثر من نظرائهم الذين لم تساورهم مثل هذه الهواجس والمخاوف”.
ورأت بيرغارد “أن انعدام الأمن الوظيفي المزمن يسبب أذىً يفوق ذلك الذي تسببه أمراض مثل ارتفاع ضغط الدم أو أضرار التدخين” موضحة أن “الإجهاد الناجم عن فقدان الأمن الوظيفي يمكن أن يكون مميتاً ويسبب حالات مرضية قد تقصر العمر”.
واستندت الباحثة إلى دراستين أجريتا خلال الفترة ما بين 1986 و1989 والأخرى ما بين عام 1995 و2005 وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن “التغييرات الجذرية التي حدثت في سوق العمل الأمريكية أضعفت الروابط بين أرباب العمل والعمال وغذت الإحساس بافتقاد الأمن الوظيفي”.
وتساءلت “لماذا يكون تأثير انعدام الأمن الوظيفي أسوأ في الصحة من البطالة”، مشيرة إلى عوامل عدة تلعب دوراً في هذا المجال مثل “استمرار الغموض حول المستقبل” والخشية من الفقر والبطالة.
وأضافت أن الأمريكيين بحاجة لبعض الطمأنينة وراحة البال مثل توفير التأمين الصحي لهم واستحقاقات التقاعد وغير ذلك، وهذا قد يبدد مخاوفهم ويجعلهم يعيشون بشكل طبيعي.
قسم الخدمة الإجتماعية بمركز التدخل المبكر التابع لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية