مما لا شك فيه أن ظاهرة تشغيل الأطفال تترك آثاراً سلبية للغاية، وتلك الآثار باتت تنعكس على المجتمع بشكل عام وعلى الأطفال بشكل خاص، ولقد أخذ هذا الاستغلال أشكالا متعددة أهمها تشغيل الأطفال وتسخيرهم في أعمال وهم ما زالوا غير مؤهلين جسديا ونفسيا للقيام بها، علما أن العديد من الاتفاقيات الدولية قد جرمت بدورها الاستغلال الاقتصادي للأطفال وفيها تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يمكن ان يمثل إعاقة أو يكون ضارا بصحته أو بنموه البدني أو العقلي أو الروحي أو المعنوي أو الاجتماعي.
من المشاكل الأكثر خطورة
لقد بينت الإحصائيات والبيانات الدولية المختلفة أن مشكلة تشغيل الأطفال من المشاكل الأكثر خطورة في عالمنا المعاصر، وأن تلك المشكلة ليست مقتصرة على دولة بمفردها أو عدة دول بل تشمل إضافة إلى البلدان الفقيرة البلدان الصناعية الأكثر تطورا، وقد وجد أصحاب العمل في عمل الأطفال مجالا واسعا لتحقيق الأرباح الطائلة، ويبدو أن طرح هذا الموضوع من جديد من قبل منظمة العمل الدولية يهدف إلى تحريك الرأي العام العالمي ليعير اهتمامه الدائم لهذا الوضع الأشد سوءا.
وعن مفهوم عمل الطفل، فهو العمل الذي يضع أعباء ثقيلة على الطفل ويهدد سلامته وصحته ورفاهيته، وهو العمل الذي يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته عن الدفاع عن حقوقه، وهو العمل الذي يستغل الأطفال كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار الأعلى كلفة، وهو العمل الذي يستخدم وجود الأطفال ولا يساهم في تنميتهم، وكذلك الذي يعيق تعليم الطفل وتدريبه ويغير حياته ومستقبله.
اتفاقية حقوق الطفل
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت في عام 1989م اتفاقية حقوق الطفل، والتي عرفت الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، والتي أكدت على ضرورة السعي لحماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي، وأوجبت تلك الاتفاقية على الدول الأطراف فيها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل هذه الحماية، وبشكل خاص وضع حد أدنى لسن الالتحاق بالعمل ونظام ملائم لساعات العمل وظروفه، مع فرض عقوبات مناسبة لضمان فعالية تطبيق هذه النصوص.
وقد صادقت معظم الدول العربية والعديد من دول العالم على تلك الاتفاقية عام 1991م، وكانت الجمعية العامة قد أقرت في نفس العام الإعلان العالمي لحقوق الطفل الذي كان قد تم إعداد مسودته في عام 1957م، حيث نص الإعلان على وجوب كفالة وقاية الطفل من ضروب الإهمال والقسوة والاستغلال وألا يتم التعرض له بالإتجار بأي وسيلة من الوسائل، وألا يتم استخدامه قبل بلوغ سن مناسب، وألا يسمح له بتولي حرفة أو عمل يضر بصحته أو يعرقل تعليمه أو يضر بنموه البدني أو العقلي أو الأخلاقي.
اتفاقية عربية بشأن عمل الأحداث
وهناك الاتفاقية العربية رقم 18 لسنة 1996م بشأن عمل الأحداث، وتعتبر هذه الاتفاقية أول اتفاقية عربية متخصصة في مجال عمل الأطفال، حيث جاءت استكمالا لسلسلة المبادئ التي أكدت عليها الاتفاقيات السابقة في هذا المجال، وقد عرفت الطفل بأنه الشخص الذي أتم الثالثة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره سواء كان ذكرا أو أنثى، وحظرت عمل من لم يتم سن الثالثة عشرة من عمره، وقد نصت على أن أحكامها تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية باستثناء الأعمال الزراعية غير الخطرة وغير المضرة بالصحة، ووفق ضوابط تحددها السلطة المختصة في الدولة التي تراعي فيها الحد الأدنى لسن الأطفال.
كما أوجبت الاتفاقية أن لا يتعارض عمل الأطفال مع التعليم الإلزامي، وأن لا يقل سن الالتحاق بالعمل الحد الأدنى لسن إكمال مرحلة التعليم الإلزامي، وأن تقوم الدولة بإجراء الدراسات حول أسباب عمل الأطفال فيها وأن تعمل على التوعية بالأضرار المحتملة لعمل الأطفال.
وفي الأعمال الصناعية نصت تلك الاتفاقية على منع تشغيل الحدث قبل إتمام سن الخامسة عشرة وفي الأعمال الصناعية الخفيفة التي تتولاها أسرته قبل إتمام سن الرابعة عشرة، وأن تتم في كل الأحوال مراقبة عمل الأطفال وحمايتهم صحيا وأخلاقيا والتأكد من قدراتهم ولياقتهم الصحية للمهن التي يمارسونها، كما منعت تشغيل الطفل في الأعمال الخطرة أو الضارة بالصحة أو الأخلاق قبل بلوغه سن الثامنة عشرة، وأن تحدد الدولة هذه الأعمال في تشريعاتها أو لوائحها.
الأطفال الفقراء يعملون لأنهم فقراء
في بعض المجتمعات النامية يدور الحديث دوما على ان الأطفال الفقراء لهم الحق أن يعملوا لأنهم فقراء، علما أنه لا يوجد أحد يعترف بحق هؤلاء الأطفال بالأجر المناسب للطاقة التي يبذلونها، وبالحديث عن عمالة الأطفال وعدد ونسبة الأطفال المعنيين فليست هي العامل الوحيد للنظر فيها، فهناك أنواع العمل التي تعطى للأطفال والظروف التي يتعرضون لها والتي تؤدي إلى تنفيذها، والمخاطر او الاعتداءات التي يتعرضون لها أثناء العمل هو عامل آخر ذو أهمية قصوى للغاية.
ومن الصعوبة تحديد الأطفال الذين يشاركون في العمل أو في ظل ظروف قد تكون ضارة على صحتهم وعلى أفكارهم أو عواطفهم وتستهدف تدابير الحياة، فالإحصاءات الرسمية سيئة للغاية في هذا المجال، وعن المعلومات الأخرى المتاحة من الدراسات والتقارير الرسمية من نوعية متغيرة، وبعض الموضوعات تقل أهمية عن غيرها، وعلى سبيل المثال توجد هناك دراسات واسعة النطاق عن أطفال الشوارع.
الفقر سبب رئيسي لعمل الطفل
يعتبر الفقر هو السبب الرئيسي الداعم لعمالة الأطفال، مما اضطر العديد منهم للعمل لضمان بقائهم على قيد الحياة وكذلك في حالة فقر الأسرة فإن جميع أفرادها باتوا يعملون لضمان دخل كاف، فالمعروف أن الدراسة مكلفة وأن التعليم العام يمثل عبئا ثقيلا عادة على استمرار الأسرة الفقيرة التي تتحمل مصاريف الكتب واللوازم الدراسية والزي المدرسي وتكاليف الانتقال، وفي بعض الأحيان تتكلف الدراسة الابتدائية نحو ثلث عائد الأسرة، والعديد من الأسر لديها أكثر من طفل في سن الدراسة.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الأرقام لا تأخذ في الاعتبار النقص الحاد في عائدات تلك الأسر، وخاصة عندما يذهب الطفل إلى المدرسة بدلا من العمل، وهذا ما يفسر أسباب عمل الأطفال، وهو دفع رسوم الالتحاق بالمدرسة والتي تساهم في تمويل المدارس وأحيانا كجزء من سياسة التصحيح الاقتصادي، حيث أن المدارس وإدارتها تقرر تحميل أولياء الأمور جزءاً من المصاريف، وهناك الكثير من تلك الأسر تعيش في مجتمعات حيث لا توجد مدارس، وبالتالي فإن الطفل لا يجد مفراً من العمل لأن تكلفة هذا التعليم لعائلة فقيرة عالية تفوق قدراتها.
وحيث أن الاستثمار يجب أن يكون مربحا وهذا نادر الحدوث، فإن التعليم الذي يقدم لهؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان يكون دون المستوى، ولا يبعث على الأمل في أي تقدم اجتماعي ولا يبرر هذه التضحيات، وتكثر الأمثلة من الأسر التي أرادت بشدة أن يحصل أبناؤها على درجة عالية من التعليم، ولكنها لم تكن تمتلك الأدوات ورأت في الوقت نفسه أن التكلفة عالية للغاية.
تأثيرات عضوية ونفسية لعمل الطفل
توجد هناك جوانب أساسية يتأثر بها الطفل الذي يستغل اقتصاديا للعمل الذي يقوم به وهي التطور والنمو الجسدي، كما تتأثر صحة الطفل من ناحية التناسق العضوي والقوة والبصر والسمع، وذلك نتيجة الجروح والكدمات الجسدية، أو نتيجة الوقوع من أماكن مرتفعة، وهناك حالات الخنق الناتجة عن التعرض للغازات السامة وصعوبة التنفس أو النزيف.
كما يتأثر التطور المعرفي للطفل الذي يترك المدرسة ويتوجه للعمل، فقدراته وتطوره العلمي يتأثران ويؤديان إلى انخفاض في قدراته على القراءة والكتابة والحساب، إضافة إلى أن إبداعه يقل بالطبع، كما يقل التطور العاطفي، فقد يتأثر التطور العاطفي عند الطفل العامل فيفقد احترامه لذاته وارتباطه الأسري وتقبله للآخرين، وذلك جراء بعده عن الأسرة ونومه في مكان العمل وتعرضه للعنف من قبل صاحب العمل أو من قبل زملائه.
كما يتأثر أيضا التطور الاجتماعي والأخلاقي للطفل الذي يعمل بما في ذلك شعوره بالانتماء للجماعة والقدرة على التعاون مع الآخرين، وتتأثر لديه القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب، ويزداد التأثر رويدا رويدا إلى أن يصبح الطفل مثله مثل العبد لدى صاحب العمل، ويؤكد الباحثون منذ وقت طويل على أن أنواع معينة من العمل تسبب مشاكل نفسية واجتماعية خطيرة للأطفال.
اكتئاب وانطواء وشيخوخة مبكرة
هناك القليل من المعلومات المتوفرة التي تشير إلى الفتيات اللائي يعملن في ظروف قاسية، ويعشن بعيدا عن المنزل العائلي لهن، وممنوع تقريبا إجراء أي اتصال مع عائلاتهن وأصدقائهن، بتن هن أيضا في بعض الأحيان ضحايا الاعتداء الجسدي والنفسي والجنسي، وكل هذا يهدد توازنهن النفسي والاجتماعي على حد سواء، ولقد قدمت منظمة الصحة العالمية تقريرا مفاده أن الأطفال العاملين في (كينيا) على سبيل المثال يعانون من أعراض خطيرة من أهمها الاكتئاب والانطواء والشيخوخة المبكرة.
كما أشارت إحصاءات منظمة العمل الدولية وفقا لمعطيات مقدمة من مختلف البلدان إلى وجود نحو 73 مليون طفل من سن 10 إلى 14 عاما يعتبرون عمالا دائمين، ولكن إحصاءات المنظمة الخاصة التي أجرتها في الآونة الأخيرة أفادت بأن العدد الحقيقي للعمال الأطفال يبلغ في الواقع نحو 120 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 14 عاما، وأكثر من ضعف هذا العدد أي نحو 250 مليون طفل باتوا يمارسون مختلف الأعمال، ولم يعد عمل الأطفال مشكلة خاصة بالبلدان النامية بل امتد إلى البلدان الصناعية في أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول.
وبذلك نرى أن 370 مليون طفل هم من العمال الأطفال الذين يمارسون أعمالا مختلفة، وفي حالة ما أن أصيب واحد من بين عشرة أطفال عاملين إصابات عمل تؤدي إلى إعاقة مستديمة فإنه يبقي لدينا حوالي 37 مليون طفل معاق بسبب تلك المشكلة الخطيرة وذلك على المستوى العالمي.
عمالة الأطفال في الدول العربية
الدول العربية في حقيقة الأمر تعاني من ظاهرة عمل الأطفال في سن مبكرة واحتمال حدوث الإعاقة بينهم، وفي العديد من الدول العربية يظهر تزايد مستمر في عمل الأطفال في الأراضي الزراعية والمخابز وأعمال البناء وجمع القمامة، وفي تنظيف السيارات وتصنيع المفرقعات البدائية التي يقبل الأطفال على شرائها في الأعياد وصناعة الأحذية وصيد الأسماك، بخلاف عملهم كخدم في المنازل.
عدم التوفيق بين العمل والمدرسة
ويظل عدد ساعات العمل الشاغل الثاني، حيث يضطر الأطفال في كثير من الأحيان لبذل نشاط مستمر كل يوم ولساعات طويلة، وبالتالي فمن الصعب أن يتماشى مع متطلبات الدراسة وأثناء الظروف المرضية، على عكس العديد من الأطفال في البلدان الصناعية الذين يعملون في بعض الأحيان أو في عطلة نهاية الأسبوع أو العطلة المدرسية لتحصيل القليل من المصروف الشخصي، كما يواجه عدد كبير من الأطفال في البلاد النامية حتمية الكسب كل يوم للقمة العيش أو البقاء على قيد الحياة.
وهناك نوع من العمالة التي تتسم دوما بساعات عمل طويلة للغاية، والمؤكد أن هناك العديد من الأطفال يجمعون بين العمل والدراسة، إلا أن أكثرهم لا يذهبون أبدا إلى المدرسة، كما أظهرت دراسات منظمة العمل الدولية من أن 30 بالمائة إلى 50 بالمائة من الأطفال الذين يعملون في دول مثل (غانا والبرازيل والهند والسنغال) قد توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة نتيجة لعملهم وعدم قدرتهم على التوفيق بين العمل والدراسة.
المصادر
http://en.wikipedia.org/wiki/Child_labour
http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3176
http://www.unicef.org/arabic/protection/24267_25753.html
http://www.un.org/ar/events/childlabourday/background.shtml
http://www.ilo.org/beirut/areasofwork/child-labour/lang–ar/index.htm
الاسم:
رضا ابراهيم محمود عبد الرازق
السن:
40 سنة
الاسم:
رضا ابراهيم محمود عبد الرازق
السن:
40 سنة
الجنسية
:
مصري
الهواية:
قراءة المجلات ـ الرسم ـ الكتابة ـ المراسلة.
الوظيفة الحالية:
مشرف عمليات بترسانة السويس البحرية (هيئة قناة السويس),.
المجلات التى ينشر لي فيها:
مجلة جند عمان (سلطنة عمان),
مجلة الجندي (دبي، الإمارات العربية المتحدة),
مجلة الحرس الوطني (المملكة العربية السعودية),
مجلة المسلح (ليبيا),
مجلة (درع الوطن), الإمارات العربية المتحدة
مجلة العين الساهرة (الإمارات العربية المتحدة),.