جديد الكاتب والروائي محمد عيد العريمي
صدرت للكاتب والروائي محمد عيد العريمي رواية جديدة بعنوان (شهادة من زمن الحرب)، وفيها يمضي الكاتب إلى أبعاد أوسع وهو يرصد تجربة عُماني يدخل مجاهل جبال أفغانستان؛ في تجربة روائية محفوفة بالاكتشاف والمغامرة.
ويعنون العريمي فصول روايته بما يحيلها إلى تقاطعات حادة مع غموض الرواية وملابسات أحداثها؛ بدءا من عنوان (حوار لم ينشر)، وصولا إلى (شهادة على كتابة هذا النص)، وبَيْن العنوانين تتداعى مفردات تتشكل من نوع (الطريق إلى كابل) و(جيش الخلاص) و(وراء القضبان).
يقول بطل الرواية ماجد (ابن الشيخين) في حوار صحفي: (كنت مجرد مراقب على سقوط كابل في أيدي قوات حلف (الناتو) ومعهم فصائل التحالف الشمالي الأفغانية بقيادة أمريكا. وإن كنت في أتون تلك الحرب وشاهد عيان على مدى قسوتها وتداعياتها على البشر والحجر، إلا أن دوري اقتصر على تضميد بعض جرحاها وقراءة القرآن الكريم على رؤوس من يحتضر من ضحاياها وتلقينهم الشهادة ليس إلا. لم أرفع بندقية في وجه أحد ولم أزرع قنبلة في طريق عربة أو دبابة، إلا أن جهدي التطوعي المتواضع لإسعاف بعض مصابي الحرب من مدنيين وعسكريين اُعتُبِر إرهاباً، وأصبحتُ ـ حسب تصنيفهم ـ لا أقل خطورة عن مقاتلي القاعدة. قد لا تمثل تجربتي هذه وشهادتي على الحرب في أفغانستان، وحياة الأشخاص الذين أتيت على ذكرهم شهداء وأحياء، شأنًا بالغ الأهمية إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم التدمير الذي لحق بهذا البلد إنساناً ومكاناً، ولكنها شهادتي على ما رأيت من الزاوية التي كنت أطل منها على المشهد العام، ويبقى أن ليس من رأى كمن سمع!).
ويكشف بطل الرواية الشاب العماني الذي ذهب للقتال في صفوف حركة طالبان وعاد ليدلي بشهادته عن تلك الحرب، قصص مجموعة من الشباب العرب ذهبوا للقتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل على أرض ليست أرضهم وعدو ليس عدوهم ومن أجل قضية لا علاقة لهم بها.. أتوا إلى أفغانستان استجابة لنداءات صدرت هنا وهناك.. بعضها بأصوات عالية من على المنابر وبعضها الآخر همساً في زوايا المساجد أو المجالس الخاصة، والتي كانت مجتمعة لها دور كبير في بعث روح الجهاد ودفع الشباب العربي للتوجه إلى أفغانستان للدفاع عن الإمارة الإسلامية.
ورغم التضحيات التي بذلوها، أصبحوا مطاردين حتى من قبل بعض من ذهبوا للجهاد في صفوفهم، فسرعان ما تحولوا من مجاهدين إلى إرهابين، وزج بمن عاد منهم إلى بلدانهم في غياهب السجون، ولجأ بعضهم مجبرين إلى أسلوب الحياة السرية، وانجروا وراء شعور الانتقام بسبب الضيم الذي وقع عليهم.
ويقدم د. محمد حفيظ الذهب للرواية بالقول: إنها (تروي في جانب منها قصصا شبيهة بتجارب عاشها جيلنا خلال النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي).. مشيرا إلى تجارب عايشها شخصيا حينما التقى عددا (من الشباب الخليجيين الذين تركوا دراستهم وتخلوا عن أحلام مستقبلهم وذهبوا إلى أفغانستان متأثرين بدعوة نشطاء إسلاميين يتمتعون بقدرة فائقة على تجييش المشاعر الدينية).
ويضيف: (لقد جيَّر محمد عيد في هذا العمل ذاكرة وتجربة جماعية عشناها سوياً بكافة تجلياتها، وإن كانت في زمن مختلف وظروف مغايرة، لكن التاريخ، كما يقال، يعيد نفسه. فمجموعة الشباب الذين التقي بهم ماجد العماني سواء في طريقه إلى أفغانستان أو في كابل نفسها، والذين تطوعوا للقتال في صفوف حركة طالبان ضد قوات (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة، في أعقاب الهجوم على برجيّ مركز التجارة العالمي بنيويورك، لا تختلف دوافعهم عن الشباب الذين ذهبوا للقتال في صفوف الحركات الجهادية الأفغانية ضد القوات السوفييتية قبل عقدين ونيف من الزمن).
ويختتم الروائي محمد عيد العريمي تجربته بشهادة موقعة باسم (العبد بن سعيد) ليضع القارئ أمام لعبته الروائية بسردية تختلف إلى حد ما عن تجارب العريمي السابقة، فيكمل حكاية البطل بعد إكماله كتابة شهادة ابن الشيخين، مواصلا (رحلة الفرار)، وصولا إلى مقتل أسامة بن لادن.
يذكر أن لمحمد عيد العريمي ـ إضافة إلى عدد كبير من المقالات ـ ستة إصدارات تراوحت بين الرواية والسيرة والقصة. تعايش نصوصه السردية الواقع وإن اختلفت في درجة الالتصاق به، حيث يتنوع متنها الحكائي بين الاجتماعي، والعاطفي، والسياسي، وذلك في إطار رؤية ذاتية وثقافية فرضتها التجربة الشخصية والأبعاد الإنسانية. استقبل إصداره الأول (مذاق الصبر) بحفاوة بالغة، وصدر منه حتى الآن خمس طبعات، وترجم إلى اللغة الانجليزية، واعتمد في مقرر اللغة العربية في السنة العاشرة كنموذج للسيرة الذاتية.
تقع الرواية في ٢٢٠ صفحة من القطع المتوسط ، وصدرت عن بيت الغشام للنشر والترجمة في مسقط بسلطنة عمان.