فيما مضى عايشت ذات نصف ساعة تجربة الصمم وكف البصر ونتج عنها تخصصي في بناء التواصل مع الأطفال ذوي الإعاقة السمعبصرية، أما تجربة (عيش التوحد) فهي خبرة عايشتها خلال مؤتمر التوحد العالمي بالكويت.. عند جناح جمعية أسر التوحد الخيرية جذبتني اللافتة: (تجربة عيش التوحد، فكرة البندري الحصين، تطوير سارة آل رشيد، وتنفيذ فريق إتيان التطوعي).
أوضحت لي الأخصائية أن التجربة محاولة لمحاكاة الصعوبات التي قد يعانيها الأشخاص ذوو التوحد، شرحت لي خطوات التجربة، وطلبت منى إبلاغها لتنهيها عند شعوري بالتعب أو قراري بالتوقف لأي سبب، عزمت على خوض التجربة لنهايتها… وهل يملك الأشخاص ذوو الإعاقة إنهاء معاناتهم؟!
بدأت الأخصائية بوضع أثقال في يدي للتأثير على قدراتي الحركية، شعرت بأطنان تضاف إلى ذراعي ورقبتي التي تنوء فقراتها بحمل رأسي، كدت أتراجع من بداية الطريق لكنني استمريت.. ألبستني قفازين لتقليل قدراتي الحسية اللمسية، ونظارة ضببت الرؤى أمام عيني، وسماعة موصولة بهاتف تصب في أذني وشوشة ربما لموج البحر أو لطنين لم أكن أدريه، كدت أعترض لكنها كانت قد وضعت اللاصق على فمي.
أركز في طنين أذني.. أحاول تفسير تلك الأصوات المتداخلة في رأسي.. تلمس الإخصائية يدي، يبدو أنها كانت تحدثني ولم أنتبه.. أنظر إليها.. حاولت التركيز فيما يتحرك أمامي.. غوامض كالأشباح.. ناضلت لتفسير ما يتحرك أمام عيني.. هي تشير بيديها وتضع شيئا في يدي… أعاقني القفاز عن تعرف ملمسه.. حاولت مسايرتها… بعد نضال أدركت انها تريد أن أقلدها وأفرك بيدي ما وضعته في كفي.. يؤلمنى ذراعي بشدة مع كل حركة أقوم بها.. حركتي بطيئة وتؤلمني.. أعود بذاكرتي إلى تجربتي مع الصمم وكف البصر حين كنت قادرة على التواصل مع شريكتي لمسياً، ويبدو أنني أفقد تلك القدرة مع اضطراب التوحد!!!
يبدو أن البعض يتجمعون حولي ويتابعون ما يحدث.. لا أراهم جيداً والطنين بأذني يشعرني بالتوتر.. أضطرب لكنني أود الانتصار… هل تحاكي مشاعري فعلاً الأشخاص من ذوي التوحد في تلك اللحظة؟! أعطتنى لوحة خشبية للبازل وكنت أعي من خبراتي قبل معايشة التوحد أنها ستطلب مني وضع بعض القطع في مكانها… أعترف أنني لم أدرك حينها ـ بما كنت أملك من حواس مشوشة ـ ما كانت تريده مني.. حاولت أن أنجح ويبدو أني فشلت.. فهمت ذلك من خلال إشارتها اللمسية… أكرر المحاولة مرات… أناضل أن أرى… وأعجز، أحاول تلمس موضع القطعة… وأفشل، مع كل محاولة تتنامى آلام ذراعي وكتفي.. صدقوني ناضلت كي أستمر…
لم أعد قادرة على التحمل،، أشرت إليها لتزيح آلام نفسي قبل جسدي.. نزعت قيود يدي وأزالت غيم بصري وتشويش سمعي لأجلس!!! هل كان ذلك هو التوحد؟! ضعف وقصور في المهارات الحركية والتواصل؟ تشويش وقصور الحواس؟ هل يختلف ما يرون أو يسمعون عما نرى أو نسمع؟
يبدو أن التجربة قد تقربنا من بعض المعاناة.. يظل ما نفعله مجرد محاكاة لواقع قد يكون أكثر ألما وربما اختلافاً.
د. سهير عبد الحفيظ عمر (أم الرجال),
- استشاري التربية الخاصة وتأهيل الأطفال الصم المكفوفين.
- حاصلة على أول دكتوراه في الوطن العربي تتناول تنمية التواصل لدى الأشخاص الصم المكفوفين، تجمع بين الدراسة العلمية ـ كباحثة أكاديمية لها العديد من الدراسات ـ والخبرة والممارسة العملية التي تنوعت بين أمومتها الخاصة لاثنين من فاقدي السمع المتميزين ذوي التجارب الرائدة والعمل في مجال تأهيل الأطفال ذوي الإعاقة السمعبصرية.
- تمتد خبرتها العلمية والعملية في مجال الإعاقتين السمعية والسمعبصرية إلى ما يقرب العشرين عاما، تعمل كمستشار لعدد من الجمعيات والمواقع الإلكترونية العاملة في مجال الإعاقة.
- عضو مجلس أمناء مركز القاهرة للتدخل المبكر واتحاد كتاب مصر واتحاد كتاب الإنترنت العرب.
- محاضر ومشارك في عدد من المؤتمرات والدورات وورش العمل المحلية والعربية والدولية المتخصصة في مجال الإعاقة.