وأنا جالس أراجع بعض الدروس لولدي تذكرت موقفاً مر بي قبل ثلاثين عاماً، كنت حينها طالباً في المرحلة الابتدائية عندما دخل معلم اللغة الانكليزية إلى الصف وهو يتكلم بتلك اللغة الغريبة علينا وكله ثقة وقوة وكأنما يفرض قوته اللغوية على مسامعنا ويقول: (ستاند اب) (أي: قيام)، وبعدها يقول (ست داون) (أي: جلوس).
كان أسلوبه حاداً ولكنه مؤثر جداً.. كان يغرس المصطلحات والمفاهيم اللغوية في أدمغتنا غرساً كأنما يغرس الصفصاف في الارض…
لكن هذا الرجل المتواضع الفذ كان قد نفعنا دون أن ندرك ذلك ونحن في سن الطفولة… إلا أن هذا الإدراك لم يبدأ إلا بعدما تقدمنا في السن.
عرفنا أن التلميذ يتفاعل وجدانياً مع معلمه من حيث لا يدرك… كنا نعتبره الأب الثاني وطاعته واجبة علينا وكلامه يحفظ نترقب حركاته ونستمع إلى كلماته ونتعجب لقيافته…
تأثرنا بشخصيته إلى حد التقليد، أين نحن من ذلك الآن، هذا التفاعل الوجداني الذي ظل يتمركز في ذاكرة الإنسان من خلال شخصية المعلم وحب التلميذ للمادة الجديدة ـ على الرغم من صعوبتها ـ ليس لشيء انما لأجل معلمه القدير الذي لا يدخر جهداً في سبيل ايصال المعرفة وترسيخ مبادئ الأخلاق عند تلاميذه.
المعلم شخصية روحية بالنسبة للتلميذ ومثال يقتدى به، لذا يجب على المعلم أن يكون بمستوى المسؤولية المهنية والأخلاقية التي تقوده إلى منحى الاتزان والابداع التربوي خدمة للعملية التربوية والعلمية…
كاتب وباحث عراقي