فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن غيث لـ (المنال):
من لا يستطيع الصوم على الدوام بسبب إعاقته يطعم مسكيناً عن كل يوم يفطره
لم تغفل الشريعة الإسلامية السمحاء متطلبات الأشخاص ذوي الاعاقة في شهر رمضان المبارك، شهر الصيام والتقرب إلى الله عز وجل، بل على العكس تماماً، راعت شؤونهم وقدمت لهم الأحكام المناسبة لكل نوع من أنواع الإعاقة، ففي الوقت الذي تكلف فيه شخصاً بالصوم تعفي آخر منه لأنه يشق عليه، وللتفصيل في هذا الموضوع التقينا فضيلة الشيخ محمد بن غيث الواعظ الديني في دائرة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالشارقة الذي قدم شرحاً وافياً لكيفية تعامل ذوي الاحتياجات الخاصة مع هذا الشهر الفضيل على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية:
لدى بعض الأشخاص ذوي الإعاقة مشاكل صحية وجسدية تعيق في بعض الأحيان صومهم، فهل هناك أحكام صوم خاصة بهم؟ وهل هم مكلفون بالصيام رغم إعاقتهم؟
من المقرر عند علماء المسلمين أنه يشترط لصحة الصوم أن يكون الإنسان مسلماً وعاقلاً وبالغاً وقادراً ومقيماً وخالياً من الموانع التي تحول دون صومه، ومن كان من الأشخاص ذوي الإعاقة فإنه ينظر إليه في هذه المسألة من شرط القدرة، والقدرة ضدها العجز فمن كان عاجزاً لا يجب عليه الصيام. هذا من حيث العموم وأما من حيث الخصوص فالعجز يقسم إلى نوعين، الأول من كان عجزه دائماً والثاني من كان عجزه طارئاً، فالذي عجزه دائم فهو إما كبير لا يستطيع الصوم أو مريض لا يتوقع شفاؤه ويشق عليه الصيام، فهذا ليس عليه صوم وعليه إطعام مسكين عن كل يوم أفطره كما قال تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}. وأما العجز الطارئ فيشمل المريض مرضاً يرجى شفاؤه فهذا يفطر ويقضي إذا شفي من مرضه كما قال تعالى: {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر}. فمن كان من الأشخاص ذوي الإعاقة ولا يستطيع الصوم على الدوام فهذا يطعم فقط، وللإطعام كيفيتين الأولى أن يصنع طعاماً ويدعو إليه ثلاثين مسكيناً كما ثبت عن أنس رضي الله عنه، والثانية أن يشتري طعاماً نيئاً (ويستحب أن يكون معه إدام) ويعطيه لأسر فقيرة، لكل مسكين نصف صاع من أرز ونحوه أي ما يعادل 1.5 كيلو غرام.
بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة هم من ذوي الإعاقة الذهنية فهل هم مكلفون بالصوم؟
من كانت لديه إعاقة ذهنية شديدة بحيث لا يستطيع القيام بالعبادات بشكل دائم فإنه لا يطالب بشيء منها إلا الزكاة إذا كان لديه مال ويخرجها عنه ولي أمره، وأما من كانت إعاقته بسيطة ويستطيع القيام بالعبادات فإنه مطالب بها حتى ولو كانت إعاقته تحول دون القيام بها في بعض الأوقات، والصوم من هذه العبادات.
إذا أذن الفجر مثلاً على أحد الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية وهو لا يزال يتناول طعام السحور دون أن يعلم، هل يفطر ذلك اليوم أم يتابع صومه؟
يتابع صومه طبعاً لأن الله عز وجل يقول: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، وإن ما يقرره العلماء (رحمهم الله) أن المفطرات لا تفطر إلا بثلاثة شروط وهي: العلم والذكر والاختيار، فمن كان جاهلاً لا علم له بالوقت وفعل مفطراً فإنه لا يفطر بذلك، وهكذا من فعل مفطر وهو ناس وكذا من أكره على مفطر من المفطرات.
لدى بعض الأشخاص ذوي الإعاقة حالات صرع خفيفة أو شديدة حسب نوع إعاقتهم فهل يرخص لهم بالإفطار؟
من كانت إعاقته شديدة بحيث يفقد عقله في أكثر الأوقات فهذا ليس بمكلف، وأما من كانت إعاقته خفيفة وقادر على التمييز بحيث يأتيه الصرع أحياناً فهذا يطالب بالصيام فإذا صرع أثناء صومه فإنه يكمل صومه بعد إفاقته لأن الله عز وجل لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وبالنسبة للأشخاص المكلفين بالصوم من ذوي الإعاقة وثبت أن علاجهم يحتاج إلى تناول بعض الأدوية الطبية في أوقات الصيام، كيف يتم التعامل مع هذا الموضوع؟
من كان مرضه يشفى منه فهذا يفطر وعليه قضاء الأيام التي أفطرها بعد رمضان، وأما من كان عجزه يتطلب تناول الدواء بشكل دائم فهذا يطعم عن إفطاره كما أوضحنا سابقاً.
بعض أولياء الأمور الذين لديهم أولاد من ذوي الإعاقة يمنعون أولادهم من الصوم خوفاً عليهم، أو من باب عدم رغبتهم بتحميلهم عناء الصوم، ما تقول لهم؟
من كان من الأشخاص ذوي الإعاقة إما أن يكون مكلفاً أو غير مكلف فإن كان غير مكلف والصوم يضره أو يشق عليه فهذا لا يصوم، وأما المكلف الذي لا يشق عليه الصوم ولا يضره فهذا واجب عليه الصيام ولايجوز لأهله منعه ويأثمون على هذا بل عليهم أمره بالصيام لأن الشريعة خاطبته كغيره.
هل هناك نماذج في التاريخ الإسلامي لأشخاص منعوا من الصوم بسبب إعاقاتهم؟
نعم لاشك بذلك ولكن لا أعرف الأسماء، وجزمت بهذا لأنه ما من زمان إلا وفيه أهل الأعذار، والإسلام منحهم الرخص لأنه دين صالح لكل زمان ومكان.
د. محمد بن غيث
@D.ghaith
دكتوراه دراسات إسلامية، واعظ وخطيب بدائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة