نويل تومبسون شاب في الرابعة والعشرين يدرس في جامعة جنوب ميين المضاربة في السوق ويعمل بوظيفة مساعد مدفوعة الأجر في مصرف محلي وهو أحد ستة طلاب مصابين بمتلازمة داون وكان أول من التحق بالجامعة
برزت أولى البرامج القائمة على التعايش في الحرم الجامعي للمعاقين ذهنياً سنة 1970 كرد فعل على جهود بذلت على نطاق واسع لإغلاق المعاهد التي كانت تضمهم ومن ثم دمجهم في المجتمع
يحب نويل. ب. تومبسون حياته في جامعة جنوب ميين وهو يدرس المضاربة في السوق ويعمل بوظيفة مساعد مدفوعة الأجر في مصرف محلي.. يعطي بتشوق كبير وقته في رحاب الجامعة مع منظمة خدمية تقوم بإدارة مخيم صيفي للآطفال المرضى وهو يتمتع بالصداقات التي كونها هناك ولا يخفف عنه الاحساس بالغربة إلا رضاه الذي يستمده من كونه يتعلم حتى يمارس حياته بنفسه.
يقول :أحب أن أكون مستقلا .
ميوله للتعليم تثير إعجاب كل طالب جامعي لكن (تومبسون) ليس طالباً فقط فقد ولد مصاباً بمتلازمة داون وهي عدم انتظام في عمل الكروموزومات أعاق تطوره العقلي. التحق بالجامعة عبر جهوده النضالية ومساعدة جامعة استرايف وبرنامج عديمي الخبرة تم وضعه ليزود الطلاب بخبرات وبتعليم ثانوي لسنتين ثم التخرج.
قال إن البرنامج أعطاه الثقة ليفكر في عالم الاعلان أو العمل كمذيع في برنامج للموسيقى المسجلة أما في الوقت الحالي فإنه يداوم في فصول تحضيرية. قال: »أريد أن أدرس الفيزياء لأنني لم أفعل ذلك في السابق«. يبلغ تومبسون الرابعة والعشرين وهو أحد ستة طلاب مصابين بمتلازمة داون وكان أول من التحق بجامعة استرايف التي أسستها جامعة جنوب ميين ومنظمة غير ربحية في جنوب بورتلاند التي تخدم الشباب البالغين من ذوي الاعاقة
البرنامج جزء من طفرة تجري حالياً لزيادة فرص خريجي الثانوية من ذوي الاعاقة العقلية وكرد فعل لزيادة الطلب فقد قامت العديد من الجامعات بتأسيس برامج مماثلة في السنوات القليلة الماضية كما يفكر آخرون في القيام بذلك.
وبالرغم من التكلفة العالية تعمل جمعية متلازمة داون العالمية مع كليات حكومية وخاصة في مدينة نيوجرسي لتنشىء نظاماً مثالياً لتقديم خدمات ما بعد الثانوية للأعمار بين 18 ـ 25 سنة (من ذوي الإعاقة العقلية)، وكما يقول مدير تلك المنظمة فإن الكثير من الأسر تعلق آمالها عليها وذلك لما حققته في هذا المجال.
لقد اهتمت إدارة التعليم الامريكية وشجعت مثل تلك البرامج واستطاعت جامعة ماساشوتس في بوسطن حصر أكثر من خمسين من تلك البرامج.
تساءل بعض مديري الكليات عن مدى القدرات العقلية لذوي الاعاقة العقلية في الحصول على درجة البكالوريوس حتى مع الجهد المكثف وخدمات الدعم وقد قاوموا تلك الفكرة.
يعلم الكثير من المدافعين عن تلك البرامج محدودية تفكير هؤلاء الناس ولكنهم يقولون: علينا إعطاؤهم الفرصة ليمارسوا الفشل على أن نحرمهم من التطلع إلى أهداف عالية.
الطعام، النفايات، أو الورود
القليل فقط من البالغين من ذوي الاعاقة العقلية يتمكنون من الالتحاق بالجامعة ويتلقى أكثرهم التعليم في المدارس الحكومية حتى سن 21 وخيارات التوظيف لا تتعدى العمل في ورش محمية بأجور متدنية أو كعمال في المطاعم السريعة أو فراشين…
مثل الكثيرين من أولياء ذوي متلازمة داون تقلق السيدة ايرين ميلهوث على مستقبل ابنتها كريستينا التي كرست جل وقتها للتغلب على اعاقتها حتى تم قبولها في فصول منتظمة وحصلت على الدبلوم وتوقفت عن الدراسة والأم التي ترغب في المزيد أصابتها التعاسة وتملكها الخوف مما ستفعله ابنتها كريستينا إذا ما توفت هي.
أثناء بحثها عن عمل مجز لابنتها اتصلت الأم بجامعة جنوب ميين وكانت في قمة السعادة عندما تم اختيار ابنتها للدراسة العليا من ضمن ستة ناجحين من أصل 65 طالباً.
أقامت ابنتها مع طالبة أخرى ومعهما مشرفة تعلمهما الطبخ وتسديد الفواتير حتى تتأقلما داخل الحرم الجامعي.. وكانت كريستينا ترغب في أن تصبح محامية وتقول لمن يستغرب ذلك: »أليست لنا عقول! ألسنا أسوياء مثل غيرنا؟«.
السيد ايرفن شابويل ناشر كتب عن الأطفال ذوي الاعاقة المتقدمة ألحق ابنه جليك البالغ من العمر 21 سنة بجامعة استرايف وقال إنه يريد أن يعيش مثل أقرانه ويعمل وينال التقدير ويندمج في المجتمع، وللأسف توفي ابنه في ديسمبر بمرض في القلب، إلا أن الوالد لم يتوقف عن دعم جامعة استرايف وكان يحث الجامعات على تبني مثل هذه البرامج واعطاء المعاقين الفرصة التي يستحقونها.
إزالة الحواجز عن الممارسة العادية
برزت أولى البرامج القائمة على التعايش في الحرم الجامعي للمعاقين ذهنياً سنة 1970 كرد فعل لجهود على نطاق واسع لإغلاق المعاهد التي كانت تضمهم ومن ثم دمجهم في المجتمع، وخلال العشرين سنه التالية فإن معظم البرامج قدمت خدمة لكل البالغين من كل الأعمار ووضعت تركيزاً قليلاً على الدراسة الاكاديمية.
وقد ركزت البرامج على التدريب المهني وعلى أولئك الذين عاشوا داخل المؤسسات ليتلاءموا مع الحياة الخارجية، وقد طالب القانون الفيدرالي الذي أقر قانون التعليم لكل الاطفال المعاقين سنة 1975 بأن تقدم خدمات للأطفال من ذوي الاعاقة في المدارس الحكومية حتى يتم تخرجهم من المدارس العليا أو يصل سنهم للثانية والعشرين (22) فوضعت برامج مبنية على التعايش داخل الجامعة للأعمار بين 18 ـ 21 سنة الذين لم يكملوا الدراسة الثانوية. أما أولئك الطلاب الذين لا يريدون المكوث سبع سنوات في المدرسة العليا فيدرسون المنهاج نفسه مع المعلمين أنفسهم ويجلسون قرب طلاب في سن الـ 14 وفي هذه الحالة لا يمكن تقييم طالب اجتماعياً في المدرسة العليا وهو في سن 21 إذن ضعوه في مجتمع جامعي وستجدون أنكم أمام شخص تنظرون إليه بتقييم مختلف.
يمنح القليلون الفرصة ليحصلوا على ثقة الكلية ومن تلك الكليات كلية المجتمع في مقاطعة بالتيمور التي أنشئت قبل 3 سنوات وهي تمنح ذوي الاعاقات المتشابهة دورات معدلة وخبرات وظيفية ليتأهلوا كعاملين في العناية بالطفل. وقد تخرجت ميليسيا سيلفرمان (متلازمة داون) من دراسة تلك البرامج في 2003 وهي تعمل الآن كمساعدة في مركز تنمية الطفل بالقرب من منزلها وتستمتع كثيراً بعملها مع الاطفال.
إن الانتقال إلى برامج تعليم الحياة المستقلة تم في 1995 وهي الاولى في توفير سكن داخلي وكما قال مدير دعم خدمات الطلاب فإن الكثيرين تقدموا للالتحاق بها وفي حالات قليلة كان الاشخاص ذوي الإعاقة الذهنية وهم ملتحقون بالكلية وينالون درجة جيدة دون أن يكونوا مسجلين في برامج خاصة ومنهم كاثرين ابوستيلدس (21 سنة) من مدينة بتسبيرج التي انضمت إلى كلية بيكر في ماساشوتس الخريف الماضي بالرغم من أنها ولدت وهي مصابة بمتلازمة داون إلا أن والديها أصرا على الحاقها بمدرسة عادية فنعتهم الناس بالجنون ومع هذا حصلت كاثرين على الدبلوم من المدرسة العليا المحلية حيث كانت تكتب في الصحيفة المدرسية وزعيمة فريق التشجيع وكانت تصر على أن يتم تسجيلها في كلية منتظمة لكن والديها لم يجدا معهداً يقبلها وكان مدير كلية بيكر يقول إن كاثرين أول طالبة مصابة بإعاقة ذهنية بالكلية إلا أنها كانت تلهمنا دائماً.
مصادر محدودة
تعتبر معظم الكليات أن برامجها لأولئك المعاقين ذهنياً تتمحور حول تزويدهم بخبرات تتعلق بالعمل وأحياناً تقدم العمل أو العون المادي والنفسي وما شابه ويدفع الطالب المعاق ضعف أو أكثر ما يدفعه الطالب العادي من مصروفات.
وترى الكليات أن مشاركتها في مثل تلك البرامج أمر تطوعي بينما ترى المدارس الحكومية أنها غير ملزمة بتقديم أي جهد وذلك لعدم ترجمتهم الصحيحة للمرسوم الامريكي المتعلق بذوي الاعاقات وأنه ملزم لها بتغيير سياسات القبول والمستويات الاكاديمية والممارسات التطبيقية لتخدم أولئك المعاقين ذهنياً.
للموافقة على دعم كلية استرايف من قبل جامعة جنوب ميين فإن الاخيرة اشترطت على أعضاء الكلية عدم تغيير كورساتهم أو متطلباتهم لتلائم الطلاب المسجلين في البرنامج والمسموح لهم بالدراسة في فصول عادية حيث يدفع الطالب 11000 دولار عن الدراسة والسكن والطعام بالإضافة إلى ما تتلقاه الجامعة من تبرعات من أشخاص أو من المصادر الفيدرالية حيث تقوم باستخدام مشرفين ومساعدين ومنسقين للتدريب والدراسة كما تفكر في تعيين آخرين العام القادم عندما يتم قبول ست طلاب آخرين. ويقول بيتر براون المدير العام لجامعة استرايف إن أحد أهداف الجامعة تعليم المشاركين وتدريبهم على حياة مستقلة.
دروس تعلمناها
في صباح الخميس يتجمع طلاب جامعة استرايف في حلقة دراسية تقام مرتين كل أسبوع يدرسون فيها كيفية ممارسة حياة الكلية ويبدأ الدرس بمشاركة عبر المايكروفون حيث يقرأ كل طالب أبياتاً من الشعر يقوم الطلاب بعدها بمناقشة أحاسيسهم ومشاعرهم وأفكارهم، ينتقلون بعدها لدرس كيفية عمل جداول الدروس حتى لا يفوتهم واحد منها.
وقد يمر الطلبة أحياناً ببعض المنغصات كأن يسيء أحدهم إلى الآخر باستخدام كلمة (يا متخلف!) مثلاً. أما في الاغلب الأعم فإن الطلاب يستمتعون بوقتهم ودراستهم ويتلقى كل منهم دورة في مواضيع مثل تعلم اللغة الصينية، الموسيقى وعلم النفس.
تقول سوزان كامبل المديرة التنفيذية بجامعة جنوب ميين وراء البحار إنه من الصعوبة التنبؤ بالمدى الاكاديمي الذي يستطيع الطلاب الوصول إليه إلا أن مدى قدراتهم كبير وأن ما نعرفه هو أن هناك الكثير من الحماس والتحفيز.