يستكثر الآخرون على الشبان المعاقين عقلياً أن يكونوا موهوبين أو مبدعين في مجال مهني أو تعليمي وقد نفعل نحن المختصون الشيء ذاته وقد نُصاب بالدهشة لما بدر منهم من أفعال ايجابية ذات قدرات عالية ومهارات فائقة تجعل الآخرين يصفقون إعجاباً بهم ولو أن في ذلك خفايا داخلية تجاه هذه الفئة لا نعلمها. وعليه، نجد أنفسنا نُعيد قراءة ما تعلمناه ودوناه في ذاكرتنا من مبادىء نظريات تربوية ونفسية تجاه هذه الفئة، نعم إنهم قاصرون في سلوكهم وقدراتهم وتحصيلهم وتفاعلهم الاجتماعي ولكن أيحق لنا أن نسلبهم كل ما هو ممكن؟ وهل نبقيهم دوماً في دائرة المُحال؟ ونغلق عليهم في إطار ضيق حتى الاختناق؟
ما جعلني أكتب حول هذا الموضوع أنه ذات يوم وفي احتفالية كبيرة لأحد المدارس التي كانت تفعّل برنامجاً للمعاقين وحضرها مدير عام التربية والتعليم أطل الطالب هيثم على المسرح وبدأ يشدو بصوته العذب أبياتاً من قصيدة باللغة العربية الفصحى تتحدث عن المعاقين، وإذ بأحد التربويين ـ وكان يجلس إلى جانبي ـ يحدثني ويسأل بدهشة هل هذا الطفل معاق عقلياً؟ وهل هو أحد طلاب التربية الفكرية؟ لماذا تقبلونه لديكم؟ فقلت له: إنه بالفعل معاق عقلياً ولديه فروق فردية في داخل ذاته أي بمعنى أن لديه قدرات عالية في الحفظ ولكنه في جانب آخر يعاني من قصور ولكنه ليس عاجزاً عن كل شيء فلديه القدرة على الأقل في مجال واحد لمجاراة أقرانه كما ترى على المسرح وأسلوب الدمج في مدارسنا إنما وضع لكي نقول للجميع إن لهم الحق في العيش ومجاراة زملائهم في البيئة الطبيعية وليس بمعزل عنهم وهذه إحدى ايجابيات الدمج بأن جعلت هذا الطفل يتفاعل مع الحضور ومع ذاته وأقرانه العاديين لذلك فإن للمدرسة العادية دوراً كبيراً في إبراز هذه الموهبة ولدينا كثير من الطلاب الموهوبين في مجالات أخرى…
واصلت حديثي معه فقلت له: أتدري أن هناك طالباً من التربية الفكرية قد حقق المركز الثالث في مسابقة حفظ القرآن الكريم (جزء عم) على مستوى المملكة قراءة وتجويداً وهو من يقرأ القرآن الكريم كل صباح في الإذاعة المدرسة واحتفالات المدرسة…
انتهى حديثي مع الزميل بعد أن بارك لنا خطانا ودعا بالخير لمن استحدث هذا الأسلوب من التعليم.
طالب آخر في التربية الفكرية أبدع في إيصال فكرة رائعة عن الإرهاب وجسدها برسم أروع أعجب كل من رأه ونُشر في إحدى الصحف اليومية، ويذكر معلمه أن فكرة العمل الفني (الرسم) وتسلسل أحداثه هو من بادر إلى رسمها بل وشرح مضمونها ومعناها وحتى الحدث الذي كان المجتمع ومازال يعيشه… ولكن ما يحز في نفسي دوماً هو ذلك الإحباط المسبق في ذات من يعمل مع هذه الفئة بأن لا جدوى من العمل معهم وأنهم لن يتطوروا أو أن ينمّوا قدراتهم بل إن التشاؤم قد يصل حد أن الوقت والجهد معهم غير مجدٍ اطلاقاً، ويقف خلفهم مع هذا التوجه بعض الأسر وبعض من أفراد المجتمع بتوجههم السلبي الذي يقتل في ذواتهم المبادرة والمنافسة واثبات الذات ولذا من يعمل مع هذه الفئة تُفترض فيه سمة الإيثار على النفس والصبر وسعة الصدر ورحابة النفس..
إنهم بالفعل معاقون ولكنهم ليسوا عاجزين أو غير قادرين على الإبداع متى وجدت الأرضية الخصبة لتربيتهم ورعايتهم واحتضانهم واكتشاف مواهبهم وصقلها عندها سنثبت لجميع أفراد المجتمع بأن لديهم من الموهبة بقدر ما لدى أقرانهم وبما يتناسب مع قدراتهم وإعاقاتهم.