أين سلة مهملاتك ونفاياتك؟.. اجعلها في ذراعك دائماً، فالإنسان يتحتم عليه القيام بعملية التنظيف الدقيق بين الحين والحين، هذا التنظيف يكون لبيت حياتنا، ومخازنها، ومخادعها، وأركانها التي طال إهمالها أو إغفالها.
وكثيراً ما تتجمع الأتربة والنفايات هنا وهناك ولكنها ـ كما نعلم ـ فاقدة الجدوى، قليلة النفع، ومن أجل هذا كله نكون في أمس الحاجة إلى إعداد سلة مهملات نقذف فيها بتلك النفايات، لنتخلص منها.
والإنسان كثيراً ما يضم بين ضلوعه إساءة بالغة صدرت نحوه من شخص ما، ولا يبادر إلى إلقائها في سلة المهملات، ولا ينسى الماضي رغم أنه مضى إلى غير رجعة، ويفترض أن الصديق الذي خان العشرة أو نقض العهد أو الود كان أثراً جافياً مغلف النفس، فما عليك إلا أن تنسى ما نالك منه، وأن تبادر إلى ملاقاته بالبشر والبشاشة، عندما تقابله قم بتحيته مبتسماً له، وتمنى له بأن يجعل الله كل أيامه صفواً ورخاءً.
ومثل هذا الموقف الكريم كثيراً ما يحدث في نفسه العجائب، ويجري المعجزات، أما ما يتم لك نتيجة ذلك، فسيقصر عنه الوصف.
وقد قرأت ذات مرة أن رجلاً مسناً حليماً قال: (إن معظم الناس يتمنون أن تكون حافظتهم قوية، أما أنا فلا أتمنى أن تكون لي تلك الحافظة القوية، وإني أتوجه إلى الله أن ينعم علي بذلك، إني أريد أن أنسى إساءات الناس).
كما ورد عن أديب غربي تميز بالصفح والعفو قوله: (اللهم أعنا لكي ننسى جميع الإساءات الماضية، وساعدنا حتى لا نعود فنفكر في الآلام التي ضقنا بها، لقد اعترف المسيء بعدوانه تائباً راجعاً عن إساءته، وقد صفحنا عنه، فساعدنا، لكي نوفر على أنفسنا الذكريات الموجعة، فتزداد حياتنا بالنسيان ثروة وقوة).
كما نسب إلى أحد الفلاحين هذا القول: (إننا لن نفيد شيئاً إذا كنا ندفن الفأس، ونترك مقبضها بارزاً فوق الأرض، يصدم أقدامنا كلما مررنا بها).
لقد آن لنا أن نلقي كل أحقادنا وضغائننا بين الحين والحين في سلة المهملات، حتى يمكن إحراقها مع سائر النفايات، وأن نتذكر دائماً أن هذه السلة هي خير مكان لدفن المواجع الصغيرة، والإساءات اليسيرة التي نصادفها في حياتنا اليومية، وهي حين تأتينا فرادى لا تساوي شيئاً يذكر، لكن الويل منها حين تتجمع وتتراكم، وحين نخزنها في قرارة نفوسنا، ودواخل قلوبنا.
وأكبر الاعتقاد أن الذين سببوا لنا المتاعب والآلام لم يقصدوا ذلك فعلاً في غالب الأحيان، بل إن الذي صدر منهم إنما كان نتيجة الاندفاع وعدم التروي، ولذلك يجدر بنا أن نتجاوز عن هفواتهم، ونطرح سيئاتهم، وندفع بالتي هي أحسن، فمن مكارم الأخلاق العفو عند المقدرة، وإن دعتنا قدرتنا على ظلم الناس فيجب علينا أن نتذكر دائماً قدرة الله علينا.
أين سلة مهملاتك؟ هيا قربها منك، وضع في أبعد أعماقها كل ثرثرة فاتكة تنهش فريستها، وتمزق لحمها، وتمضغ عرضها، واعلم أن ذكر الناس داء يمرض ويؤدي إلى الهزال، وأن النبيل الحق لا يذكر الناس بما يكرهون، وأن الذي يذكر أخاه في غيبته بما يكره، أو يسعى بين الناس للإفساد كالنار المضطرمة، يحرق الصالح والطالح، كما تحرق النار كل شيء وأي شيء، وفي ذلك يقول الشاعر العربي:
عد إلى نفسك بين الحين والحين، وطهرها من الكسل والخمول كما طهرتها من البغضاء والشحناء، ودربها دائماً على الجد والعمل، لأن الحياة كفاح وعمل وتضحية ومعاناة، لا عيش فيها لخامل، ولا عز فيها لمتخاذل متردد، وسنة الحياة الاجتماعية أن تلفظ كل المتخاذلين الضعفاء، بينما ترحب بكل صاحب إرادة قوية.
وكل من يريد أن يعيش الحياة الحقة عزيزاً كريماً أبياً، عليه أن يبني نفسه بالعلم والثقافة والوعي والمعرفة، ويشارك في بناء وطنه على العلم والإيمان، بناءً يتسم بروح العصر وطابعه.
وكم يكون جميلاً أن تكون خطاك إلى الأمام دائماً، وألا تنظر إلى الوراء أبداً، ولا تحاول أن تفتح ملفات الماضي المؤلم، فمواكب الحياة الصاعدة تستحث الخطى، وتتعجل السعي نحو النهوض والتقدم، وتاريخ آبائنا الأولين ينادينا، وحضارتهم تهيب بنا أن نقرأ تاريخهم، ونتأمل أمجادهم، حتى نأخذ العبر والدروس المستفادة منهم، ونعمل حتى نكون جديرين بقول القائل:
فليس جديراً بأن ينتمي إلى العرب الذين صنعوا حضارة عظيمة تعلم منها كل العالم، ليس جديراً بمن استنام إلى التخلف والجمود أن ينتمي إليهم، وكذلك من استمرأ الذل، وتفرغ لمحاربة طواحين الهواء، وأضاع حياته وقوته في صراعات فارغة تؤدي إلى الضعف والهوان والضياع.
ولتكن الأخلاق الفاضلة أمنع حصن يقينا تيارات العصر الهدامة وشعاراته الزائفة الفارغة، ولتكن القوة أمضى سلاح يدفع ويرد عنا طمع الطامعين، وعبث العابثين.
لقد كان كل من السلف الصالح يحاسب نفسه أشد حساب في كل ليلة على ما قدم من عمل، ليبدأ صفحة غده بيضاء نقية بغير سوء، ولينأى بنفسه عن كل تقصير، ويأخذها بأسباب الفلاح والنجاح.
مطلوب منا بين الحين والحين أن نحاسب أنفسنا على ما قدمنا لأيامنا المنقضية، طالبين من الله تعالى دائماً وأبداً الصفح والغفران، لنبدأ كل يوم من أيام حياتنا بروح متوثبة تتهيأ وتستعد إلى إدراك ما فات وإصلاح ما فسد أو تصدع.
وختاماً: فعلى كل واحد منا أن يأخذ بزمام نفسه فيحرص على طرح وترك وإهمال أي أمر أو رأي أو فكر يبعدنا عن ثوابتنا وقيمنا وعاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا وأخلاقنا، ولنأخذ بالأسباب دائماً، ولنسلك دروب العمل الجاد، لأن العمل واجب وحق وشرف وكرامة، وبذلك نساعد أنفسنا فيساعدنا الله عز وجل ويكون بجوارنا.
وبذلك ننظم بيت حياتنا، ونعد أنفسنا دائماً لاستشراف المستقبل، عاملين على الإفادة بأكبر قسط من الحياة، ومن العمل الخير في كل لحظة من لحظات حياتنا المعاشة، وبذلك يكتب الله لنا النجاح والفلاح في الحاضر والمستقبل.
والله ولي التوفيق،،،
الدكتور يسري عبد الغني عبد الله
من مواليد القاهرة 1952
باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية والتاريخية مصر باحث ومحاضر (حر / مستقل) للدراسات الإنسانية والحضارية والعربية والإسلامية والمقارنية في أكثر من معهد وجامعة بمصر،
خبيراً في مجال المعلومات والمكتبات والتاريخ الثقافي.
الشهادات العلمية
- ليسانس لغة عربية ودراسات إسلامية، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة 1975.
- دبلوم الدراسات العليا في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، جامعة عين شمس 1977.
- دبلوم الدراسات الإسلامية، المعهد العالي للدراسات الإسلامية، القاهرة، 1981.
- دبلوم عام في الدفاع الاجتماعي والإرشاد النفسي (من منظور إسلامي)، معهد الدراسات العليا للدفاع الاجتماعي، جامعة القاهرة، 1999.
- دبلوم عام في الدفاع الاجتماعي والإرشاد النفسي (من منظور إسلامي)، معهد الدراسات العليا للدفاع الاجتماعي، جامعة القاهرة، 1999.
- دبلوم خاص في الدراسات الاجتماعية ( ماجيستير )، معهد الدراسات العليا للدفاع الاجتماعي، جامعة القاهرة، 2001.
الخبرات
- عمل مدرساً بوزارة التربية والتعليم المصرية (1975-1981).
- عمل باحثاً ومحاضراً بوزارة الثقافة المصرية (1981 – 1993).
- عمل كمدير لتحرير أكثر من مجلة ثقافية تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، منها: ( مجلة الجديد، مجلة المسرح القديمة، مجلة القاهرة، مجلة عالم الكتاب، مجلة عالم القصة، مجلة علم النفس، مجلة التراث الشعبي).
- عمل كمحاضر بنادي الوافدين التابع لوزارة التعليم العالي المصرية.