حين كنت أتجول في مكتبة الجامعة في العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي للبحث عن كتب حقوق الإنسان طبقا لمواد الدراسات العليا، وصلتني الرسائل من أحد أصدقائي عن طريق التواصل الاجتماعي عن فوز الصم المرشحين في انتخابات الجمعية السعودية للإعاقة السمعية يوم الجمعة الماضي (الجمعة 28 أغسطس 2015م) الموافق 13 ذو القعدة 1436 هـ (بشكل مفاجئ، وأخبرني أنهم انتخبوا رئيسا وأعضاء مجلس الإدارة وجميعهم من الأشخاص الصم بعد أن تكاتف الصم الحاضرون في مقر الانتخابات وتعاونوا ليحققوا حلمهم بالفوز في اللحظة الأخيرة، ما أذهل الكثير من الحاضرين والمرشحين.
في الحقيقة.. هذا الفوز يعتبر إنجازا تاريخيا غير مسبوق للصم في تاريخ المملكة العربية السعودية.
جلست وسألت نفسي: هذا المشهد لا يمكن أن يصدق، فالانتخابات الأخيرة ليست سهلة للصم بطبيعة الحال لأن الجمعية كانت تجري تحت الإدارة التنفيذية من الأشخاص السامعين، ويبدو أن بعضهم كانوا ينظرون إلى أن الصم غير قادرين على ذلك ويعملون بأي وسيلة من الوسائل الممكنة لمنع الصم من ترجيح كفة أصواتهم بحجة أنهم يجهلون بقيادة الإدارة.
الرواية، حسب ما وصلتني من أحد الحاضرين، تقول إن الضغوط التي مارسها السامعون على الصم من أجل صوت للمرشحين السامعين فقط مما أدى إلى غضب الأشخاص الصم وتكاتف معهم بالصف الواحد ويصر إصراراً شديداً كي يحضر إلى مقر الانتخابات.
وفي الختام.. انتخبوا رئيساً وأعضاء مجلس الإدارة الجديد من الأشخاص الصم وضعاف السمع فقط دون أي مرشح سامع منهم لأول مرة في تاريخ الجمعية .
لا يخفى على الجميع أنني شديد الإعجاب بإصرار الأشخاص الصم على تأدية واجبهم الوطني، ولا شك أن تشكيل مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعاقة السمعية الجديد من الصم مؤشر واضح لمحاربة التلاعب وحماية حقوق الصم الإنسانية وهذا دليل على إدراكهم بعد معاناتهم من التجاهل والتغافل منذ فترة ليست قصيرة.
ينبغي على الجميع شكر وتقدير الرئيس السابق وإدارته على عملهم ودعمهم للصم ويذكر الحديث الشريف «من لم يشكر الناس لا يشكر الله».
إن نجاح الصم في الانتخابات الأخيرة لا يعني فشل الأشخاص السامعين ولكن من باب الإنصاف للجميع وإعطائهم فرصة متساوية، وليس من المنطق أن تكون السيطرة الكاملة على الجمعية من قبل الأشخاص السامعين فقط ويصنعون القرارات التي تؤثر على الأشخاص الصم، وهذا أمر غير مقبول من الجميع لأن هذه الجمعية خاصة بفئة الصم وضعاف السمع.
أتفق أن الجمعية تحتاج إلى الاستفادة من خبرات المتخصصين لتقديم ودعم للجمعية لأنها مفتوحة للجميع سواء كان أصماً أو سامعاً، ولكني لا أتفق تماماً أن يكون رئيس الجمعية شخصاً غير أصم.
من الجدير بالذكر أن الجمعية تستطيع الانضمام إلى الاتحاد العالمي للصم كعضو رسمي الآن بعد رفضه بشدة لأن رئيس الجمعية السابق غير أصم ومترجم وذلك مخالف لقوانين الاتحاد العالمي للصم، ولا مانع من أن يكون أعضاء من الأشخاص السامعين في الجمعية شرط أن يكون رئيس الجميعة أصماً والهدف من ذلك هو الاعتراف بإرادة الصم .
لقد وقعت المملكة العربية السعودية على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للأشخاص ذوي الإعاقة والتي تنص على: «منع أي شخص مترجم أو سامع من أن يكون رئيساً أو يتقلد منصباً رفيعاً في الجمعية» وهذا النص واضح لا غبار عليه لمنع التمييز ضد الصم وكذلك القضاء على جميع أشكال العنف والتمييز ضد النساء والسعي إلى إدخال المرأة الصماء السعودية إلى مجلس إدارة الجمعية وفقاً لما تنص عليه القوانين الدولية التي انضمت المملكة إليها (سيداو).
ويتفق الجميع على أن الجمعية تحتاج إلى إصلاحات جذرية والتطوير بيد الإدارة الجديدة.
لمن يعترض أو لا يتفق مع هذا المقال، أقول إن نجاح الصم في الانتخابات ليس مسألة نظرية وإنما واقع سيسهم بقسطه في المجتمع العام وطنياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وحتى المشاركة في صنع القرار عبر مؤسسات الدولة، ومجتمع الصم جزء لا يتجزأ من المجتمع العام، وحماية حقوقهم واجب وطني وإنساني، كما أن احترام القوانين الخاصة بهم دليل على رقي المجتمع وتحضره وتأكيد على عدم انتهاك حقوق الصم أو تجاهل القوانين الخاصة بهم.
حمد عبد العزيز الحميد
- باحث وكاتب رأي
- أول سعودي من ضعاف السمع يحصل على الماجستير في الإدارة العامة (M.P.A) والبكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة Gallaudet في واشنطن، بالولايات المتحدة الأمريكية
- محاضر سابق في قسم العلوم السياسية Gallaudet University
- لديه دورات علمية وتعليمية في مجال الصم وضعاف السمع
- حاصل على شهادة شرفية من منظمة الشرف للعلوم السياسية
- حسابه في تويتر:@PersonalHamad