تمبل غراندين (ولدت في 29 أغسطس 1947) هي أستاذة في علم الحيوان في جامعة ولاية كولورادو، ومؤلفة للكتاب الأكثر مبيعاً، واستشارية في سلوك الحيوانات في مجال المواشي. اشتهرت غراندين التي لديها التوحد ذو الأداء الوظيفي العالي من خلال نشاطاتها من أجل الأشخاص من ذوي التوحد، واختراعها لآلة العناق المصممة للأشخاص ذوي الحساسية المفرطة. انتج عنها سنة 2010 فيلم سينمائي يحكي سيرتها الذاتية.
بداية حياتها وتعليمها
ولدت غراندين في بوسطن، ماساشوستس لأبويها ريتشارد غراندين وأوستايشا كاتلر، وشخصت حالتها بالتوحد عام 1950. وضعت غراندين في حضانة خاصة بعد أن شخص الأطباء حالتها بتلف دماغي، وترى أنها حظيت بمدرسين جيدين هناك. تحدثت والدتها مع طبيب اقترح عليها علاج النطق، وعينت مربية كانت تقضي الساعات وهي تلعب ألعاب تبادل الأدوار مع غراندين وأختها.
بدأت غراندين بالتحدث في سن الرابعة وأحرزت تقدماً ملموساً، وتعتبر نفسها محظوظة لأنها حظيت بموجهين متعاونين ابتداء من المدرسة الابتدائية، لكنها ترى أن المدرسة المتوسطة والثانوية كانت أسوأ أجزاء حياتها، حيث كانت الطالبة المجتهدة التي يحاول الجميع إغاظتها، وكان الناس يدعونها بـ (شريط التسجيل) عندما تعبر الشارع، لأنها كانت تردد كل شيء مراراً وتكراراً. تقول غراندين (قد يضحكني ذلك الآن، ولكنه كان أمراً مؤلماً في الماضي).
تخرجت غراندين من مدرسة هامبشاير كونتري عام 1966، وهي مدرسة داخلية للأطفال الموهوبين في راندج نيو هامبشير، ثم ذهبت إلى كلية فرانكلين بيرس الموجودة في راندج أيضاً لتحصل على درجة البكالوريوس في علم النفس في عام 1970، والماجستير في علم الحيوان من جامعة ولاية أريزونا عام 1975، ودرجة الدكتوراه في علم الحيوان من جامعة إلينوي في أوربانا شامبين عام 1989.
نشاطها في مجال التوحد وشهرتها
أصبحت غراندين معروفة بعد أن وصفها أوليفر ساكس في العنوان السردي لكتابه (عالم الأنثروبولوجيا على سطح المريخ) (1995)، العنوان مستمد من وصف غراندين لشعورها بالقرب من الأشخاص من غير المعاقين، وتحدثت لأول مرة في العلن عن التوحد في منتصف الثمانينات بطلب من روث سي سولفيان، أحد مؤسسي جمعية التوحد الأمريكية الذي قال:
«قابلت تمبل أول مرة في منتصف الثمانينات في المؤتمر السنوي الذي تقيمه الجمعية، وقفت شابة طويلة بدا عليها الاهتمام بالنقاش على هامش المجموعة، كانت تبدو لطيفة وخجولة، لكنها اكتفت بالاستماع. علمت أن اسمها تمبل غراندين، ولكني لم أعلم بأنها من الأشخاص ذوي التوحد إلا في نهاية الأسبوع. ذهبت إليها وسألتها إذا ما كانت ترغب بالتحدث في المؤتمر في العام المقبل فوافقت. خاطبت تمبل غراندين الجمهور لأول مرة في العام التالي، تجمع الناس ولم يكتفوا من حديثها. لأول مرة كان هناك شخص ما يخبرهم عن التوحد من خلال تجربته الذاتية، وكيف أن يكون شخص ما حساساً تجاه الأصوات، (كأن تكون مربوطاً بسكة حديدية والقطار قادم). سُئلت العديد من الأسئلة: (لماذا يدور ابني كثيراً؟) (لماذا لا ينظر إلي؟) (لماذا يضع يديه على أذنه؟) تحدثت من خلال تجربتها الخاصة وبصيرتها المثيرة للإعجاب. امتلأت عيون الكثيرين بالدموع وسرعان ما أصبحت تمبل المتحدثة الأكثر رواجاً في مجتمع التوحد».
تدعو غراندين بناء على تجربتها الخاصة إلى التدخل المبكر في التعامل مع الأشخاص ذوي التوحد، والمعلمين الداعمين الذين لهم القدرة على توجيه عادات الأطفال ذوي التوحد إلى اتجاهات مثمرة. ووصفت حساسيتها المفرطة للإزعاج والمحفزات الحسية الأخرى. تقول غراندين إنها مفكرة بصرية في المقام الأول، وأن الكلمات هي لغتها الثانية، وتعزو نجاحها كمصممة لمرافق الماشية الإنسانية إلى قدرتها على تذكر التفاصيل، التي تعتبر سمة من سمات ذاكرتها البصرية. وتقارن غراندين ذاكرتها بأفلام طويلة في رأسها، التي يمكن إعادتها إذا شاءت مما يسمح لها بملاحظة التفاصيل الصغيرة. وتستطيع أيضاً عرض ذكرياتها باستخدام سياق مختلف قليلاً بتغيير مكان الضوء والظلال. فهمها لعقلية الماشية علمها قيمة التغير في التفاصيل التي تعتبر الحيوانات حساسة تجاهها خاصة، وعلمها أن تستخدم مهاراتها البصرية لتصميم معدات سير للحيوانات مدروسة وإنسانية.
تُعتبر تمبل غراندين زعيماً فلسفياً في مجالي رعاية الحيوان والأشخاص من ذوي التوحد، وتذكر بهاذين المجالين أعمالها في رعاية الحيوانات ودراسة الأعصاب والفلسفة. تعرف غراندين جيداً الشعور بالتهديد من كل شيء في محيطها، ومن أن ينبذها الآخرون ويخافوها، وهذا ما يحفزها في سعيها لتعزيز التعامل الإنساني مع الماشية. ويضم موقعها الإلكتروني مدخلاً كاملاً حول كيفية تحسين معايير الذبح في مزارع الماشية والمصانع.
(الحيوانات ليست أشياء) هي واحدة من أهم مقولاتها حول رعاية الحيوانات، والتي تثبت فيها أن الحيوانات تعتبر تقنياً ممتلكات في مجتمعنا، لكن القانون يعطيها حقوق أو حماية أخلاقية. وتقارن خصائص وحقوق ملكية أبقار مقابل امتلاك مفكات براغي، مبينة كيف يمكن استخدامهما في خدمة أغراض إنسانية بطرق عديدة، لكن عندما تأتي إلى إلحاق الألم، هناك اختلاف أساسي في الخصائص. يستطيع شخص ما قانونياُ سحق أو طحن مفك براغي، لكنه لا يستطيع قانونياً تعذيب حيوان.
وتقول في هذا المجال:
I think using animals for food is an ethical thing to do، but we’ve got to do it right. We’ve got to give those animals a decent life and we’ve got to give them a painless death. We owe the animal respect.
حياتها الشخصية
تقول غراندين أن العلاقات العاطفية التي يتمتع بها الناس ليست جزء منها، وهي لم تتزوج وليس لديها أطفال. وتتضمن اهتماماتها إلى جانب عملها في علم الحيوان والرعاية وحقوق الأشخاص من ذوي التوحد، ركوب الخيل وقصص الخيال العلمي والكيمياء الحيوية. وتصف العلاقات الاجتماعية بالمملة وليس لديها أي اهتمام بقراءة أو مشاهدة أفلام عن مواضيع عاطفية أو علاقات.
أشارت غراندين في سيرتها الذاتية أن التوحد يؤثر في جميع جوانب حياتها. يجب أن ترتدي ملابس مريحة لتخفف من اضطرابات التكامل الحسي لديها ونظمت أسلوب حياتها بطريقة تتفادى فيها العبء الحسي. وتتناول مضادات الاكتئاب بانتظام، ولكنها توقفت عن استخدام جهاز العناق الذي ابتكرته في الثامنة عشرة من عمرها كنوع من علاج تخفيف التوتر، وقالت أنها توقفت عن استخدامه في فبراير 2010: (لقد تعطل الجهاز قبل سنتين، ولم أقم بإصلاحه. أنا مهتمة أكثر بمعانقة الناس الآن).
من أقوالها
- الطبيعة قاسية ولكن ليس من الضروري أن نكون كذلك.
- لو استطيع أن أصبح طبيعية بطرفة عين لن أفعل ذلك.. التوحد أصبح جزء من هويتي الآن..
- العالم بحاجة إلى جميع أنواع العقول.
فيلم تلفزيوني
تدور أحداث الفيلم التلفزيوني Temple Grandin الذي أنتج سنة 2010 حول السيرة الذاتية لهذه العالمة، وهو من بطولة كلير دينس، جوليا أورموند وديفيد ستراثيرن.
ويحكي الفيلم قصة الدكتورة تمبل جراندن التي تم تشخيصها بالتوحد منذ الصغر ولم تنطق بأية كلمة حتى وصلت سن الرابعة، وهي التي أكملت تعليمها حتى أصبحت واحدة من أفضل العلماء في مجال علوم الحيوانات بالولايات المتحدة الأمريكية.
في بداية الفيلم تظهر هذه الفتاة التي يسخر منها الجميع في الشارع أو في أروقة الجامعة لطريقة حديثها السريعة والمرتعبة وهروبها إلى جهاز اخترعته كبديل تلجأ إليه أسمته (جهاز العناق) تدخل نفسها فيه وتضغط على نفسها حتى تهدئ من روعها.
كلير دينز الممثلة الأمريكية المولودة في 12 أبريل 1979 والتي ظهرت في العديد من الأدوار مثل أنجيلا تشيس في المسلسل الدرامي My So-Called Life، وجولييت في روميو وجولييت، وكوزيت في البؤساء (1998)وغيرها، والحاصلة على ثلاث جوائز إيمي منها جائزة أفضل ممثلة عن فيلم Temple Grandin وأربع جوائز غولدن غلوب إلى جانب جوائز أخرى أبدعت إلى حد كبير في تأديتها لشخصية تمبل.
ويقول النقاد إن أكثر ما برعت فيه هو تقديمها لنظرية الذاكرة التصويرية التي يمتاز بها الأشخاص الذين لديهم توحد عن غيرهم من غير الذين لديهم توحد، حيث تختزن عقولهم صورة ما، تتم برمجتها في الذاكرة، وتكون حاضرة باستمرار، حتى يحين وقعت الحاجة إليها فيتم إحضارها على الفور إلى المكان المطلوب لتواجدها.
ويتساءل النقاد: ما الذي يجعل هذه المرأة، والتي تمتلك ذاكرة تصويرية فذة، أن تسخر كل طاقات العلم لديها في سبيل علوم الحيوانات؟ لماذا لم تهتم بعلوم الفضاء أو الطب أو أي مجال من مجالات العلوم الحيوية والهامة؟
ويجيبون: إن هذه القضية لم تكن مطروحة في الفيلم التلفزيوني، ولكن شخصية تيمبل غراندن كانت تجيب عن ذلك وإن كان بطريقة غير مباشرة،.. إنها تتلقى الإهانات، ويتم السخرية منها، وتتلقى سيلاً من الإحباطات لعدم توافقها مع المحيط العام، إن كان بالشكل العام أو بطريقة الحديث، أو ربما لغرابة أفكارها، ويبدو أن اهتمامها بالحيوان كان احتجاجاً على الإنسان وطريقة عيشه وتصرفاته الهوجاء مع باقي المخلوقات وخصوصاً الحيوان.
فاز الفيلم بسبع جوائز أيميز بكل جدارة واستحقاق، من ضمنها جائزة أفضل فلم تلفزيوني، أفضل إخراج، أفضل ممثله رئيسية، أفضل ممثل مساعد، أفضل ممثله مساعدة.