حين أكبر وتكبر وتصبح الدنيا أحلاماً مضت وأوقاتاً انقضت. حين تشيخ وأهرم وتتعلق أصابعي الضعيفة بك وتستند كل حواسي إليك تبحث عنك. حين أتجاوز السبعين ويرحل الأطفال ونبقى معاً، دعني أشيخ معك.
كلمات قصة جميلة تبدأ بها كل رواية حب عذرية بين اثنين وتبدأ معها كل خيالات الحياة الجميلة.
وعند البعض تكون هي الواقع الذي يتحقق. يقال دوماً إن المرأة هي العاطفية الرومانسية وهي من يتمنى أن يعيش مثل هذه القصة، لكن الوقت يثبت، ومن باب الإنصاف، كيف أن الرجل أيضاً خُلد في التاريخ وبعض الأفلام بالعاشق المجنون. وفي كلتا الحالتين المرأة هي بطلة، ونجمة.
المرأة التي يحتفل بها العالم هي كومة من المشاعر، الطموح الجميل، العاطفة الرقيقة وعند الشدة السند والهدوء.
حين أكتب هذا فلا يدور في خلدي المرأة اليوم بل تلك العاشقة بصمت، المتألمة بحب، الصابرة بعزة.
أمهات الجيل القديم بعضهن أمهاتنا وبعضهن جداتنا . ماذا ملكن؟ ربما القليل، لكن قدمن الكثير، واليوم البعض يملك الكثير ويقدم أقل القليل.
أريد أن أعيش تلك القصص القديمة حين تشيخ المرأة جنباً بجنب مع الرجل. حين يرحلان معاً وحين يكتبان قصة جيل بعدهما معاً.
تلك الملامح التي تخفي خلف البرقع جمالاً خاصاً. تلك الوجوه التي تتحدث بملاحم من وفاء من دون حديث. تلك الأم والمعلمة والتاجرة، السياسية والحكيمة، و«المطوعة» والرفيقة.
لم يتذمرن من الحر والفقر، لم يطلبن من الزوج الفقير الكثير.
تطول الأوقات، وتحت القمر في حوش البيت، الكبير أو الصغير، تنام بعد أن يهدأ الكل ويبقى الحديث المسائي قصيدة الانتظار والصبر.
هي هاجرت في مكانها حين رحل المعين وبقيت معه بقلبها ترتحل وتصبر.
مازلت أريد أن أعرف كيف كانت الحياة مع أطفال صبية وكيف كانت الحياة مع بنت تكبر.
روعة الحب وروعة العطاء بكل ما يسرده اليوم الوقت والتاريخ. أعطت وأعطت وكل امرأة أو رجل يحتفل به هو قصة لأم لا تتكرر أو تتكرر بندرة الوقت الحالي.
لا نقول إننا اليوم مختلفون عنهن، لكنهن أعطين لأنهن أردن أن يتذكرهن العالم بأبنائهن وأزواجهن.
واليوم المرأة نموذج جميل للعطاء جنباً بجنب مع الرجل، لا تبخل ولا تتردد، فهي من ساند الأم في الماضي والحاضر وتعلمت منها كيف يكون العطاء وساماً وكيف تكون الأرض وطناً. وكيف تكون الأم هي المدرسة. ستحب، وستعمل، ستعطي وتبذل في كل مكان وميدان، ستترجم قصص الأمهات بقصص جيدة من البذل والصبر، ستكون الصورة والحكاية في نسخة متجددة، لأنها تربت على أن تتحمل وتعطي، أن تصبر ولا تتراجع، حتى تكون هي ترجمة جديدة للرجل والوطن ولتشيخ معه في وقت آخر، لكن من دون تراجع مرددة قصة الحب الأولى: دعني أشيخ معك.