5 ديسمبر (كانون أول).. دعوة متجددة إلى التطوع
اعتمد المجتمع الدولي العام 2001 عاماً دوليـاً للمتطوعين بقرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1997، وجاء بذلك مكللا جهود ملايين المتطوعين ومنظماتهم الأهلية والحكومية والدولية، من أجل إبراز الدور الكبير الذي يسهم به العمل التطوعي في كافة مجالات التنمية الصحية والاجتماعية والبيئية، وفي مواجهة الكوارث والحروب الأمر الذي يعمل على بناء المجتمع الأفضل بكل لبناته الإنسانية والمادية.
كذلك جاء اعتماد الخامس من كانون الأول / ديسمبر من كل عام، يوما عالميا للمتطوعين تقديرا لمكانتهم في بناء الإنسان والمجتمع وتتجدد فيه الدعوة إلى جميع أبناء الوطن للتطوع والعمل في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.
يسعى هذا اليوم إلى تحقيق العديد من الغايات والأهداف أهمها تعزيز دور العمل التطوعي وتطويره في مختلف مجتمعات العالم، ويسعى كذلك إلى تطوير العلاقات وتقويتها بين مختلف الهيئات التطوعية محلياً، وإقليمياً، وعالمياً، وأهم ما يسعى إليه أيضاً الاعتراف بالدور المميز والكبير للعمل التطوعي، وضرورة الإقرار بأهمية الحاجة إليه في بناء وتنمية المجتمعات الإنسانية في كل مكان، وفي كل زمان.
نعم إن التطوع ينبع من الذات، ويستمد جذوره من تراثنا وعاداتنا، وهو امتداد للمواطنة الفاعلة، وهو تعميق للمشاركة المجتمعية المخلصة، من أجل مستقبل أفضل. نعم إن كثيراً من المعارف والمهارات والخبرات والقدرات موجودة في أعماق أبناء المجتمع من أطفال وشباب وكبار السن، من نساء ورجال، داخل الوطن وخارجه، بل داخل المجتمع الإنساني بشكل عام، وهي موارد عظيمة ومصادر كبيرة ينبغي استثمارها بالشكل الأمثل في خدمة الإنسان والمجتمع، وفي مواجهة التحديات المختلفة، وبقدر ما نحسن استثمارها، وتنظيمها، وتطويرها بقدر ما نقطع شوطا طويلا على طريق التنمية المستدامة نحو مجتمع ومستقبل أفضل.
إننا نأمل أن يكون هذا اليوم العالمي، محفزاً لانضمام المزيد من المتطوعين، إلى كافة مجالات العمل التطوعي، وكذلك نأمل أن يحقق المزيد من الدعم المجتمعي المحلي والدولي للمنظمات التطوعية.
تحديات العمل التطوعي
من يتابع فعاليات هذا اليوم في صفحات الأخبار العالمية، يجد الكثير من الفعاليات التي تقام في هذه المناسبة، وهي لا تقتصر على هذا اليوم العالمي، بل تتواصل على امتداد العام، كالسعي لإصدار تشريعات جديدة، وفي إطار العمل لتحقيق أهداف الألفية للتنمية، بأبعادها ومستوياتها المختلفة، وفي عمليات التقويم الدوري، والدراسات والأبحاث المختلفة التي تتعلق بدور وجدوى ومعوقات العمل التطوعي، وسبل النهوض به.
ويلمس المتابع هنا ضعف هذا القطاع في المنطقة العربية في الوقت الذي تزداد الحاجة إليه لمواجهة قضايا مهمة ومصيرية تهم مجتمعاتنا كالأمية التي تزيد عن 50% من السكان في أكثر من بلد عربي، والفقر الذي ينتشر بلا هوادة هنا وهناك، والإعاقة عند الأطفال والمسنين، والتلوث البيئي، والتصحر، والتنمية الريفية، ومخلفات الحروب المختلفة، وقضايا اللاجئين العرب خاصة إذا ما علمنا أن أكثر لاجئي العالم خارج أوطانهم، وداخل أوطانهم، يعيشون في الوطن العربي، هذا بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها أبناء فلسطين والعراق والسودان وغيرها بكل أبعادها الإنسانية والصحية والاجتماعية.
وهكذا نرى أن العمل التطوعي لا يقف عند الأعمال الخيرية وأعمال الإغاثة، هنا تارة، وهناك تارة أخرى، بل أصبح أيضا عملا تنمويا منظماً يسهم في مجالات عديدة أخرى، إنه قد يتخذ أشكالا أخرى كتقديم البحوث والدراسات، أو القيام بأعمال المدافعة، والتوجيه، والمشورة، والتوعية، في قضايا المجتمع العديدة، أو تقديم الخدمات المجتمعية المختلفة لأي فئة من فئات المجتمع.
في الوقت الذي لا نغفل فيه الكثير من الإنجازات التي تحققت على يد المنظمات التطوعية العربية، والمواقف النبيلة التي تبنتها، وعلى أكثر من صعيد، فإن حجم التحديات وشدتها أكثر بكثير الأمر الذي يدفعنا إلى بذل المزيد، والمطالبة بالمزيد، لا سيما في وضع التشريعات والقوانين التي تحفز العمل التطوعي وتسهل عمل الجمعيات والمنظمات التطوعية، وتخلق مناخا إيجابيا، يشجع التنافس والعطاء، ويفتح ميادين البذل والعمل أمام الشباب وكبار السن، أمام المرأة والرجل، فالمجتمع يحتاج إلى الجميع من أبنائه، كلِ وفق قدراته وإمكاناته، كذلك لا بد من حماية المتطوعين والعمل التطوعي من بعض المتطفلين الذين يستغلون هذا العمل النبيل لأغراض شخصية خاصة، والذين يستغلون مكانتهم التجارية أو السياسية أو الدينية في تحريك المنظمات التطوعية، وحرفها عن أهدافها المجتمعية الإنسانية النبيلة.
إننا نلمس أيضا ضعف مشاركة القطاع الخاص في دعم العمل التطوعي، في كثير من البلاد العربية، لا سيما في ميادين التعاون المشترك في مشاريع مجتمعية مختلفة، في الوقت الذي نجد له دورا كبيرا في بلاد كثيرة، ولتحقيق ذلك يحتاج الأمر إلى المزيد من التوعية، والمزيد من التسهيلات الحكومية، وإدراج ذلك في الخطط الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك التقويم والمتابعة.
أما المنظمات الدولية المهتمة بتعزيز العمل التطوعي في المجتمع، فلا شك أن لها أولويات مختلفة، وربما دوافع مختلفة، لذلك لا بد من وجود خطة وطنية شاملة وواضحة، يكون عمل المنظمات الدولية جزءا منها، ومساعدا لها، حتى يكون العمل التطوعي فاعلا ومثمرا ومستداما.
من التحديات التي نلمسها أيضا، ضعف مهارات التخطيط والإدارة والبحث والتشبيك، لدى العديد من منظمات المتطوعين، بالإضافة إلى عدم الاستثمار المناسب للثورة الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتي لم يعد يخفى على أحد ما تشكله من أهمية بالغة في حياتنا المعاصرة.
لا بد من الإشارة في هذه العجالة إلى أهمية إبراز التجارب الناجحة، والاستفادة من دروس التجارب غير الناجحة، كذلك لا يغيب عنا أيضا الحاجة إلى دور الإعلام الفاعل في توجيه الرأي العام وقطاعات المجتمع المختلفة الحكومية والأهلية والخاصة من أجل ترسيخ مفاهيم التطوع في المجتمع وحشد التأييد للمتطوعين ومنظماتهم.
خطوات على الطريق
ينبغي الاستفادة أيضا من هذه المناسبة السنوية، من أجل إنشاء مجلس وطني أو لجنة وطنية مركزية خاصة بالعمل التطوعي، تقوم وفق خطة وطنية شاملة، بوضع البرامج الموجهة، لدراسة واقع العمل التطوعي العربي والصعاب التي يواجهها المتطوعون والمنظمات التطوعية، وسبل التغلب عليها، والسعي من أجل سن التشريعات التي تدعم المنظمات التطوعية وتسهل عملها، وتحمي المتطوعين، بالإضافة إلى العمل على ترسيخ مفاهيم التطوع في المجتمع من خلال المناهج التربوية للأطفال، والعمل على تطوير قدرات المنظمات التطوعية العربية، وتنمية مهارات وقدرات المتطوعين على العمل المنظم من خلال البرامج الحديثة المستخدمة في التخطيط والتدريب والتقويم، والتقنيات الحديثة للمعلومات والاتصالات، ومن الضروري إقامة أكثر من ندوة أو مؤتمر للإسهام في وضع برنامج عربي شامل، في إطار المنظمات العربية، ودوائرها، للنهوض وتعزيز العمل التطوعي العربي.
لا شك أن بعض التجارب المميزة تدفعنا إلى السعي لدى أمانات التربية والتعليم من أجل إدراج مواضيع في المناهج الدراسية حول العمل التطوعي ودوره في خدمة المجتمع، مع إبراز التجارب الوطنية والعربية والعالمية البارزة، وكذلك السعي لدى وسائل الإعلام من أجل إبراز العمل التطوعي في المناسبات المختلفة مثل يوم المرأة العالمي، يوم الطفل العالمي، يوم كبار السن، يوم حقوق الإنسان، ويوم البيئة، وغيرها، كما أنني أجد في إنشاء موقع عربي شامل، أو أكثر، حول العمل التطوعي علي شبكة الإنترنت خطوة جادة لابد منها للنهوض بالعمل التطوعي العربي.
حقاً إن العمل التطوعي يسهم في نهوض المجتمع اقتصادياً وصحياً، والأهم من ذلك أنه يسهم في تعزيز بنيانه الاجتماعي الداخلي ويزيد من تماسك أبنائه وانتمائهم له، الأمر الذي يعزز قدرة المجتمع على مواجهة التحديات والصعاب التي يواجهها في الحاضر، ويمكنه من السير بخطى واثقة نحو مستقبل أفضل.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/