كيف يمكن لأفكارنا وأقلامنا أن تعبر عما أصابنا من حزن وألم لفراق الأب الرحيم والقائد الحكيم؟
نعم، ستبقى أقلامنا عاجزة عن التعبير عما تحمله في أعماقنا من مشاعر فياضة تجاه مصابنا في الوالد زايد ـ يرحمه الله بواسع رحمته ـ فهو بعطائه العظيم لوطنه وأبناء أمته أكبر من أي كلمات يمكن أن نسطرها.
رحيل زايد عن دنيا البشر، بكته القلوب قبل العيون.. وكيف لا تبكيه قلوبنا؟! وهو من زرع فيها أسمى المعاني الإنسانية الرفيعة.. ونحن من خلال عطائه عرفنا معالم الطريق الذي يجب أن نسلكه في مسيرة حياتنا من أجل البناء والتعمير..
لقد استطاع زايد بحكمته وبصيرته النيرة أن يغرس في قلوب محبيه تلك المعاني السامية التي قوّمت النفوس وأنارت لنا الطريق في حاضرنا المزدهر ومستقبلنا المشرق بإذن الله الكريم.. نحن مؤمنون بقضاء الله وقدره، فالموت حق علينا وطريق يسلكه كل حي، ولكن ما يعز علينا هو فراق الأحبة المخلصين في محبتهم، وزايد الإنسان، هو من أخلص المحبة والعمل في بناء الوطن والإنسان، وعطاؤه اللامحدود لكل إنسان على هذه الأرض امتد ليشمل البشر المحتاجين ليد العون والمساندة، فقوافل الخير امتدت ووصلت أرجاء المعمورة كلها، بأوامر وتوجيهات من سموه رحمه الله، خاصة في أشد الأزمات التي عانت منها كثير من الشعوب والأفراد.
من منا لا يذكر تلك المواقف الإنسانية التي وقفها سموه في أشد الظروف التي واجهتنا شعوباً وأفراداً.. ولهذا فإن عطاء زايد وحبه لنشر الخير، وغير ذلك من الصفات الحميدة التي تمتع بها جعلته قريباً من قلوب الناس، فالناس بكل فئاتهم أحبوه محبة صادقة، ليس فيها من التكلف، بل كانت محبة صادقة، ونحن كأشخاص من ذوي الإعاقة، كان لنا من الرعاية والاهتمام في فكر زايد وقلبه الشيء الكثير، فطالما وجه ـ يرحمه الله ـ إلى ضرورة توفير متطلبات الرعاية الشاملة التي تمنح العيش الكريم لكل إنسان، فالإنسان في فكر زايد هو الإنسان مهما كانت حالته الصحية والاجتماعية، وأصحاب الحالات الخاصة هم الأولى بالرعاية وهكذا هم العظماء ـ والعظمة لله ـ يجعلون من أفعالهم وأعمالهم قدوة حسنة يقتدي بها الناس في كل زمان ومكان.
ما أحوجنا في هذا الزمان الذي انقلبت فيه موازين القيم والأفكار أن نتبع منهج الصالحين من أبناء الأمة، وزايد هو خير من مثّل هذا المنهج الذي سار عليه في مختلف مراحل حياته، فهو ضرب المثل الأعلى في مسيرة الحكم، وهي مسيرة اتسمت بالعدل والسماحة، وشهد بذلك القاصي والداني، من عرف زايد ومن لم يعرفه وهي في الحقيقة شهادة حق، ستذكرها الأجيال القادمة من أبناء الأمة، وإن كان زايد رحل عنا بجسده، فسيبقى في قلوبنا نحمله رمزاً مضيئاً ينير لنا معالم طريقنا.
رحم الله زايد القدوة الحسنة وأسكنه فسيح جناته، ولنا في أبنائه وأحفاده الكرام الأمل الكبير في مواصلة مسيرة الخير والعطاء، وهم بلا شك لن يقصروا في حمل أداء الرسالة التي تركها لهم والدهم الغالي.
(من المحرر: توفي الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان يوم الثلاثاء الـ 19 من رمضان 1425 هجرية الموافق لـ 2 نوفمبر 2004 ميلادية)
صالح بن سالم اليعربي رجل عصامي قَدِمَ من عمان إلى إمارة أبوظبي عام 1975، وعلى الرغم من تعرضه للشلل في العشرين من عمره، نتج عن حركة رياضية، لكن هذه المحنة لم تزده إلا إقبالاً على الحياة، وبعد أن انقطع عن الدراسة ما يقارب 27 سنة، ولم يكن في حوزته وقتها إلا الشهادة الابتدائية، والكثير من العزيمة والإصرار على الدراسة وحفظ القرآن ما قوى لغته وإرادته، وأثمرت جهوده مقالات ومؤلفات ومحاضرات لامست القلوب والعقول وأوقدت جذوة التحدي والتغلب على المصاعب لدى الكثيرين في المجتمع.
واصل تعليمه وحصل على شهادة الثانوية العامة من عمان مسقط رأسه، ثم عاد إلى مقر إقامته في أبوظبي مرة ثانية، ليسير على خطى النجاح فانتسب إلى جامعة الحصن وحصل على بكالوريوس إدارة نظم المعلومات بدرجة امتياز، ثم ماجستير إدارة أعمال، وتوج مسيرة كفاحه بفوزه بجائزة أبوظبي للإبداع 2010 (في دورتها الخامسة).
له عدة إصدارات:
- لا إعاقة بل إرادة وانطلاقة
- خواطر وقراءات (من إصدارات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية)
- فيض المشاعر (من إصدارات مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية)
- إشراقة وانطلاقة
- رحلتي مع الصبر
- إعجاز وإنجاز
وأحدثها كتابه: صدى المشاعر