نقف اليوم على عتبة ربع قرن بعد توقف الماكينة السوفياتية الضخمة للترجمة، التي عرّفت العالم بشتى لغاته، بالمخزون الهائل للأدباء والشعراء الروس بعصريهما الذهبي والفضي. وبطبيعة الحال اقتصرت الدراسات باللغات الأجنبية على ما كان الاتحاد السوفياتي السابق قد قدمه إلى العالم، إلا ما كان قد تم إنتاجه خارج الستار الحديدي في المهاجر الروسية وبلغات مختلفة على أيدي شعراء وأدباء روس.
أما تناولنا اليوم لموضوع ترجمة أصيلة لقصص كتبها ستيبان كوندوروشكين (1874 ـ 1919) بالروسية للقارئ الروسي، وتعريبها وتقديمها إلى القارئ العربي فيبدو كمغامرة نأمل أن تفتح الباب أمام ترجمات أخرى مماثلة.
وتنقسم أهمية الدراسة والقصص المعربة، اللتان صدرتا في كتاب (حكايات كوندوروشكين ـ لبنان قبل قرن بريشة روسية)، أولاً، في البحث عن كوندوروشكين نفسه، الذي اختفى مع الحرب الأهلية الروسية. من هو؟ وما هي تفاصيل حياته الاجتماعية والسياسية؟ ولماذا اختفى أي ذكر له طيلة الحقبة السوفياتية وإلى اليوم؟ وثانياً، في أهمية القصص المترجمة، التي كان إطارها الجغرافي لبنان الحالي، أي الجمهورية اللبنانية بحدود ما بعد 1920.
-
أولاً ـ في البحث عن ستيبان كوندوروشكين
- قلة من الروس اليوم يعرفون شيئاً عن حياة ستيبان كوندوروشكين، وإن كانت قصته الوحيدة التي تعاد طباعتها (قارع الأجراس فيديا) تحمل اسمه، وهي قصة مدرسية مخصصة لعيد الفصح، كانت قد نشرت للمرة الأولى في العام 1914.
- نُسخ كتب ستيبان كوندوروشكين باتت نادرة، حيث لم تطبع في الحقبة السوفياتية، وفي روسيا الاتحادية الحديثة كانت قد نسيت تماماً. وعلى ندرتها باتت الدائرة التي تعرف بها ضيقة، وهي موجودة في بعض المكتبات العامة، ومنها المكتبة الوطنية في سان بطرسبورغ.
- ما يتم تداوله عن حياة وأعمال كوندوروشكين هي أجزاء من نبذة كانت قد نشرت في (قاموس غرانات الموسوعي)، في جزئه الحادي عشر سنة 1912، وهو قاموس أعلام شهير صدر عن رفاقية الأخوين غرانات بأول مجلداته في العام 1910، واستمر في الصدور حتى أواخر أربعينات القرن الماضي. إلا أن النبذة المتعلقة بكوندوروشكين على أهميتها هي عبارة عن بضعة أسطر كتبت في حياته، ولا تتضمن شيئاً عن السنوات العشر الأخيرة منها.
- إن ما يتضمنه الكتاب من بحث عن حياة ستيبان كوندوروشكين، هو أولى المحاولات الفعلية لوضع سيرة له، بعد نحو قرن من الزمن على رحيله المأسوي. ويشرفني هنا أن أجمع ما تيسره المصادر القليلة عن حياة الكاتب ضمن عناوين تقدم إلى القارئ العربي قبل أن تجمع وتقدم بالروسية.
- عناوين حياة كوندوروشكين في الكتاب هي: الطفولة والتعلم والتعليم، الالتحاق بالجمعية الفلسطينية، المفتش التربوي، الكاتب الصحافي، رئيس تحرير جريدة لاحزبية، مراسلات كوندروشكين ـ غوركي، والنهاية المؤلمة للكاتب. وتحت تلك العناوين جمعت ما استطعت إليه سبيلاً من المصادر المتفرقة التي تحدثت عن كوندروشكين. ولعل الوثيقة الأكثر أهمية عن حياته هي مقالة لزوجته يليزافيتا ريبنر كتبتها في مجلة (فستنيك ليتيراتوري) في أيلول 1919 تتحدث فيها عن حياته والرحلة الأخيرة لهما من بتروغراد باتجاه سمارا.
-
ثانياً: في القصص المترجمة
- تم اعتماد الإطار الجغرافي للجمهورية اللبنانية في اختيار القصص، لتوجيهه الكتاب إلى القارئ اللبناني، وقد كان لبنان بين العامين 1899 و1903، أي الفترة الزمنية المفترضة للقصص مقسماً بين ولاية بيروت والمتصرفية وولاية دمشق. والقصص الأخرى تصدر في كتاب منفصل ضمن الإطار الجغرافي للجمهورية العربية السورية.
- بناء على الإطار الجغرافي، القصص المختارة تم انتقاؤها من مجموعات قصصية هي: (من الترحال في سوريا) صدرت على دفعات على صفحات مجلة (روسكويه بوغاتستفو) بين العامين 1902 و1906، ومجموعة (قصص سورية) 1908، و(قارع الأجراس) 1914.
- أسلوب نثر كوندوروشكين سردي وصفي مشهدي، سينمائي إلى حد بعيد، يجسد الأصوات والمشاعر عبر الكلمات.. ولعل قصص كوندوروشكين تمثل ظاهرة في نثر تلك الحقبة عن لبنان، حيث معظم ما كان قد كتب هو إما رسائل، أو مذكرات رحالة وحجاج إلى الأراضي المقدسة، أو نصوص جافة للبعثات العلمية المختلفة.
- السمة البالغة الأهمية في القصص هي أن كوندوروشكين ابن فلاحي سمارا، يكتب عن مزارعي لبنان الشرقي.. يكتب عن الناس كواحد منهم، فلا نظرة استشراقية استعلائية في قصصه، ويظهر ذلك في حبه لاستكشاف العادات المحلية، وتعامله مع محيطه وإلمامه التام بنمط الإنتاج الزراعي وتفاصيل حياة الناس العاديين بعيداً عن المدن الكبرى.
- ترافق القصص رسوم وزخارف لثلاثة من كبار رسامي الحقبتين القيصرية والسوفياتية في الربع الأول من القرن العشرين، وهم، الفنان يفغيني يفغينوفيتش لانسري (1875 ـ 1946)، ودميتري إسيدوروفيتش ميتروخين (1833 ـ 1973)، وإغناتي كونستنتينوفيتش مروتشكوفسكي. وتعكس الرسوم والزخارف طبيعة وقرى وناس لبنان مطلع القرن العشرين.
صحافي ـ متخصص في القضايا الاجتماعية
رئيس قسم المناطق في صحيفة “السفير”
أمين سر مجلس التحرير في صحيفة “السفير”
منسق الوحدة الإعلامية في “اتحاد المقعدين اللبنانيين”