تشارك سنوياً في مهرجان أصيلة الثقافي
كريمة الجعادي ترسم بفمها أثناء مشاركتها في مخيم الأمل السادس والعشرين بالشارقة
ولدت مشلولة اليدين والقدمين ولكن إرادة الحياة لديها كانت أقوى
تعتبر الفنانة المغربية الشابة كريمة الجعادي (فتاة في الثلاثينات من عمرها)، حالة فريدة لرسامة مبدعة استطاعت التكيف مع الظروف الصعبة التي فرضتها الإعاقة وقد ولدت مشلولة اليدين والقدمين، وبدل أن تلعب مثل كل الصغار بالعرائس واللعب، انزوت في بيتها في مدينة العرائش، شمال المغرب.
لكن أملها في الحياة لم يكن ليضعف همتها في البحث عمن يمكنه مساعدتها، خصوصاً وأنها تنتمي إلى أسرة فقيرة لم تستطع توفير مصاريف علاجها الباهظة.
إصرار هذه الفتاة جعلها تتوجه إلى إحدى الجمعيات الإسبانية، التي تهتم بمساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة. وبالفعل تمكنت من الحصول على العلاج في إسبانيا بعد أن رأى الأطباء أن ذلك ممكناً.
كريمة الجعادي في حديقة الزهور بدبي
تقول كريمة إن (الأطباء الإسبان استطاعوا بعد مدة طويلة إعادة الحياة إلى قدميها اللتين كانتا مشلولتين، واستطاعت بعد أكثر من 20 سنة تحريكهما على الأرض والمشي بطريقة متعثرة بعدما كنت قد فقدت الأمل في تحريكهما).
كريمة اليوم وجه معروف في مدينة أصيلة، وقد جاءت انطلاقتها الأولى على يد الجمعية الإسبانية التي رعتها وقدمت لها كل المساعدات، كما عملت هذه الجمعية على تلقينها المبادئ الأساسية للرسم، قبل أن تقدمها في أول معرض فني خاص في غاليري باب الرواح الشهير في الرباط، وهناك تمت الإشادة بهذه الموهبة الفطرية الصاعدة.
بعد ذلك سافرت أعمالها إلى الخارج، باعتبارها فنانة فطرية. ومما يلفت الانتباه أن هذه الفنانة تتحدث عن لوحاتها بكثير من المعرفة، وقد مكنها وجودها السنوي في موسم أصيلة من إقامة علاقات واسعة مع فنانين من مختلف أنحاء العالم، تستضيفهم مدينة أصيلة في إطار ورشة الرسم والفن التشكيلي التي تنظمها ضمن فعالياتها.
تقول كريمة عن نفسها بلكنة أهل الشمال المشوبة بكلمات إسبانية، إنها ترسم مثل أولئك الرسامات المغربيات الكبيرات، كفاطمة حسن والشعيبية وبنحيلة الركراكية، وأنه سيصير لها نفس الحظ من الشهرة والمكانة، وتفخر أنها تستطيع بفضل دخل لوحاتها أن تعيل نفسها وما تبقى من عائلتها، وأن تدفع مصاريف الفتاة التي تقوم بمساعدتها.
وسط فضول الزوار تجلس كريمة منذ خمسة عشر سنة وأكثر في ركنها الشهير بساحة «القمرة» بأصيلة، وتبدأ الخط بأصابع رجلها اليمنى فوق سطح اللوحات التي تعبر غالبيتها عن سحر وجمال مدينة أصيلة حيث ترى فيها حضوراً واضحاً لنمط المعمار المغربي، ونزوعاً نحو التزهير، ووروداً كثيرة وفروسية، والأكثر من ذلك، إتقاناً للرسم بالألوان المائية.
قساوة العيش وسوء الطالع لم يقفا حائلاً أمام هذه الشابة التي ظل يراودها حلم منذ الصبا، وهو أن تصبح فنانة تشكيلية عالمية، تقارع لوحاتها لوحات الفنانين التشكيليين العالميين. حلم رغم أنه صعب التحقق بالنظر إلى ظروفها الصحية، لكنه ليس مستحيلاً.
تقول كريمة عن نفسها إنه لم يسبق لها أن تعلمت القراءة ولا الكتابة، غير أن نظرات سريعة وخاطفة على لوحاتها التشكيلية توحي بأن صاحبتها تعتبر من الفنانين التشكيليين المحترفين الذين درسوا في المعاهد الكبرى للفنون التشكيلية.
موسم أصيلة الدولي بالنسبة إلى هذه الفنانة التشكيلية فرصة سانحة تصقل فيها موهبتها في الرسم. كما يسمح لها بالتعرف على عدد من الفنانين التشكيليين المحترفين الذين يشاركون في هذا الملتقى الدولي الذي ينظم صيف كل سنة، وتقول كريمة إنها تعرفت في هذا الموسم على فنانين تشكليين داخل وخارج المغرب قدموا لها النصائح المهنية التي ساعدتها في الرسم.
وتتذكر كريمة جيدا لوحتها الأولى، التي رسمتها، وهي عبارة عن المستشفى الذي كانت ترقد فيه بإسبانيا، وهي لوحة تقول كريمة إنها نالت إعجاب الإسبان فأهدتهم إياها.
أمنية وحيدة تود كريمة الجعادي لو تحققها، وهي إقامة معرض تشكيلي خاص بها، تعرض فيه لوحاتها التي رسمتها بقدميها تعبر فيها عن همومها ومشاكلها.
… في كل صيف تنتهز فرصة مهرجان أصيلة الثقافي، كي تأتي من مدينتها، التي تبعد حوالي 70 كيلو متراً، تستأجر غرفة في المدينة الآهلة بالسياح، وتعرض في ساحتها القديمة منذ أكثر من خمسة عشر سنة رسوماتها ولوحاتها.
وسط فضول الزوار وأمام عدسات المصورين تبدو كريمة مستغرقة في عملها وهي تمسك بالريشة بأصابع قدميها، وتحركها على سطح اللوحة الورقي، بينما الألوان أمامها مثل أي رسام ماهر وعارف بما يفعل.
عبد الله الخميس قائد أمن المخيم يكرم كريمة الجعادي في ختام فعاليات مخيم الأمل الـ 26 بالشارقة