يعرف الصمم من الناحية الوظيفية بأنه فقدان السمع الذي لا يمكّن صاحبه من فهم اللغة المنطوقة حتى باستخدام المعينات السمعية، ومن ثم يتعطل أو ينعدم نمو هذه اللغة لديه، فلا يستطيع التواصل والتفاعل مع أسرته وأقرانه والعالم من حوله.
وهكذا فالطفل الذي لديه صمم يجد صعوبة كبيرة في تعلم الكلام، وفهم ما يقوله الآخرون، والتعرف على الأصوات من حوله، وتعلم القراءة والمشاركة في اللعب مع أقرانه وأفراد أسرته.
ومن الجدير بالذكر أنه تنجم عن حالة الصمم هذه عدة صعوبات ذات جوانب متعددة؛ صحية، تربوية، اجتماعية واقتصادية، تقع أعباؤها على كاهل كل من الفرد والأسرة والمجتمع، الأمر الذي يدعو للتأكيد على أهمية الوقاية من حدوث الصمم عن طريق تجنب أسبابه العديدة والتأكيد على أهمية الكشف عن وجود الإعاقة السمعية عند الأطفال خاصة، وفي أبكر وقت ممكن، وهذا بدوره يجعل التأهيل أكثر جدوى وفائدة، الأمر الذي ينعكس ايجابياً على تربية وتعليم وتدريب الطفل الأصم وبالتالي على دمجه ومشاركته في المجتمع.
يحاول العلماء ومنذ عهد بعيد استعادة ما يمكن استعادته من الوظيفة السمعية المفقودة، ومن ثم استعادة القدرة على الكلام واكتساب اللغة المنطوقة، وحتى هذه اللحظة لم يكتب لهذه المحاولات النجاح المنشود.
تعد عمليات زراعة الحلزون من أحدث هذه المحاولات التي قام بها الإنسان حتى الآن، ومن المفيد أن نقدم لمحة من خلال محطات تاريخية عن مسيرة زراعة الحلزون في العالم.
لمحة تاريخية موجزة
- شهدت العاصمة الفرنسية باريس في عام 1957 أول محاولة جادة لإجراء عملية زراعة الحلزون، وذلك على يد الدكتور الجراح ايريس، غير أن المريض ما لبث أن توقف عن استعمالها بعد حوالي السنة تقريباً.
- في عام 1961 بدأت أول عمليات زراعة الحلزون في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قام بإجرائها الدكتور ويليام هاوس، رغم اعتراضات الأوساط العلمية.
- وفي عقد السبعينات استؤنفت المحاولات الفرنسية، وأجريت عمليات زراعة الحلزون على أطفال صم بواسطة الدكتور شوارد، وقد لاقت هذه العمليات احتجاجاً ومعارضة من الجمعيات والمؤسسات الخاصة بأهالي الأطفال الصم بالإضافة إلى اختصاصيي الأذن، لكن هذا لم يمنع انطلاق برامج مماثلة في كل من بريطانيا والنمسا واستراليا.
- شهد عقد الثمانينات موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية Food & Drug Administration على تسويق جهاز الحلزون من نوع Nucleus للكبار الذين أصيبوا بالصمم بعد اكتسابهم اللغة. ثم أجريت عمليات أخرى عديدة في الكثير من دول أوروبا، وسط معارضة مجموعات ومجتمعات الأشخاص الصم وبشكل خاص الاتحاد العالمي للصم.
- شهد عقد التسعينات أيضاً موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على تسويق المنتج من نوع Nucleus 22 للكبار والذي يستعمل في زراعة الحلزون للأطفال بعمر السنتين وأكبر. وأخذت مراكز زراعة الحلزون المتخصصة في الانتشار هنا وهناك، مع استمرار معارضة منظمات الصم لإجراء زراعة الحلزون عند الأطفال الصم باعتبار أن نتائجها محدودة ومخيبة للآمال التي ما انفكت تروجها وسائل الإعلام والشركات المنتجة، بالإضافة إلى أنها تلحق الأذى النفسي والاجتماعي بالطفل الأصم.
ما هي عملية زراعة الحلزون؟
COCHILEAR IMPLANTS OPERATION
تحتاج هذه العملية إلى الإقامة في المستشفى، حيث تجرى تحت التخدير العام، يقوم الجراح خلال هذه العملية والتي تستغرق نحو الساعتين، بشق الجلد خلف الأذن ثم يقوم بحفر العظم الموجود تحت الجلد، مستعيناً بمجهر جراحي خاص، حتى يصل إلى الحلزون في الأذن الباطنة، ثم يقوم بإدخال سلك بطول 52 ملليمتراً تقريباً إلى داخل هذا الحلزون، ويقوم هذا السلك والذي يضم الكترودات متعددة بتنبيه نهايات العصب السمعي الموجودة في الحلزون.
يتصل هذا السلك بمستقبل يثبت مباشرة فوق العظم الواقع خلف الأذن ثم يغطى الجلد تماماً. ويأخذ هذا المستقبل بالتقاط الموجات الواردة إليه عبر الجلد من مرسل خاص يثبت فوقه.
يقوم الميكروفون بالتقاط الأصوات المختلفة، ويرسل الموجات الملتقطة إلى معالج خاص، موجود في علبة صغيرة بحجم علبة الكبريت، فيقوم هذا المعالج بدوره، ويرسل هذه الموجات والإشارات الالكترونية، بعد معالجتها، إلى المستقبل، وذلك عبر موصل خاص، يثبت خلف الأذن وفوق الجلد، يقوم المستقبل بدوره بنقلها عبر السلك الموجود في الحلزون إلى العصب السمعي فالدماغ.
يتبع هذه العملية برنامج تعليم خاص، وتدريب سمعي ولفظي ولغوي يستمر فترة طويلة، وتجرى هذه العملية في مراكز متخصصة لهذا الغرض تضم فريقاً من المتخصصين إلى جانب الجراحين، يتكون هذا الفريق من اختصاصيي السمع Audiologist ومعالجي الكلام واللغة Speech-Language Therapist، ومعالجي السمع Hearing Therapist ومعلمين خاصين Special Educators بالإضافة إلى الباحثين الاجتماعيين Social Workers وغيرهم.
جدوى عمليات زراعة الحلزون
حظيت هذه العمليات بحملات اعلامية بالغت وإلى حد كبير في تضخيم نتائجها، وصورت الشخص الأصم الذي أجريت له هذه العملية وكأنه عاد يسمع بكل وضوح ويتكلم بكل طلاقة… الخ. ورغم النجاحات التي حققتها هذه العملية، إلا أنه ينبغي النظر إليها بموضوعية كاملة، ومعرفة حدودها ونتائجها، لا سيما أنها مكلفة مقارنة بالنتائج التي تحققها، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التوقعات والآمال الكبيرة التي يعقدها أهالي الطفل الأصم عليها.
وقد أوضحت المؤتمرات العلمية الطبية حول هذا الموضوع أن أكثر المرشحين للاستفادة من هذه العملية هو من أصيب بالصمم بعد أن يكون قد تعلم اللغة المنطوقة Post-Lingual Deaf، ولم تعد المعينات السمعية، ورغم استعمالها المتكرر تقدم له أية فائدة تذكر.
كذلك يمكن زراعة الحلزون لدى الأطفال المصابين بالصمم الولادي والذين لم يكتسبوا اللغة المنطوقة Post-Lingual Deaf والفوائد في هذه الحالة هي أقل من الحالة السابقة. وقد أفادت هذه المؤتمرات أنه من الصعب التنبؤ تماماً بمن يستفيد من زراعة الحلزون، وكذلك تذكر الشركات المصنعة أنه من الممكن في بعض الحالات ألا تتحقق أية فائدة من زراعة الحلزون.
يبدي بعض الأطفال المجرى لهم زراعة الحلزون تحسناً جزئياً في قراءة الشفاه وتمييز الكلام والضوضاء، وتزداد قدرتهم على نطق الكلمات، وينبغي التأكيد على أن الفوائد التي تتحقق من زراعة الحلزون تختلف من فرد إلى آخر وفق عوامل عديدة.
ينبغي معرفة أن الأطفال المجرى لهم هذه العملية يبقون أطفالاً ذوي إعاقة سمعية ويبقون بحاجة إلى تعليم وتدريب سمعي ولفظي ولغوي ولفترة طويلة من الزمن.
كذلك ينبغي أن يتجنبوا بعض أنواع الرياضات والمجالات المغناطيسية وغيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم الاستفادة منها لتمييز الكلام في الأجواء الصاخبة والضوضاء. وهناك أيضاً بعض التأثيرات السلبية على الأطفال المجرى لهم هذه العملية وخاصة من الناحية النفسية والتربوية.
لهذا من الضروري تزويد الأهل بكافة المعلومات حول زراعة الحلزون، وبشكل موضوعي مع إجراء الدراسة النفسية والاجتماعية لكل طفل من هؤلاء الأطفال الصم. كما أن متابعة هؤلاء الأطفال بعد العمل الجراحي، وبشكل دوري، من خلال فريق متخصص له دور كبير في الحفاظ على نتائج وفوائد عملية زراعة الحلزون.
ولا يزال الأمل معقوداً على أجيال جديدة من الحلزون الصنعي، تعطي نتائج أفضل، وتلبي حاجات الأطفال الصم وأسرهم.
المراجع REFERENCES
- Dr. HARLAN LANE, the Cochlear Implants Controversy, July, 1994, WFD News, p 22.
- WFD News, December 1994 No. 4, the Golden Hand, p 32.
- A Sound Improvement, Nucleus 22 Channel Cochlear Implant System.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/