لن يكون حال الجامعة المثالية Ideal University في المستقبل مثل حالها اليوم فسوف تكون مصدرا تربوياً ثراً لاينقطع عنه الخريجون بعد مغادرتهم رحاب الجامعة، ولن تركز هذه الجامعة على توفير تعليم يحصل مرة واحدة في حياة المرء. فهي بدلاً من ذلك تسعى لخلق ثقافة قوامها التعلم المستمر مدى الحياة حيث تستقطب خريجيها بين فترة وأخرى لمواصلة مسيرة العلم. وفي عالم اليوم يمر التعليم العالي في حالة تغير مستمر كما أن الصناعة تتغير بشكل مضطرد والأعراف الإجتماعية تتكيف مع التحولات الجديدة والقاعدة الطلابية تتحول أيضاً ومواردنا في حالة تضاؤل فيما تتعاظم تطلعات رعاة المعرفة.
تتميز جامعة المستقبل المثالية بالصفات الخمس الآتية:
-
المزاوجة بين التقنيات الحديثة والتعليم المستمر
سوف تتجه الجامعة المثالية إلى استخدام أدوات تعليم معدلة ليتاح للطلبة فرصة التعلم بالطريقة المناسبة. ولن يجلس الطلبة في قاعات دراسية كبيرة لفترات زمنية محددة وفي أوقات معينة من السنة إنما سوف يتعاطون مع المنهاج الدراسي وفق اختيارهم.
تجدر الإشارة أن مثل أولئك (المتعلمين المستقلين) لن يجدوا أنفسهم منعزلين أو بمنأى عن الآخرين فهم سوف يجدون أنفسهم في مجاميع دراسية وسوف تكون تجمعاتهم من تنظيمهم هم أنفسهم حيث تدور اهتماماتهم حول قضايا مشتركة بالتنسيق والتعاون مع أعضاء هيئة التدريس. ونشدد هنا أن التكنولوجيا لن تلغي دور الأساتذة الماهرين الذين يعلمون الطلبة في جلسات منفردة بهدف تعزيز ما تم تدريسه سابقاً باستخدام أدوات التعليم المعدلة. وهكذا نجد أن كلاً من الأساتذة والطلبة والتكنولوجيا يعملون بتناغم من أجل خلق تجربة تربوية مكيفة وفق الحاجة.
-
الجامعة المنتجة
تقدمت الجامعة البحثية Research University، التي تأسست في هذه البلاد في نهاية القرن التاسع عشر، على كلية الدراسات الأولية التي سبقتها والتي كانت تهدف في الأساس إلى الحفاظ على المعرفة ونشرها بين أوساط الطلبة أما الجامعة البحثية فانصب هدفها على إكتشاف المعرفة. واستندت الجامعة البحثية على نموذج جديد هو الجامعة التوليديةGenerative University أو المبدعة. وإذا كان البحث العلمي يهدف إلى إكتشاف الأشياء الموجودة سلفاً فإن الجامعة التوليدية تسعى إلى استحداث أمور ليست موجودة في السابق فهي تبلور شيئاً جديداً وتبتكر وتستحدث. ويكون حصول الطلبة على الدرجة العلمية مشروطاً بتقديم عمل إبداعي بمعنى كتابة رواية أو قصيدة شعرية أو وضع خطة عمل أو صنع جهاز ما. كما أن تقييم أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم لا يقتصر على تميزهم في مجالي التدريس والبحث العلمي فحسب إنما يمتد ليشمل إبتكاراتهم أو أفكارهم الجديدة التي يمكن أن تأخذ شكل فكرة مبتكرة أو منتوج جديد أو عمل فني متميز أو نهج جديد أو السعي لتسليط الضوء على مسألة تهم الرأي العام أو معالجة مشكلة ما أو مشروع تجاري جديد. بإختصار، الجامعة المثالية عبارة عن (جامعة توليدية) قاعدتها كلية أو جامعة بحثية.
-
أختصاصان أكاديميان لسائر الطلبة
تعمد الجامعة المثالية إلى استبعاد المنهاج الدراسي العام واستبداله بنظام يتعين على كل طالب بموجبه أن يختار إختصاصين أساسيين على أن يكون الموضوعان المختاران مختلفين تماماً. وبموجب هذا التوجه لن يكون بمقدور الطلبة اختيار إختصاصين مثل اللغة الإنكليزية والتاريخ أو المالية والمحاسبة حيث ينبغي على الطالب أن يختص بكل من التاريخ والمحاسبة أو المالية واللغة الإنكليزية على سبيل المثال لا الحصر. وذكر تقرير حديث صادر عن جامعة فاندربلت University Vanderbilt إلى أن (عدداً كبيراً من الطلبة يرون أن الربط بين إختصاصين مختلفين يتيح الفرصة أمامهم للتفكير بشكل مختلف)، ويؤدي إلى حل الألغاز الفكرية والتعاطي مع الواجبات الدراسية على نحو إبداعي. وتتعاظم مثل هذه المكاسب حين يختص الطلبة بحقلي معرفة متباينين تماماً وبالأخص إذا عمد الطالب إلى الربط بين العلوم والإنسانيات والفن. من هنا ترمي الجامعة المثالية إلى تخريج طلبة مفكرين مرنين ومبدعين ومتمكنين من أكثر من حقل علمي. أما أعضاء هيئة التدريس في الجامعة المثالية فيتم إنتقاؤهم وفق الكفاءة والتمكن من ميدانين معرفيين مختلفين تماماً.
-
ثقافة التعلّم مدى الحياة
أعلنت كلية وارتن Wharton School قبل أربع سنوات عن خدمة جديدة أسمتها (المعرفة الدائمة) حيث أصبح بمقدور سائر خريجي برنامج ماجستير إدارة الأعمال MBA لعام 2010 والخريجين اللاحقين أن يلتحقوا بدورة مكثفة كل سبع سنوات لتنشيط معلوماتهم.
من جانبها تعمل الجامعة المثالية على توسيع هذه الفكرة فالطلبة المقبولون في الجامعة بعد اجتياز الإختبار المقرر سوف يتلقون عدداً كبيراً من الخدمات والفرص التعليمية بإعتبارها منفعة مدى الحياة. وبذا لن يعتبر الطلبة وفق هذا القياس في الواقع (خريجين) في هذه المؤسسة التعليمية العليا، فرغم أن أولئك الطلبة قد حصلوا بالفعل على الشهادة العلمية المقررة (البكالوريوس) فإنهم سوف يواصلون دراستهم وحضورهم قاعات الدرس أو تلقي المشورة ذات الصلة بسيرة عملهم المهنية فضلاً عن التعليم أو التدريب التنفيذي. ويشبه وضع الطلبة في هذه الجامعة حال الأشخاص المنتمين إلى أحد الأندية الرياضية حيث يتمكن بعض الطلبة من ممارسة التفكير الإبداعي سيما وأن البحوث العلمية في هذا المجال أثبتت أن الذهن النشيط يمكن أن يدرأ آثار الشيخوخة. فضلاً عن ذلك سوف تتم دعوة بعض الطلبة الأكبر سناً الذين حققوا تميزاً ونجاحاً في مسيرة عملهم للتدريس ونقل تجاربهم للطلبة الشباب.
-
التكاليف المالية
لاشك أن الديون التي يتحملها الطلبة تطرح مشاكل عديدة لعل أكثرها حدة هي أن الأطراف التي تستفيد من خريجين مثقفين ومتمكنين تدفع مبالغ مالية قليلة وبشكل متزايد لقاء تلك المنفعة. ودأبت الشركات على أخبارنا دوماً أنها بحاجة إلى خريجين مؤهلين لإشغال المواقع الشاغرة ويذهب آخرون إلى أنهم بحاجة إلى الناس المثقفين للحفاظ على الديمقراطية. على أننا نلاحظ أن الجهات الحكومية تنفق أموالاً قليلة على مثل هذا التعليم المدني فالأعمال تحصد المنفعة المتأتية من القوى العاملة المثقفة لكنها لا تدفع بشكل مباشر لقاء تلك الفائدة.
بدلاً من ذلك من المتوقع أن يدفع الطلبة فاتورة باهظة على نحو متزايد لقاء ضمان التدريب المهني أو التعليم المدني. ويبدو ان الجامعة المثالية تشبه جمع كل من جامعة كاليفورنيا ـ بيركلي California-Berkeley (في الماضي) وبرنامج التدرب على مهنة ما حيث تعمل كل من الدولة والأعمال على التعهد بتقديم العون المالي للتعاطي مع كلفة تعليم الطلبة.
بقلم: ديفيد ستالي David Staley
مدير مركز هارفي ـ كولدبيرك بجامعة أوهايو الحكومية.
http://evolllution.com/opinions/elements-ideal-university/
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.