عندما تتلعثم الألسن وتهرب من الإجابة عند السؤال، وعندما يطلب من أحدهم أن يدلي بحقائق ومعلومات ولو بسيطة، تراه يرتبك، ينظر، يراقب من يسمعه، وهل سيعلن الخبر وينشر أم سيكون محاطاً بالسرية والكتمان، إنني أعيش مع شخص معاق كلمة تقال بهمس شديد يكاد لا يصل أذن المتلقي، هل سيتقبل الناس ما قلته يا ترى؟ هل سيزورني أحد؟ هل سيصادقني أحد؟
لقد عرفوا ما أخْبَؤُه خلف جدران بيتي، لا أدري لماذا قلت لهم وأعطيتهم بيانات ذلك المقعد المنهك الذي ربما سيؤثر على علاقتي بمن أريد.
آه إنه قدري الذي لم يرحمني، سيظل يلاحقني كالشبح، يختفي، لا يُرى إلا كوجه مختلف عن الحقيقة؟ رغم الإبداع رغم التميز العقلاني والعاطفة الجياشة والفكر الوضاء الذي يحمله ذلك المقعد لكنه لا يستطيع الظهور والتميز، لماذا؟ لأنه شخص معاق.
هذا الجدار هو جزء من سور كبير يحيط بكثيرين ممن يهمسون في صمت خوفاً من ردود الأفعال وخوفاً من الوقوع عند محاولة تخطي الحاجز القسري المفروض عليهم رغماً عنهم، لقد شاء لهم الخالق وقدر في الكتاب المسطور أن يكون الألم رفيق دنياهم، وهم أنفسهم القادرون على التلاعب بأحرف الكلمة ليحولوها إلى أمل، والمهم في الموضوع أن يستطيع من يقرأ تلك الكلمة أن ينطقها ويتقبلها ويزرع بجانبها أكاليل زهور الإبداع والتحدي ليستطيع أن يقاوم ويشق لنفسه ولو حتى درباً متعرجة تقوده إلى شارع الحياة الكبير.
أحياناً كثيرة يطغى صوت النواح على ترانيم الغناء المنبثق من قلب عاشق للحياة رغم مآسيها. وكثيراً ما تنساق قطرات الغيث في جداول الماء المنساب لتسقي بقايا الشجر المتعطش لماء الأمل الباقي ليعيد نبضات الحياة إلى أجسام عافت النوم الطويل وترغب في شعاع ضوء يظهرها لمن حولها لكي يرى الناس أن الشخص المعاق إنسان رغم قساوة الظروف والمحن لا يعيش لنفسه فقط لكن أيضاً لمساعدة الآخرين.