تعاظم تأثير وسائل الإعلام على المجتمعات في العقود الخمسة الماضية خاصة مع التقدم التكنولوجي الكبير الذي شهده العالم، ففي البداية برز تأثير نظام البرقيات والمكاتب البريدية وبعدها ظهر المذياع والصحف والمجلات والتلفاز لنشهد اليوم استخدام الأنترنت والوسائل الإعلامية الحديثة ومنها الحاسبات اليدوية Palmtops والهواتف النقالة وغيرها. وتركت وسائل الإعلام آثاراً إيجابية وسلبية على المجتمعات والتي يتعين على الإنسان المسؤول في المجتمع أن يدرك مدى تأثيرها.
ولا بد أن نتطرق هنا إلى الوظائف الأساسية الثلاث التي تقوم بها وسائل الإعلام وهي: تقديم الأخبار والمعلومات والتسلية والتثقيف. وتأتي الوظيفة الأولى على رأس سلم الأولويات وعلى أثرها يطلق اليوم على عصرنا تسمية (عصر المعلومات) أيضاً. ولا شك أن الناس يحتاجون إلى المعلومات لأسباب عديدة فالمعلومات تعينهم على التفاعل الإجتماعي مع الآخرين وكذلك تفيدهم في اتخاذ القرارات وبلورة وجهات النظر. وتنصب الوظيفة الثانية على زرع البهجة والترفيه في نفوس الناس في عصرنا الراهن المفعم بالقلق. ثم أن تثقيف الناس حول حقوقهم وبيان الإلتزامات الأخلاقية والإجتماعية والدينية لهم أمر مهم أيضاً.
وفي عصر العولمة الذي نعيشه اليوم يعتمد غالبية الناس على المعلومات والتواصل مع الآخرين بهدف الإرتباط بالعالم وكذلك إنجاز النشاطات اليومية مثل العمل والتسلية والرعاية الصحية والتعليم والتفاعل الإجتماعي والسفر وأي نشاط آخر يتعين علينا القيام به فالشخص الذي يقيم في المدينة في أيامنا هذه يقدم مثالاً جلياً على ذلك فهو ينهض في الصباح وأول ما يبدأ به هو مشاهدة النشرة الأخبارية من على شاشة التلفاز أو يقرأ الصحيفة اليومية ليتوجه بعدها إلى عمله ويجري هناك بضعة مكالمات هاتفية ومن ثم يتناول الطعام أما مع أفراد الأسرة أو مع زملاء العمل. وهو يتخذ قراراته إستناداً إلى المعلومات التي استقاها من زملاء العمل أو من النشرات الأخبارية في التلفاز أو الأصدقاء أو العائلة أو التقارير المالية وما إلى ذلك.
وعلينا جميعا أن ندرك أن معظم القرارات التي نتبناها أو المعتقدات أو القيم التي نؤمن بها تعتمد على ما ندركه من حقائق أو افتراضات أو إعتماداً على خبراتنا الشخصية. ونحن في مجال عملنا نعلم ما يتعين علينا إنجازه اعتماداً على خبراتنا والدراسات التي نطلع عليها، لكننا في سياق حياتنا اليومية وإنجاز الأعمال المنزلية الروتينية اليومية نعتمد في الأساس على وسائل الإعلام للحصول على الأخبار والحقائق حول الأمور المهمة وما يتعين علينا معرفته.
لقد أولينا وسائل الإعلام ثقتنا واعتبرناها سلطة ذات شأن تقوم بتزويدنا بالأخبار فضلاً عن الترفيه والتثقيف. على أن تأثير تلك الوسائل على الأطفال والمراهقين والمجتمع كبير جداً الأمر الذي يتطلب معرفة مثل ذلك التأثير. إن وسائل الإعلام تجني مليارات الدولارات لقاء الإعلانات التي تروج لها والتي نتعايش معها في كل لحظة. ونحن في الواقع نعمد إلى شراء ما تعلن عنه وسائل الإعلام ذاتها حيث نقرر شراء إحتياجاتنا بعد مشاهدة آلاف الإعلانات عبر التلفاز والصحف والمجلات. وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على المراهقين الذين يشترون ما يحتاجون إليه اعتماداً على ما يشاهدونه في التلفاز وبالذات من لدن نجومهم المفضلين وكذلك على ما يتقبله المجتمع اعتماداً على ما تفرضه وسائل الإعلام عليهم.
لقد تركت وسائل الإعلام آثاراً إيجابية وسلبية على الشباب بسبب الحملات الإعلانية التي تنشر عبرها. وهذا مثال على الجانب الإيجابي: إذا قدم التلفاز على سبيل المثال برنامجاً عن إجراء إختبار موجز عن التعليم وبدأ البرنامج يحظى باهتمام أوساط واسعة من الناس فإن ذلك سوف يحفز الناس على المشاركة الفاعلة في مثل تلك البرامج الهادفة.
إن مثل هذه البرامج مفيدة للمجتمع لأنها تعمل على تحريك النشاطات الأدبية لدى الشباب. ومن الأمثلة السلبية التي تتركها وسائل الإعلام في أوساط المراهقين استخدام الأسلحة والذخائر التي يستخدمها نجوم السينما المشهورين حيث أن كثرة مشاهدة مثل تلك الأفلام سوف تغري المراهقين لتقليد سلوكيات نجوم السينما لكن على أرض الواقع. إننا حين نشاهد التلفاز أو أحد أفلام الإثارة فإننا في الواقع نطلع على الكثير من مشاهد العنف وإيذاء الآخرين. والمشكلة هنا أن مثل هذا الأمر ربما يأخذ طابعاً مضراً لدى الأطفال على وجه الخصوص وهم يشاهدون تلك الأفلام مراراً وتكراراً فأطفالنا في مرحلة النمو يشرعون في تبني القيم والمعتقدات التي تصبح جزءاً من شخصياتهم، وهم تحت تأثير المشاهدات يصبحون عدوانيين أو ربما يفقدون المقدرة على التمييز بين الواقع والخيال.
والمشكلة الأخرى التي تتسبب بها وسائل الإعلام أن الحرب فيها تطرح على أنها شكل من أشكال التسلية وهذا أمر سلبي للغاية حيث ينبغي علينا أن نبين لأطفالنا ومراهقينا أن الحرب ليست وسيلة تسلية أو ترفيه بأي شكل من الأشكال وأن لا رابح أو خاسر فيها إنما الكل خاسرون!
تجدر الإشارة أن المراهقين والشباب يمرون بمرحلة حياتية يتطلعون فيها إلى القبول من جانب نظرائهم وحب الآخرين لهم فضلاً عن نجاحهم في حياتهم. من هذا المنظور تقوم وسائل الإعلام بتجسيد الصورة المثالية لرجال ونساء جذابين يتمتعون بخصائص النجاح الشخصية كافة يعكسه ما نشاهده من أفلام في السينما والتلفاز. وهذه طريقة متميزة لإقناع الناس بأن رغبتهم بالنجاح والتشبه بأولئك النجوم تقتضي شراء هذه العلامة التجارية أو ذلك المنتوج. والتأثير السلبي الآخر الذي يلاحظ بين أوساط المراهقين خاصة في الولايات المتحدة هو السمنة التي غدت ظاهرة ملحوظة تماماً في السنوات الأخيرة، فهناك ملايين المراهقين الذين يحاربون السمنة غير أنهم في الوقت ذاته معرضون إلى آلاف الإعلانات ذات الصلة بالطعام ذي القيمة الغذائية الضئيلة فيما تظل صورة الشخص الناجح المثالية (النحيف الثري) ماثلة للعيان!
أصبح واضحاً إذن أن وسائل الإعلام تؤثر كثيراً على المجتمع من خلال تشكيل الرأي العام للجماهير فهي قادرة على رسم معالمه أو تكييفه بطرق شتى إعتماداً على الهدف المنشود فعلى سبيل المثال أثرت وسائل الإعلام الباكستانية على الرأي العام الباكستاني الذي اتخذ موقفاً مناوئاً لطالبان من خلال العرض المتكرر لأحد الأفلام التي تظهر أحد رجال طالبان وهو يضرب إحدى النساء بالسياط. فقبل هذا الفيلم القصير كان الرأي العام منقسماً حيال العمل العسكري ضد طالبان غير أن تكرار عرض هذا الفيلم غيّر الرأي العام تماماً بين ليلة وضحاها حيث أيد الناس الحكومة ودعموها لإتخاذ إجراء حازم ضد طالبان.
وهناك أوجه تأثير أخرى على المجتمع من خلال الإقتراع أثناء الإنتخابات وكذلك التوجهات العامة وخاصة في الحملات السياسية فالمرشحون القادرون على دفع الأموال لمحطات التلفاز ووسائل الإعلام الأخرى أكثر من غيرهم يؤثرون كثيراً على الرأي العام وبذلك يتمكنون من حصد الكثير من الأصوات.
بقلم: م. أ. موكال M. A. Mughal
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.