17 مايو / أيار اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات
تطورت (الفجوة الرقمية) بسبب التقدم التكنولوجي المتسارع وتراكم المعارف في الدول المتقدمة، التي تملك البرامج والتقنيات الحديثة والخبرات لتوليد المعرفة ونشرها وتبادلها واستثمارها، في حين تأخرت معظم الدول النامية، خاصة فيما يتعلق بتطوير التقنيات الرقمية وتجديد أساليب ومنهجيات التعليم والتعلم واكتساب المعرفة وتوليدها.
إذن، يمكننا القول إن الفجوة أو الهوة الرقمية هي المسافة التي تفصل بين مَن يملك ومَن لا يملك كماً ونوعاً من المعرفة التي يستطيع تسخيرها وتنميتها لمصلحته.
تأتي اللغة العربية في المرتبة السادسة عالميّاً من حيث الانتشار، في حين لا يتعدى استخدامها في الشابكة (الإنترنت) 4%، أي تسبقها عشرات اللغات الأخرى، ولهذا الأمر أهمية كبيرة، إذ أن النفاذ إلى الشابكة (الإنترنت) حسب اللغة الأم من أهم طرق قياس الفجوة الرقمية.
إن نظرة سريعة إلى الدراسات الإحصائية تبين أن عدد مستخدمي الشابكة هذا العام يقترب من ثلاث مليارات، منهم أقل من 100 مليون عربي من أصل سكان البلاد العربية الذي يتجاوز 380 مليون نسمة، وبذلك يكون عدد المستخدمين العرب أقل من عدد المستخدمين الألمان رغم الفارق الكبير في عدد السكان. أما عدد المواقع العربية في الشابكة، فيشكل أقل من 1% منها، وهذه النسبة أقل من عدد مواقع الناطقين بالهولندية على سبيل المثال، والذين لا يزيد عددهم في العالم عن 20 مليون نسمة، وكذلك أقل من عدد المواقع الإيطالية، والتركية، والبولندية وغيرها،.. الأمر الذي يعكس ضعف حضور اللغة العربية في الساحة الرقمية وبالتالي لجوء مستخدمي الشابكة (الإنترنت) العرب إلى مواقع غير عربية تستخدم الإنجليزية والفرنسية، وغيرها، وهذا ما يعيق انتشار اللغة العربية وتطورها، سيما أن القراء العرب قلّة بالنسبة لعدد الناطقين باللغة العربية بغض النظر عن التقنية الرقمية التي سهلت الحصول على المعلومات، وإذا ما رجعنا إلى تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 نجد أن عدد الكتب التي تترجم إلى العربية يبلغ نحو 330 كتاباً، وهذا يشكّل حوالي 20% من عدد الكتب التي تترجم سنوياً إلى اليونانية، علماً أن الناطقين باللغة اليونانية يشكّلون أقل من 4% من الناطقين بالعربية.
لقد جاءت الفجوة أو الهوة الرقمية لتزيد الطين بلة، إذ أن المعرفة العالمية تنمو بسرعة مذهلة والمصطلحات الإنكليزية الجديدة تظهر يومياً، لا تستطيع اللغة العربية مجاراتها لأسباب عديدة، إضافة إلى ضعف إرادة التغيير، فعدد القراء العرب المنخفض لا يبرر الترجمة إلى العربية أو التأليف بالعربية خاصة في المجالات العلمية والتكنولوجية، ومجامع اللغة العربية التي تكاد تكون غائبة عن العالم الرقمي لا تتوافق على ما تصدره من مفردات ومصطلحات جديدة، وإذا ما أصدرت مثل هذه المفردات والمصطلحات فإنها تأتي متأخرة جداً، يعتاد خلالها القارىء العربي على المصطلحات الأجنبية، وهكذا يجري تهميشها تدريجياً كلغة عمل وتواصل على جميع الأصعدة، بدءاً من النشر العلمي للعلوم الأساسية والطبية والإدارية وتكنولوجيا المعلومات، مروراً بالتعليم العالي والتجارة والصناعة والاقتصاد، وغيرها، وصولاً إلى التعليم الأساسي الذي يعد حجر الأساس في هذا المجال، وهذا يعني ضعف انتشارها في المجالات العلمية والتعليمية والتجارية والثقافية والإنسانية وغيرها، واقتصارها على الدين والفلسفة وبعض المجالات المحدودة، ولا يغيب عن الذهن تأثير ذلك على الهوية الإنسانية والثقافية القومية والوطنية بشكل عام.
يمتد ضعف (المحتوى الرقمي العربي) ليس فقط إلى مواضيع المحتوى الإنساني والثقافي والتاريخي والعلمي والتعليمي والأدبي، وكافة الخدمات المجتمعية المعتمدة على الشابكة، بل أيضاً إلى التطبيقات التي تعالج هذا المحتوى، وبرامج التعرف ومعالجات النصوص، ومحركات البحث، وغيرها، لذلك يعد هذا الضعف أحد أهم العوائق التي تواجه المجتمع العربي في التحول إلى (مجتمعات المعرفة والمعلومات)، بعد الزيادة الهائلة في استخدامات الشابكة في دقائق حياتنا اليومية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، الأمر الذي جعل من صناعة وتنمية هذا المحتوى المحرك الرئيس للاقتصاد المعرفي، فأضحت صناعة (المحتوى الرقمي العربي) حاجة ملحةً اقتصادياً، وعلمياً واجتماعياً بل وإنسانياً وثقافياً، لذا، ينبغي تنميتها وتطويرها من خلال مراجعة وتنفيذ الإستراتيجية العربية العامة لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لبناء مجتمع المعلومات ولاسيما تحفيز السوق التنافسي لمجتمع المعلومات العربي ودعم مشاريع (الحاضنات التكنولوجية) و(البوابات المجتمعية الإلكترونية)، وباقي أشكال صناعة وخدمات (المحتوى الرقمي العربي) الذي يرتكز على تنمية (النفاذ الرقمي) داخل المنطقة العربية في إطار ثقافة احتوائية تنموية مستدامة شاملة.
خلال السنوات الماضية، تركزت الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات على عقد الندوات والمؤتمرات ذات الشعارات الرنانة، وإصدار توصيات تبدأ ولا تنتهي، وكأن الكم الهائل منها بمفرده، يسهم في معالجة هذه الفجوة الرقمية التي اتسعت إلى أن أصبحت هوة سحيقة، لا تفلح معها كل الفقاعات الإعلامية المصاحبة لمثل هذه المؤتمرات.
لا يمكننا أن نغفل عدداً من المبادرات والمشاريع العربية الجادة، في أكثر من دولة عربية، لكنها تبقى محدودة الأثر وبعيدة عن وقف اتساع الهوة، ما لم نتبنى مقاربة شاملة، تجعل صناعة المحتوى الرقمي وتنميته قضية مجتمعية بامتياز، فالهوة الرقمية لا يمكن جسرها دون أن نبدأ بإعادة بناء النظام التعليمي العربي، وحمايته من الفساد ونقص الشفافية، ورصد الموارد المناسبة له، وتعزيز دوره المجتمعي، فالإرادة القوية، والعمل المدروس الممنهج، والتشارك الإقليمي الجاد، هو أشد ما نحتاجه، وخاصة الاستثمار القريب والبعيد المدى في الشباب، لاسيما المبتكرين ورواد الأعمال منهم، وهذا بالفعل ما يسلط الضوء عليه (اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات) في هذا العام 2016، والذي يحمل موضوع: (ريادة الأعمال في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل إحداث تأثير اجتماعي).
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/