ربما يبدو الأمر بديهي لجميع المتعلمين وحتى العوام من أولياء الأمور، أن الطفل وبطبيعة الحال لديه مجموعة من الحواس تعتبر أدواته في التعرف على البيئة من حوله، واستكشاف كل متعلقاتها، مما يساعده على النمو والتطور بشكل طبيعي. ولا يمكننا أن نثتثني من ذلك أي فئة من فئات الأطفال حتى من حرموا من جزء أو بعض من هذه الحواس، فنستطيع أن نجزم أن هذا الحرمان يؤدي سلباً على طبيعة نمو الطفل وتواصله مع العالم من حوله. وليس في وسعنا سوى أن نستغل جميع قدراته وطاقاته لخدمة نموه وتطوره، بل والتركيز على حواسه الأخرى من أجل أن تقوى، وتدعم قدراته ونموه بالشكل السليم.
فالطفل الكفيف الذي حرم نعمة البصر سواء منذ الولادة أو بسبب حادث أو مرض ما لا بد من دعم قدراته السمعيه واللمسية والتركيز على تنميتها بشكل جيد كي تكون هي الوسيلة المثلى لتفاعله وتنمية خبراته ونموه بشكل جيد. ومن خلال تعاملي مع بعض المختصين في هذا المجال وخاصةً معلمات المرحلة الإبتدائية والمختصين بتعليم طريقة برايل أكدوا أن مكوث الأطفال في المنازل دون تلقي تعليم يحمس الطفل لإستخدام حاسة اللمس – يتسبب في تراجع هذه الحاسة والتي من المفترض أن تكون من أقوى الحواث لدى الكفيف والتي هو في أمّس الحاجه إليها ليتمكن من تعلم الكتابة والقراءة، وعلى حد تعبيرهم أن جلد الكف يزداد سماكة وتقل حساسيته لتمييز النقاط أو بالأصح الثقوب التي هي دعامة القراءة بطريقة برايل.
وحرصا منّي كمربية ومعلمة ولديّ سابق الخبرة في التعامل مع الأطفال من ذوي الإعاقة، فأرى أن دعم حاسة اللمس لدى الأطفال عموماً، والكفيف على وجه الخصوص تعتبر حاجة ملّحة في مسار النمو السليم، وانطلاقا من هذا فإن طرق جميع السبل للإرتقاء بالطفل ودعم حواسه هو الطريق الأمثل ولي في ذلك تجربة:
بالتعاون مع أصدقائي من معلمات مدرسة النور بنين بالإسكندرية، والتي هي مسقط رأسي قمت بمجموعة من الورش والتي كانت بغرض استكشاف قدرات الأطفال في مرحلة الروضة والأول والثاني الإبتدائي، حول إمكانياتهم للتمييز اللمسي، ومن خلال متابعة أنشطة المدرسة الفنية وإنتاج الأطفال وجدت أن إمكانيات الأطفال تفوق التوقعات، وفي المقابل نقوم نحن الكبار بطمسها وعدم تلبيتها ما إن تفاديناه ستكون هناك نتائج مذهلة، وبحكم عملي ككاتبة ورسامة لكتب الأطفال وجدت أن هناك فجوات يجب أن تملأ من أجل دعم هؤلاء الأطفال فمن المستغرب أن تمتلىء المكتبات بالكتب الملونة للطفل المبصر بينما لا يوجد كتب موجهة للطفل الكفيف غير هذه التي تحوي قصصاً تمت ترجمتها لطريقة برايل ضمن مجهودات ذاتية لا يمكننا إغفالها لمعلمي مدارس المكفوفين… متجاهلين بذلك إحتياجات الطفل الكفيف ومتعة اللمس التي تثري نموه وتطور إمكاناته تمهيداً لتعلم القراءة والكتابة بطريقة برايل وكأننا نتجاهله أو لا ندرك احتياجاته بل ونغمض أعيننا عنها لمجرد كونها أكثر تكلفة.
وبالفعل إتجهت وعلى الفور إلى تقديم عمل قصصي مبدئي استمتع به الأطفال المكفوفون وميّزوا الشخصيات، وملامحها بسهولة من خلال رسوم مصممة بطريقة الكولاج والتي تتضمن لصق خامات لها ملامس متباينة تتناسب مع أحداث القصة وبذلك صار الأمر فرض عين بالنسبة لي.
وكانت قصة الحياة ملونة هي الإنطلاقة وهي قصة تمثل دمجاً لعالم الطفل المبصر منهم والكفيف، مع مراعاة أن القصة وإن كانت تناسب الطفل المبصر بعمر الخمس والست سنوات، فهي قد تمتد لمن يكبرهم بسنتين بالنسبة للطفل الكفيف. والقصة مرسومة وملونة كأي قصة عادية إذ من أعظم المفاجآت التي واجهتها أثناء الورش أن درجات عدم الإبصار متفاوتة بين المكفوفين وأن منهم من يميز القليل من الألوان خاصة وإن كانت صارخة مما حمسني أكثر للقيام بعمل يتضمن الملمس واللون معا… هذا بالإضاف إلى كتابة النص بطريقة برايل وبالحروف الأبجدية المعتادة وفي صفة واحدة.
إن تجربة الحياة ملونة تجربة امتدت إلى أربع سنوات ورحلة من الكفاح حول من يتبنى العمل ويشتغل عليه كي يظهر بريقه، ويؤتي أكله. ولم يكن لدي خيار سوى أن أبدأ العمل بإنتاج نسخ يدوية، مما كبدني الكثير من العناء، وظللت أبحث عن طريق لطباعته بشكل يتناسب والفكرة ويحقق الهدف المرجو. إلى أن تفاعل معي الناشر الشاب الأستاذ محمد نور الدين والقائم على دار نبطي للنشر والتوزيع والذي تحمس للفكرة، واتخذ القرار بأن يرافقني الدرب حتى يظهر العمل وبأي طريقة للجمهور وأرجو من الله العلي القدير أن يكلل هذا الجهد بالسداد والتوفيق.
ومن خلال معرض أبو ظبي للكتاب في دورته لعام 2016 في أبريل الماضي، قمنا بتقديم النسخة اليدوية للقصة ضمن اطار مرح للأطفال والمهتمين وضمن تجربة فريدة للدمج بين الطفل الكفيف والمبصر على حد سواء وكانت شخصية البطل باسم ضمن فعاليات الركن الخاص بدار نبطي تمهيداً لظهور العمل، ومن هذا المنطلق دعونا الجميع إلى مشاركتنا الحدث والاستمتاع بفعالياتنا المعدة للدمج بين الأطفال من خلال معرض للوحات فنية ذات ملمس تثري فكرة العمل وتثبت فعاليته، هذا بالإضافة لعرض دمى يلفت الأطفال لتنوعهم وتباين أمكانياتهم، ويؤكد على اتنمائم لعالم واحد يعمه الحب، ولا وجود للتهميش أو التمييز بينهم في إطار من الحياة الملونة.