يعكف هذا الحقل اللغوي على دراسة الإشارات، وتسميته تعود يجذورها إلى المفردة الإغريقية Seemeiootikee التي تدل على دراسة الإشارات وخاصة ما تمثله تلك الإشارات وما تشير إليه والكيفية التي نعمل ونفكر بموجبها في عالم تلك الإشارات.
وكان غوته Goethe ينظر إلى الأشياء باعتبارها رموزاً، لكن إلى أي مدى يعتبر مثل هذا التوجه أكثر صحة هذه الأيام حيث نشهد ظهور أعداد متزايدة من الإشارات والعلامات التي ابتكرها الإنسان؟! ثم أن وسائل الاتصال الهائلة التي يشهدها عصرنا الحاضر تعتبر بمثابة طفرة نوعية وتاريخية كبرى مع استخدام الكمبيوتر والهواتف المحمولة وغيرها من الوسائل الإلكترونية التي تستخدم في نقل الرسائل. مع ذلك، هل توجد ثمة أشياء أخرى يود الناس تبادلها فيما بينهم؟ إن علم الإشارات هو الحقل المعرفي الذي تصدى بشجاعة لمثل هذه القضايا في مستهل الألفية الجديدة.
كما أن علم الإشارات يشير أيضاً إلى تقليد فكري قديم جداً، فنحن نعلم أن روايات أمبرتو أيكو Umberto Eco تعود بنا الأدراج إلى العصور الوسطى مثلما عمد الفلاسفة القدماء وكذلك آباء الكنيسة في تعمقهم بدراسة قوانين الإشارات التي تحكم العالم. إن ولوج عالم علم الإشارات مغامرة فكرية ينظر فيها إلى الأفراد باعتبارهم علامات سواء تعلق الأمر بهم أو بآخرين. من ناحيتهم، يرى علماء الأحياء في أيامنا هذه أن كل كائن حي يعمل بصفة نظام إشارة فيما يتصل بعلاقته ببيئته. لذا فإن الإشارات اللفظية للغة المنطوقة والمكتوبة (أي النصوص) لم تعد تشكل الإهتمام الرئيسي لعلماء الإشارات الذين سعوا لتوسيع رؤيتهم لتشمل الفعاليات غير اللفظية لكل من البشر والحيوانات.
ويكمن الكثير من قوة المشروع الإشاراتي في مقدرته الظاهرية (ذو علاقة بالظاهرات لا بالفرضيات) المتمثلة في التكيف مع مختلف التغيرات التي تذهب إليها الأنماط العلمية والمستحدثات التكنولوجية والتوجهات والمدارس الفكرية وحتى التقاليد الوطنية. وعلى أثر ذلك اتسعت رقعة علم الإشارات الذي أصبح حقلاً معرفياً مستقلاً في فترة الستينيات التي شهدت انطلاقة الإتحادات الدولية والمطبوعات التي امتدت إلى أنحاء المعمورة وشهدت تحولات متطرفة عديدة.
وترتبط بعلم الإشارات في صيغته التقليدية أسماء علماء بنيويين أفذاذ في النصف الثاني من القرن العشرين أمثال كلود ليفي شتراوس Claude Levi-Strauss ورولان بارت Roland Parthes وجوليا كريستيفا Julia Kristeva وأمبرتو أيكو وكريماس A.J. Kreimas وجوري لوتمان Yuri Lotman (مؤسس مدرسة تارتو Tartu الروسية لعلم الإشارات) وتوماس أ. سيبيوك Thomas A. Sebeok ونعوم تشومسكي Noam Chomsky وميشيل فوكو Michel Foucault.
مع ذلك عبر الكثير منهم عن الشعور بالإمتنان الفكري لرواد علم الإشارات في القرن التاسع عشر من أمثال تشارلس ساندرس بيرس Charles Sanders Peirce (1839 – 1914) الفيلسوف وعالم الرياضيات الأمريكي، وفرديناند دو سوسير Saussure (1857 – 1913) العالم اللغوي السويسري الذي زعم في إعلان تنبؤي أن علم الإشارات في حينه Semiology لم يكن واضح المعالم لأي أحد وإن مكانة هذا الحقل اللغوي الجديد كانت (عرضة للخطر سلفاً).
في هذا السياق يمكن أن نردد هذه العبارة في أيامنا هذه: بعد أن دخل علم الإشارة في حقبة ما بعد البنيوية أثر كتابات كل من جاك دريدا Jacques Derrida وميشيل فوكو وآخرين، وغدا يمثل منهج وفلسفة الحقبة ما بعد الحداثة فإنه لا يوجد ثمة من يعلم الحال الذي سوف يؤول إليه علم الإشارات في القرن الحادي والعشرين، غير أننا لا نعلم ما إذا كان هذا العلم سوف يواصل تأثيره على علاقة البشر بهذا العالم المتغير.
علم الإشارات: علم الألفية الجديدة
سوف يشهد المستقبل حاجة متزايدة لعلم الإشارات للتعاطي مع مختلف المشاكل الناشئة في مجتمع معلوماتي يهيمن عليه التقدم التكنولوجي والعلمي. وهذا الحقل العلمي يوفر لنا الأدوات التي تعيننا في النظر إلى عالم الإعلام Media بعين ناقدة. وفي عالم تداخلت فيه المعارف والعلوم فإن علم الإشارات لابد أن يعمد إلى تجاوز الحدود الثابتة للبحث العلمي. وكان تشارلس موريس Charles Morris قد تنبأ قبل نحو خمسين سنة من أن هذا الحقل المعرفي سوف يدرّس في المدارس؛ وبالفعل أصبح في النصف الثاني من القرن العشرين يشكل جزءاً أساسياً في المناهج والبحث في أرجاء الأرض، كما قام غالبية العلماء والمؤسسات العلمية بتبني المفاهيم والأفكار التي تبناها علم الإشارات. مع ذلك لابد من تطوير وإعادة صياغة الأدوات التي يستعين بها علم الإشارات بشكل متواصل بهدف التعاطي مع المشاكل البحثية الجديدة التي سوف تبرز في المستقبل.
* يترجم هذا المفهوم في بعض الأحيان بعلم الإشارة أو علم العلامات أو السيميوطيقا (المترجم)
المصدر: اضغط هنا
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.