لئن يجد المرء نفسه فجأة وقد أصبح معاقاً… لأي سبب كان، فإن ذلك يضعه أمام أسئلة وتساؤلات كثيرة عن طبيعة شخصيته… عمّن هو؟ وكيف سـيتفاعل الآخرون معه بوضعه الصحي الجديد؟ وكيف سيتعامل مع البيئة الاجتماعية والمادية المحيطة به ويتجاوزها بأقل ضرر؟ والأهم كيف سيعيش حياته كشخص معاق؟
وحـدها التساؤلات كثيرة هنا، لكن لا إجابات جاهزة لأي منها. فقط هو من يستطيع الإجابة عن بعضها، عن القليل منها، أو لا يجيب! فما يقرر بشأن حياته الشخصية والاجتماعية يعود إليه. هو فقط من يستطيع اتخاذ قرار لتأسيس قاعدة تقوم عليها العلاقة بين العقل والجسد. فإما الحياة بجسد مشلول أو الموت بعقل حي… أعني موت جذوة الحياة داخل النفس!
لا شك أن البداية تكون دائماً صعبة وتحتاج إلى قرار حاسم والتزام لا يفتر يذلل المصاعب ويعطي أفقاً يتيح للمرء اقتناص ما يمكنه من الحياة. فإما قبول الكارثة وامتصاص صدمتها المدوية والإقبال على الحياة باستعداد على التكيف معها وتكييف بعض جوانبها، أو رفض الواقع محاولاً البحث عن خلاص يفاقم نتائج الإصابة ويضاعف من الآلام والمعاناة، فيسرع الخطى بالجسد نحو النهاية.
وليس غريبا أن يسأل من تعرض لحادثة قلبت موازين حياته رأساً على عقب.. شتت أحلامه… بعثرت آماله… فجرت في داخله صدمة فجائعية أخلّت بالنفس والقناعات والإيمان على نحو لم تفعله أية أزمة أخرى في حياته من قبل، ولعلها تتجاوز صدمة الموت نفسه: لماذا حدث هذا لي أنا؟!
وبغض النظر عن الاستنتاج الذي سيخلص إليه المرء بعد طرح هذا السؤال على نفسه، وسواء أجاب على تساؤلات أخرى كثيرة ومحيرة أم لا، إلا أنه يجب الوصول إلى قناعة واحدة ولا خيار غيرها: انظر إلى الأمام.. إلى المستقبل مهما كانت التوقعات والافتراضات. فمهما بدا المستقبل مظلماً، إلا أنه آت لا محالة… آت بشروره، وآلامه، وأحزانه، وربما بأفراحه، وأحلامه وآماله. قد يحمل كل ذلك، أو شيئاً منه، وقد يأتي بما لا يُتوقع… خيراً أو شراً، لكن لا مناص من مواجهته والتعامل مع تبعاته وتداعياته.
قد لا يتفق معي كثيرون حين أقول أن هناك جانباً ايجابياً يمكن أن يتمخض عن إصابة المرء بشلل يفقده الكثير أو القليل من وظائف أعضاء جسده، فالحياة يمكن أن تكون أكثر غناء وأثرى إذا توفرت القناعة بأهمية الحياة نفسها والعمل على الاستفادة من كل ما يستطيع المرء انتزاعه منها.
لا أحد يختار بمحض إرادته أن يكون معاقاً، لكن، وعلى غرار معظم الأشياء في الحياة هناك وجه آخر للعملة.. فلماذا لا نبحث عن الوجه الآخر للشيء لعل فيه ما لم نره في الوجه الأول!
محمد مبارك خميس عيد العريمي (اسم الشهرة: محمد عيد)
ولد في وادي المر سنة 1954. وتربى في مدينة صور بالمنطقة الشرقية من سلطنة عمان
باشر قراءة القرآن الكريم في الهواء الطلق تحت ظل شجرة
وواصل دراسته الأساسية متنقلا بين مدن الخليج العربي
تابع دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث نال شهادة بكالوريوس علوم في الهندسة الصناعية.
التحق بالعمل لدى شركة تنمية نفط عمان، وتعرض عام 1982 لحادث سير وهو في طريقه إلى موقع عمله بحقول النفط بالصحراء العمانية أسفر عن إصابته بشلل رباعي، وبعد تأهيله عاد للعمل في مجال الترجمة بالشركة نفسها وما يزال.
صدر له عدد من المؤلفات.. أبرزها:
• «مذاق الصبر.. سيرة الذات والمكان» الصادر عن دار الفارابي ببيروت سنة 2001، سجل فيها تجربته مع الاعاقة. كتب عنه نقاد وكتاب كثر من بينهم الشاعرة والاديبة الدكتورة سعيدة خاطر الفارسي، الناقد والكاتب ناصر الغيلاني، الاديب والطبيب اللبناني سليم صابر، والناقد والكاتب الليبي عبدالحكيم المالكي. وقال عنه الناقد والكاتب العراقي المعروف د. ضياء خضير: «هذا كتاب فريد في بابه، يحتل، أو ينبغي أن يحتل، مكانة متميزة بين الأعمال الأدبية الخليجية والعربية المشابهة»، وقد ترجم الى اللغة الانجليزية. وصدرت الطبعة الثانية من الكتاب عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2005 والطبعة الثالثة عن المؤسسة ذاتها في 2006.
• حـز القيد (رواية) صدرت طبعتها الأولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2005 والثانية سنة 2006 عن المؤسسة ذاتها.
• بين الصحراء والماء (رواية)، صدرت طبعتها الأولى عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، مسقط 2006
• تعريب رواية «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2006
• أشرف على اعداد كتاب «عمان.. الانسان والمكان»: شركة تنمية نفط عمان، مسقط 2009
• قوس قزح (مجموعة قصص ونصوص قصيرة) صدرت عن دار الانتشار العربي، بيروت 2010