يعتبر الصف الدراسي الذي يهتم بالأخلاقيات مكاناً مثالياً للتعلم وتبادل الأفكار والثقة والتنشئة والتطور الشخصي والروحي والسكينة مثله في ذلك مثل البيت السعيد. والأماكن التي تولّد مشاعر في نفوس الأشخاص الذين يواصلون دراستهم فيها تتمحور حول وعي المفاهيم الأخلاقية واحترامها. إن الخير والصدق والإستقلالية والعدالة وعدم إيذاء الآخرين تمثل دعائم الصف الدراسي المهتم بالأخلاقيات الذي يتولى المعلم مسؤوليته. من هنا فإن المعلمين الذين امتهنوا التعليم وفق إرادتهم ورغباتهم استندوا إلى إندفاعهم وسعيهم لتحقيق إنجاز إيجابي. والصف الدراسي الذي تسوده الأخلاقيات يعتبر بالنسبة إليهم الحاضنة النهائية للتعلم من جانب طلبتهم وكذلك الإختبار الحاسم لإماطة اللثام عن مهاراتهم وخبراتهم وإبداعاتهم.
وفي مثل هذا الصف الدراسي تشكل الصفات الآتي ذكرها سقالة يتعين على التلاميذ إرتقائها صوب بلوغ التعلم الصحيح والتعاون وحسن التفكير ووعي الذات والشراكة مع الطلبة الآخرين ومعك أنت معلم مثل هذا الصف الدراسي المتميز.
لغة الأخلاق ومبادئها
يستطيع المعلم أن يثري أي موضوع دراسي يطرحه في صفه الدراسي الأخلاقي حين يعمد، على سبيل المثال، إلى تبيان واستكشاف الشمائل والتطبيقات الأخلاقية التي يتضمنها ذلك الموضوع، فدرس القراءة الذي كان يركز في السابق على الأدب الذي يناسب عمر التلميذ لابد أن تتخذ فكرته الرئيسية وشخصياته ومفرداته اللغوية معاني جديدة. كما يمكن إفادة التلاميذ من خلال المناقشة الميسّرة في تحديد الأماكن التي توجد أو تكمن فيها المفاهيم الأخلاقية واللغة ضمن مادة القراءة. كما أن الدروس العلمية تعج بالأبواب المفتوحة ذات الصلة بأخلاقيات التكنولوجيا والإنتاج الغذائي والطب الحديث والتي يمكن طرحها جميعاً وفق الفئة العمرية المناسبة. ولا تقتصر وظيفة مثل هذه الدروس على طرح المعلومات إنما تمتد إلى تنمية التفكير وتغذيته، وهكذا تتحفز ذهنية الطالب ويكتسب المهارات العملية ويزداد دراية باللغة والأفكار الأخلاقية التي تتجاوز حدود مدرسته.
الممارسات الصفية تتجاوز القوانين المدرسية
إن كل صف دراسي يلتزم بإجراءات عملية معيارية وقواعد أساسية يحددها المعلم أو المدرسة أو كلاهما تأخذ شكل توجيهات مثل عدم التدافع أو عدم الجري أو عدم وضع الحقائب المدرسية على الأرض أو عدم مضغ العلكة داخل الصف أو عدم التحدث مع الآخرين أثناء الدرس وما شابه ذلك. على المعلم في الصف الدراسي الأخلاقي أن يعلّم التلاميذ ما وراء القواعد والأحكام ليبين لهم الأسباب الكامنة وراء بعض السلوكيات الضرورية التي تخدم مصلحة سائر التلاميذ. ويمكن أيضاً تعليم السلوكيات الأخلاقية من خلال عقد نوع من الإتفاق مع التلاميذ يتم التطرق بموجبه، ببعض الإسهاب، إلى مستوى معين من السلوك الذي يتقبله الجميع. فعلى سبيل المثال يمكن ترجمة التوجيه بعدم التدافع من خلال مطالبة الطلبة (بعدم لمس أي طالب في الصف دون إذن على أن يبتعد الجميع عن التسبب بأي شكل من أشكال الأذى للآخرين). إن أي توجيه تتم الموافقة عليه ويتعلق بالتفاعلات اليومية داخل الصف يضم بين دفتيه درساً حياتياً يفيد الطلبة خارج جدران الصف.
قواعد ذهبية
في الصف الدراسي الأخلاقي لابد أن تنصب جهود المعلم على تهيئة مجموعة تتوق للتعلم والإستكشاف والمشاركة والتعاون وإسناد العمل المهم الذي يجري داخل القاعة، وكل ذلك يستند إلى فلسفة أساسية هي (القاعدة الذهبية). وحين يداخل الشك أي تلميذ من التلاميذ حول نمط السلوك الذي ينبغي عليه انتهاجه فعليه عندئذ أن يتصرف بالطريقة التي يظن أن الآخرين يتصرفون بموجبها. ولاشك أن مثل هذا الإلتزام ذي الصبغة الجماعية سوف يخلق الأرضية التي يصبح بمقدورك أنت وتلامذتك أن تحققوا الأهداف المرجوة بكل أمان واطمئنان.
قبول مطلق لسائر التلاميذ في الصف الدراسي
بإمكان المعلم الحصيف أن يقدم هدية لا تقدر بثمن لتلامذته الذين عكف على تعليمهم من خلال توفير بيئة مناسبة يشكل كل تلميذ فيها عنصراً أساسياً ضمن إطار مجموعة قيمة تسعى لأهداف مهمة ومشتركة. وسوف يشكل مثل هذا الأمر للتلاميذ الذين لم يتمتعوا بمثل هذا القبول غير المشروط من قبل تجربة ناصعة تشعرهم بشكل ملموس بإحترام ذواتهم، وهذا درس مفيد لهم تماماً في حياتهم المستقبلية. كما أن النهج الأخلاقي الذي يتبناه المعلم سوف يتيح الفرصة لأولئك الذين لم تتح لهم الفرصة من قبل للتعلم الفاعل من خلال وجودهم ضمن مجموعة متنوعة. وعليه فإن كل تلميذ لا بد أن يقبل دون أية شروط ويجب أن يحظى بالدعم والإحترام، أي أنك مع تلامذتك تعيشون في بيئة يتقدم فيها الجميع ومنهم أنت المعلم يدفعكم الطموح لبلوغ أسمى الأهداف.
هيئة الصف الدراسي تتكون من المعلم والتلاميذ وأولياء الأمور
إن الناس، صغارهم وكبارهم، الذين يحظون بالقبول التام وإحترام الآخرين ولديهم شعور إيجابي عال بالذات يظلون مثار اهتمام الآخرين من حولهم. ولنتصور مدى شعور أي أب أو أم حيال المعلم / المعلمة الذي يزرع في طلبته السلوك الأخلاقي القويم ويشجعهم على التحلي بالخلق ذاته في البيت من خلال سلوكيات مثل الطيبة والصدق والإستقامة والإحترام. وحين يلتقي المعلم مع أولياء أمور الطلبة خاصة لدى زيارتهم لصفه فإنهم لابد أن يعوا مدى أثر ذلك على أطفالهم وعندها يشعرون بالإمتنان. لذا ليس من المستغرب أن يستمع إلى تعليقاتهم الإيجابية وإطراءاتهم فضلاً عن تزوده بتغذية مرتجعة قيمة.
ثم إن الصف الدراسي الأخلاقي، بروحه الفريدة، سوف يوفر الأرضية والدعم للعمل الشاق الذي يضطلع به المعلم مع تلامذته. ومع أن البيئة المقبولة ذات الصبغة الجماعية التي يرسمها المعلم مع تلامذته تمهد للنجاح فإن الصف الدراسي الأخلاقي سوف يحدد المجال الذي يسود فيه الخير حيث تزدهر المعرفة، وهذا هو المكان الذي يطمح الجميع لأن يكون مرتعاً للسلام والتعلم والنمو الشخصي والروحي.
المصدر: هنا
المقالة بقلم الكاتبين:
د. روزانا بيتيلا Rosanna Pittella وفيليب روتشتاين Philip Rotstein و ترجمها: هاشم كاطع لازم
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.