في الثامنِ من يوليو / تموز عام 1972 انفجرت سيارةٌ في العاصمةِ اللبنانية بيروت.
خبرٌ كهذا ـ للأسفِ الشديد ـ باتَ عادياً جداً نظراً للتدهورِ الشديدِ الذي تشهدهُ الإنسانية عاماً بعد عام.
طبعاً إزهاقُ روحِ أيِّ شخصٍ بريءٍ كارثة كبيرة فما بالكَ عندما يكونُ هذا الشخصُ أديباً، مناضلاً، مفكراً و.. أباً.
لا شكَّ أنَّ الكارثة تكونُ أكبر.
ولدَ غسان كنفاني في الثامن من أبريلٍ عام 1936 في عكا الفلسطينية، ثم أجبر مع عائلتهِ عام 1948 على النزوحِ إثرَ احتلالِ قطعان الصهاينة لتلكَ البلاد.
عاشَ غسان في سوريا ثم في لبنان حيثُ حصلَ على الجنسيةِ اللبنانية.
روائيٌ وقاصٌ وصحفي فلسطيني تم اغتيالهُ على يدِ جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) في 8 يوليو 1972 عندما كان عمره 36 عاماً بتفجيرِ سيارتهِ في منطقةِ الحازمية قربَ بيروت.
البداية الصعبة
بعدَ هجومِ الصهاينة على القرى الفلسطينيةِ بتواطئٍ من الغربِ والشرقِ، وصلت سيارة شحنٍ تقلُّ عائلة غسان إلى لبنان.
في صيدا استاجرَ الأبُ منزلاً لأربعين يوماً وسطَ ظروفٍ قاسيةٍ إذ أنه لم يحمل معهُ غيرَ النزرَ اليسير من النقودِ فقد أنفقَ جلَّ ما كانَ يملكُ في بناءِ منزلٍ في عكا وآخر في حيّ العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهى العملُ فيه حين أضطروا للنزوح.
بعدَ ذلك انتقلت الأسرة بالقطارِ مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثمّ إلى دمشق حيث استقرَّ بها المقامُ في منزلٍ قديمٍ من منازلِ دمشق.
مع مرورِ الأيامِ تحسنت الأحوالُ المادية عندما افتتحَ الأبُ مكتباً لممارسةِ المحاماة فأخذ غسان إلى جانبِ دراستهِ يعملُ بتصحيحِ البروفاتِ في بعضِ الصحفِ كما اشتركَ في برنامجِ فلسطين الذي كانت تبثّهُ إذاعة دمشق وبرنامج الطلبة وكانَ يكتبُ بعضَ الشعرِ والمسرحياتِ والمقطوعاتِ الوجدانية.
خلالَ دراستهِ الثانوية برزَ تفوقهُ في مادتي الأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عملَ في التدريسِ في مدارسِ اللاجئينِ وبالذاتِ في مدرسةِ الاليانس بدمشق والتحقَ بجامعةِ دمشق لدراسةِ الأدبِ العربي وأسندَ إليهِ آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرضِ دمشق الدولي وكانَ معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي.وذلك بالإضافة إلى معارضِ الرسمِ الاخرى التي أشرفَ عليها.
الحياة السياسية
في هذا الوقتِ كانَ قد أنخرطَ في حركةِ القوميينِ العرب وكان غسان يضطرُ أحيانا للبقاءِ ساعاتٍ متأخرة من الليل خارجَ منزلهِ مما كان يسببُ له إحراجاً مع والدهِ الذي كان يحرصُ على إنهائهِ لدروسهِ الجامعية فكانَ يحاولُ جهده التوفيق بين عمله وبين اخلاصه ورغبة والده.
في أواخر عام 1955 التحق بسلك التدريس في وزارة المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته إلى ذلك بسنوات وكذلك شقيقه.
وخلال فترة إقامته في الكويت كانت المرحلة التي رافقت إقباله الشديد على القراءة وهي التي شحنت حياته الفكرية بدفقة كبيرة فكان يقرأ بنهم لا يصدق.
هناك بدأ يحرر في إحدى صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع (أبو العز) والذي لفت إليه الأنظار بشكل كبير.
في الكويت كتب أيضاً أولى قصصه القصيرة (القميص المسروق) والتي نال عليها الجائزة الأولى في مسابقة أدبية.
ظهرت عليه بوادر مرض السكري في الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التي ولدت في كانون الثاني عام 1955 فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هي شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا في السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.
في عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية.
بيروت كانت المجال الأرحب لعمل غسان وفرصته للقاء بالتيارات الأدبية والفكرية والسياسية.
بدأ عمله في مجلة الحرية ثم أخذ بالإضافة إلى ذلك يكتب مقالاً أسبوعيا لجريدة (المحرر) البيروتية والتي كانت ما تزال تصدر أسبوعية صباح كل اثنين.
لفت نشاطه ومقالاته الأنظار إليه كصحفي ومفكر وعامل جاد ونشيط للقضية الفلسطينية فكان مرجعاً لكثير من المهتمين.
عام 1961 كان يعقد في يوغوسلافيا مؤتمر طلابي اشتركت فيه فلسطين وكان في المؤتمر وفد دانماركي ومن بين أعضائه فتاة اسمها (آني) متخصصة بتدريس الأطفال.
قابلت هذه الفتاة الوفد الفلسطيني ولأول مرة سمعت عن القضية الفلسطينية واهتمت الفتاة إثر ذلك بالقضية ورغبت بالاطلاع عن كثب على المشكلة فشدت رحالها إلى البلاد العربية مرورا بدمشق ثم إلى بيروت حيث أوفدها أحدهم لمقابلة غسان كنفاني كمرجع للقضية وقام غسان بشرح الموضوع للفتاة وزار وإياها المخيمات وكانت هي شديدة التأثر بحماس غسان للقضية وكذلك بالظلم الواقع على هذا الشعب.
لم تمض على ذلك عشرة أيام إلا وكان غسان قد طلب يدها للزواج وقام بتعريفها على عائلته كما قامت هي بالكتابة إلى أهلها.
تم زواجهما بتاريخ 19 أكتوبر / تشرين الأول 1961 ورزقا بابنهما فايز في 24 أغسطس / آب 1962 وبليلي في 12 نوفمبر / تشرين الثاني 1966.
بعد أن تزوج غسان انتظمت حياته وخاصة الصحية إذ كثيراً ما كان مرضه يسبب له مضاعفات عديدة لعدم انتظام مواعيد طعامه.
وفي بيروت أصيب من مضاعفات السكري بالنقرس وهو مرض بالمفاصل يسبب آلاماً مبرحة تقعد المريض أياماً ولكن كل ذلك لم يستطع يوماً أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل فقد كان طاقة لا توصف وكان يستغل كل لحظة من وقته دون كلل.
برغم كل انهماكه في عمله وخاصة في الفترة الأخيرة إلا أن حق بيته وأولاده عليه كان مقدساً فكانت ساعات وجوده بين زوجته وأولاده من أسعد لحظات عمره وكان يقضى أيام عطلته (إذا تسنى له ذلك) يعمل في حديقة منزله ويضفي عليها وعلى منزله من ذوق الفنان ما يلفت النظر رغم تواضع قيمة موجوداته.
أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلاً دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعاً عاشه أو تأثر به.
(عائد إلى حيفا) وصف فيها رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا وقد وعي ذلك وكان ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.
(أرض البرتقال الحزين) تحكي قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية في جنوب لبنان.
(موت سرير رقم 12) استوحاها من مكوثه بالمستشفى بسبب المرض.
(رجال في الشمس) استوحاها من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت وإثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها في تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
في قصته (ما تبقى لكم) التي تعتبر مكملة لـ (رجال في الشمس) يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.
قصص (أم سعد) وقصصه الأخرى كانت كلها مستوحاة من أشخاص حقيقيين.
في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة فلسطين 1936 فأخذ يجتمع إلى سكان المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة والتي سبقتها والتي تلتها وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطينية) أما القصة فلم يكتب لها ان تكتمل بل اكتملت منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه (عن الرجال والبنادق).
كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر في كاراج البناية التي يسكنها وكان ينوي تسميتها (الرجل والصخر).
لا أحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عن أشعارهم وعن أزجالهم الشعبية في الفترات الأولى لتعريف العالم العربي بشعر المقاومة، وأصبح كتابه عن (شعراء الأرض المحتلة) مرجعاً مقرراً في عدد من الجامعات وكذلك مرجعا للدارسين.
إننا نحتاج إلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التي كان يتمتع بها غسان كنفاني.
عمل في الصحف والمجلات العربية التالية:
- عضو في أسرة تحرير مجلة (الرأي) في دمشق.
- عضو في أسرة تحرير مجلة (الحرية) في بيروت.
- رئيس تحرير جريدة (المحرر) في بيروت.
- رئيس تحرير (فلسطين) في جريدة المحرر.
- رئيس تحرير ملحق (الأنوار) في بيروت.
- صاحب ورئيس تحرير (مجلة الهدف) في بيروت.
كما كان غسان كنفاني فناناً مرهف الحس، صمم العديد من ملصقات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما رسم العديد من اللوحات.
من مؤلفات الشهيد:
قصص ومسرحيات
- عالم ليس لنا
- موت سرير رقم 12
- أرض البرتقال الحزين
- رجال في الشمس
- أم سعد
- عائد إلى حيفا
- الشيء الآخر
- القنديل الصغير
- القبعة والنبي
- القميص المسروق وقصص أخرى.
- جسر إلى الأبد
- ما تبقى لكم
- الباب
جوائز
- نال عام 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته (ما تبقى لكم).
- نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975.
- منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.
استشهد صباح يوم السبت 8 يوليو / تموز 1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدى إلى استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).
حازم ضاحي شحادة
- بكالوريوس في الصحافة / جامعة دمشق
- صحفي في جريدة الوحدة السورية سابقاً
- صحفي منذ عام 2007 في قسم الإعلام / إدارة الاتصال المؤسسي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية.
- كاتبٌ في مجلة المنال الإلكترونية
الخبرات
- التطوع والعمل سنوياً منذ العام 2008 في مخيم الأمل الذي تنظمه مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حيث قامَ بتحرير أخباره أولاً بأول.
- التطوع والعمل منذ العام 2008 في مهرجان الكتاب المستعمل الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2007 في ملتقى المنال الذي تنظمه المدينة بشكل دوري وتحرير أخباره.
- المشاركة في ملتقى التوحد (خارج المتاهة) الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في أبريل من العام 2015 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التدخل المبكر الذي نظمته مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في يناير من العام 2016 والمساهمة في تحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة في مؤتمر التقنيات المساندة الذي نظمته المدينة في مارس من العام 2017 وتحرير أخباره أولاً بأول.
- المشاركة منذ العام 2008 في حملة الزكاة التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية سنوياً وتحرير أخبارها أولاً بأول.
- لا بد من الإشارة إلى عشرات وعشرات الفعاليات والأنشطة والزيارات التي تنظمها مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ويقوم بتحرير أخبارها أولاً بأول.
- كما لا بد من الإشارة إلى أن 80 في المائة من الأخبار المنشورة عن مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية في مختلف الصحف والمواقع منذ منتصف العام 2007 وحتى يومنا هذا هي من تحريره.
المؤلفات
- أديبٌ سوري يكتبُ في الصحافةِ العربيةِ منذ عشرين عاماً
- صدر له حتى الآن:
- المبغى / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- اختلافٌ عميقٌ في وجهات النظر / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- أيامٌ في البدروسية / مجموعة قصصية ـ دار آس ـ سوريا
- فوق أرض الذاكرة / مجموعة قصصية. دار آس سوريا
- أوراق نساء / 2012 ـ ديوان . دار بصمات ـ سوريا
- نشرت العديد من قصصهِ في مجلات وصحف ومواقع إلكترونية سورية وعربية منها
- (مجلة الآداب اللبنانية) (مجلة قاب قوسين) الأردنية (مجلة ثقافات الأردنية) (مجلة انتلجنسيا التونسية) (جريدة الوحدة السورية)