كيف تعاملت الدراما والسينما العربيتان مع الأشخاص ذوي الإعاقة بكل فئاتهم؟ كيف قدمت معاناتهم واحتياجاتهم عبر شاشات التلفزيون والسينما ومن خلال زوايا متفرقة.. ولماذا لم تفرد لهم المساحات الكافية للفت النظر إلى هذه الشريحة من المجتمع؟
المتابع للدراما أو السينما العربية يمكنه أن يدرك بشكل ملحوظ عدم اهتمام هذا الفن بالأشخاص ذوي الإعاقة من منظور ايجابي، إذ لم يتابع جمهور التلفزيون وقاعات السينما العربي ـ وعدده ليس بالقليل ـ أي عمل درامي يتناول هذه الشريحة ويبسط لها حلقات تلفزيونية أو عرضاً سينمائياً يبرز اختلاف هذه الشريحة جسدياً على الأقل، عن غير ذوي الإعاقة، والبحث في أعماقها عما يميزها روحياً وعقلياً وابداعياً..
لقد ركزت الدراما العربية على السخرية والاستهزاء بهذه الشريحة سواء تعلق الأمر بصغار السن منهم أو باليافعين، وصوّرتهم في مسلسلاتها الكثيرة على أنهم عبء يضاف إلى قائمة الأعباء الحياتية التي لا تنتهي..
المتابع للمسلسلات العربية الكثيرة قد يتساءل لماذا لا توجد أدوار رئيسة للأشخاص ذوي الإعاقة، رغم أنهم جزء حقيقي وموجود في الحياة، ولا يخلو حي أو مجمع سكني من واحد أو اثنين منهم على الأقل.
في كل القصص الرومانسية التي طالعتنا بها مسلسلاتنا العربية لم يكن أبطال هذه القصص من الأشخاص ذوي الإعاقة أو على الأقل أحد الطرفين فيها إلا فيما ندر، وقد نذكر هنا مسلسل (ألو حياتي) اللبناني في الثمانينيات الذي صور حياة البطلة (والتي أدت دورها الممثلة الراحلة هند أبي اللمع) جليسة في الكرسي المتحرك وتجمعها قصة حب عبر الهاتف مع بطل المسلسل، مخفية عنه حقيقة شللها حتى نهاية المسلسل.
هذا المسلسل لم يصور معاناة البطلة من الشلل، في الجزء السفلي من جسدها، لكنه صور عذابها وهي تعيش قصة حب غير متكافئة بينها وبين حبيبها..
المسلسل الثاني الذي أذكره جيداً وتحدثت عنه الصحافة بإسهاب، كواحد من الأعمال التي عرضت قبل سنوات (2005) ووضعت يدها على حالة الإعاقة الذهنية كان مسلسل (سارة) للتلفزيون المصري والذي لم يكن بالمستوى المطلوب أو أنه لم يستطع اقناع المشاهد بهذه الحالة؛ أولاً: بسبب جهل المجتمع بفئات الاعاقة الذهنية، وثانياً: طريقة طرح الحالة في المسلسل بشكل جعل المشاهد يتساءل إذا كان هذا العمل يندرج تحت الإطار الاجتماعي فعلاً أم الإطار الكوميدي بسبب مشاهد سارة التي كانت أكثر من طفولية.. فالمسلسل طرح حالة شابة مصابة بحالة صحية تتعلق بعجز المخ عن النمو، مما يجعل الشخصية غير مكتملة النمو وتأتي بتصرفات طفولية وغير مسؤولة..
لكن سارة في المسلسل لم تكن كالطفلة وإنما كانت حالة تشبه الأطفال في قليل من الأشياء، وفي كثير منها كانت تشبه المهرج أو القراقوز بحركاتها غير المفهومة، وتعابير وجهها المصطنعة، فبدلاً من أن تنصف الشخصية التي تتقمصها، قامت سارة بطمس معالمها وجعلت منها بهلواناً يقدم عرضاً سطحياً دون التوغل في نفسيتها الحقيقية والاطلاع على مكنوناتها التي من المؤكد لم تكن كما صورها المسلسل.
أما في السينما فحال هذه ليس بأحسن من الدراما، إذ كل المحاولات التي تبنت بعض حالات الأشخاص ذوي الإعاقة كالصمم والاعاقة الجسدية والذهنية، جاءت كلها متقولبة في خانة واحدة أو اثنتين هي الكوميدية والعاطفية..
ورغم أن السينما العربية كشفت في عديد أفلامها عن قصص تناولت نجاح وامتياز فئات كثيرة كاليتيم والفقير واللقيط والغريب عن وطنه، إلا أنها غفلت عن تقديم نموذج واحد عن نجاح أو تميز الأشخاص ذوي الإعاقة في مجال رياضي أو علمي أو اجتماعي.. في الوقت ذاته عرفت السينما الغربية وتحديداً الأمريكية طريقها إلى الدجاجة التي تبيض ذهباً من خلال قصص أفلام تصور تميز أفراد هذه الشريحة في أكثر من مجال.. فتناولت مثلاً في فيلم (رجال الشرف ـ 2000) قصة البحار الأسود (وهي قصة حقيقية)، الذي بترت ساقه أثناء حادث على متن الباخرة العسكرية التي كان يعمل عليها أثناء محاولته انقاذ زميليه، مما استدعى الأمر أن تعفيه الادارة العسكرية من الخدمة وتحيله إلى التقاعد.. الفيلم أظهر شجاعة البطل وهو يحاول العودة إلى الخدمة بعد أن ركب ساقاً اصطناعيا وخضع لشروط الالتحاق بالبحرية ونجح.
فيلم آخر كشف النقاب عن قدرات المصابين بعرض التوحد هو فيلم (ميركوري رايزنغ 1998) ارتفاع الزئبق الذي تناول قصة طفل من ذوي التوحد يفك شفرة المخابرات التي تحمي عملاء لأمريكا في بعض الدول مما دفع عناصر المخابرات إلى مطاردته للقضاء عليه كونه يمثل خطراً على الأمن الأمريكي بعد كشفه شفرة كلفت الحكومة مليارات الدولارات.
نعود ونسأل: لماذا لم تركز الدراما والسينما العربيتان على هكذا حالات؟ لماذا لم تركز على السير الذاتية لبعض عمالقة الرياضة من الأشخاص ذوي الإعاقة كالسباح المصري خالد حسان الذي اجتاز المانش عام 1982 في اثنتي عشرة ساعة و30 دقيقة، ومثله كثيرون الذين نبغوا في الأدب والثقافة والعلوم والرياضة والإدارة ومجالات أخرى كثيرة..
إن انجاز فيلم واحد حتى وإن كان تلفزيونياً يتناول التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة حتى يتفوقوا على أنفسهم وعلى توقعات غيرهم حيالهم، تجعل من العمل قضية اجتماعية يتناولها الجميع ويشاركون فيها بحس وأمانة عميقين..
ختاماً أتمنى من أصحاب القرار والمتابعين عن كثب لهذه الشريحة والمحتكين بها أن يوجهوا الأضواء ويسلطوها على ما يمكن أن تقدمه هذه الشريحة للمجتمع من انجازات ونجاحات عملاقة، ترتقي بها إلى درجة عليا أسوة بأقرانهم من غير الأشخاص ذوي الإعاقة وربما أفضل منهم بكثير..