منذ أن تعلمنا كيفية التواصل، ومنذ أن عرفنا ما يتصف به الكلام من عمق وتعقيد ومدى تأثير هذا الكلام كنا نسعى لتبادل الحديث والتواصل. وعلى أثر ذلك شكلت الكلمات سمة مهمة للغاية في حياتنا اليومية سواء عبرت عن رغبة للتعبير عن أنفسنا ودوافعنا أو شكلت ضرورة لإقامة صلة ما.
من الكتب المطبوعة إلى المنشورات الرقمية
ما منزلة الشعر في هذه الأيام؟ لقد أدى ظهور الأدوات الجديدة والتكنولوجيا المتطورة إلى تمهيد السبيل لأحداث تغييرات أساسية في عالم الطباعة وخاصة الكتب المطبوعة. ولم يمض وقت طويل حتى شرع الكثير من الكتاب باللجوء إلى هذه الوسيلة التي غدت متاحة لتوزيع نتاجاتهم رقمياً. ورغم ما اتسم به قبول الشعراء لمثل هذا التوجه من بطء فإن العملية ماضية إلى الأمام.
لقد كان الأمر مختلفاً إلى حد ما منذ خمس سنوات، فمن بين الأجناس الأدبية والفكرية المعروفة أعتبر الشعر (أقل تلك الأنواع تآلفاً مع سوق الكتب الإلكترونية المتنامي) بسبب الشكل الذي يميز الشعر عن غيره من الأجناس الأدبية. في هذا الشأن يقول بيلي كولنز Billy Collins أحد أكثر الشعراء الأمريكيين المعاصرين شهرة وشاعر أمريكا الأول في فترة سابقة: (يختلف الشعر جوهرياً عن النثر، فالنثر يشبه المياه وهو لهذا السبب يأخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه أما الشعر فهو مثل قطعة من النحت يمكن أن تتكسر بكل سهولة!).
ويضيف الشاعر إدوارد هيرش Edward Hirsch الذي حصل على إحدى جوائز الشعر: (لدي مشاعر متباينة حول الشعر والكتب الإلكترونية فأنا لا أظن أن مثل هذه الكتب تمثل الوسيلة الأمثل للقراءة، لكن من الأهمية بمكان أيضاً تيسير وجود الشعر حيثما كان الأمر ممكناً). لهذا السبب نلاحظ أن غالبية الشعر الذي يتحاشى الكتب الإلكترونية وجد ضالته المريحة في أحضان الأنترنت لأن المواقع الإلكترونية والمدونات قادرة على التعامل مع مختلف الأعمال الأدبية والقادرة على الاحتفاظ بالشكل.
ومن المتوقع أن تمر سنوات عديدة قبل أن تتمكن الطباعة الإلكترونية في نهاية المطاف من حل هذه المشكلة. يقول جيف شوتس Jeff Shotts المدير التنفيذي لدار نشر كريولف Graywolf Press: (من المعلوم أن البيت الشعري هو الوحدة التي ينقل من خلالها الشعر لكن تكنولوجيا إنتاج غالبية الكتب الإلكترونية لا تستجيب لمثل هذه الحدة) علماً أن الأمر لا يتعلق بالشكل بذاته إنما بالأداة أيضا حيث أن الأدوات ينبغي أن تحقق بعض التقدم لتنسجم مع طبيعة الشعر. ويتفق كريستوفر ريتشاردز Christopher Richards معاون مدير التحرير في دار نشر Farrar, Straus and Giroux مع هذا الرأي قائلاً: (يتسم شكل القصيدة بأهمية خاصة لأنه يشكل ركناً من أركان المعنى العام للقصيدة. وما لم يتم الحفاظ على هذا الشكل أثناء طباعة الكتاب الإلكتروني فلابد أن تفقد القصيدة جانباً مهماً من جوانبها). وفي أيامنا هذه أصبح الشعر الرقمي أمراً ممكناً وغدا أكثر دقة من ذي قبل.
من التقليد الشفهي إلى التوزيع الرقمي
ومن الجوانب الأخرى التي يشهد فيها الشعر نهضة رقمية الحفاظ على التسجيلات السمعية والفلمية. في هذا الخصوص عمدت دار نشر PennSound التابعة لجامعة بنسلفانيا إلى استحداث أرشيف ضخم عبر الأنترنت يضم محتويات مجانية قابلة للنقل حيث بإمكان القارئ أن يستمع إلى قراءات شعرية بأصوات الشعراء ثم تسجيلها أثناء جلسات التسجيل الخاصة أو خلال محاضرة أو نشاط اجتماعي يقرأ فيه الشعراء شعرهم للجمهور.
وتعتبر دار نشر PennSound من أهم القنوات الأكاديمية إضافة إلى كونها تمثل تراثاً ثقافياً متواصلاً وتمثل مطبوعاتها نتاجات مختارة بعناية لأعلام الأدب في وقتنا الحاضر، وهي توائم بين المطبوعات التقليدية وما بعد الحداثة والشعراء التجريبيين. وهناك أيضاً دور نشر ومؤسسات طباعية ذائعة الصيت تهتم بنشر النتاجات الأدبية البارزة مثل Audio boom و PoetryoftheShelf وPoetry Magazine وPoetry Postcards التي تذاع من محطة مذياع أل بي بي سي وSlate’s Poetry Podcast، كما يعتبر الشعر من المواضيع المألوفة في ألـ YouTube.
وربما يبدو الشعراء الذين يشكل لهم المعنى أهمية خاصة مثل أهمية اللغة ذاتها أكثر ارتباطاً من الناحية الروحية لما يقوله الناس وأسباب ذلك، فمثلما تؤدي المفردات اللغوية وظيفتها المعهودة فإنها أيضاً تأخذ طابعاً فنياً فهي وسيلة لتوضيح الأشياء لنا وللعالم الواسع. وكما تقول جيرترود شتاين Gertrude Stein فإنها نظام لتحديد الأشياء وتسميتها وهي شكل ثابت للتواصل الإنساني الذي يتطور مع تطورنا.
إن مثل تلك التغييرات الأساسية التي بدأت تظهر في السنوات الماضية ربما تقدم دليلاً على أن المشهد غير واضح المعالم ما يزال يشكل حيزاً يعمل الشعراء من خلاله على التعلم على العيش والتقدم رغم التوجه الحتمي كما يبدو نحو الجانب الرقمي. في هذا الشأن يصدح أوهارا O’Hara في عمله الأدبي الموسوم Autobiographia Literaria:
ها أنا ذا!
مركزا للجمال برمته
وأنا أكتب تلك القصائد. تخيل ذلك!
المصدر: هنا
بقلم: ايما كوكس Emma Cox
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.