يصادف الحادي والعشرون من مارس في كل عام، اليوم العالمي لمتلازمة داون، والذي أقرته الجمعية العالمية لمتلازمة داون لإعطاء هذه الفئة من المجتمع حقها وإظهارها للجميع والتوعية بحقوقها وإمكاناتها، كون متلازمة داون تشكل أكثر المتلازمات الوراثية انتشاراً والتي تؤدي إلى تأخر في القدرات العقلية لأصحابها، إضافة إلى المشكلات اللغوية والجسمية.
وإنه لمن المصادفة أن تتزامن هذه المناسبة مع يوم الأم الذي يصادف التاريخ نفسه، كون الأم هي التي تعد الأبناء وتربيهم وهي التي تتحمل مسؤوليات وتبعات الإعاقة أكثر من الرجل، وقد تتهم بأنها سببها الرئيسي على الرغم أن الأبحاث والدراسات قد برأت مسؤوليتها كطرف وحيد مسؤول عن إصابة الجنين بمتلازمة داون، بل أثبت العلم أن المسؤولية تقع على الزوجين كليهما منذ اللحظة الأولى للتلقيح وانقسام البويضة الملقحة التي تحمل 23 كروموسوماً من كل طرف، إلا أنه نتيجة خلل كروموسومي ما لم تعرف أسبابه الحقيقة، وطفرة وراثية، يحدث الخلل في الزوج رقم 12 من الكروموسومات التي تحمل الصبغيات الوراثية، فيتكون هذا الزوج من ثلاثة كروموسومات بدلاً من اثنين، فيكون العدد الكلي لكروموسومات طفل متلازمة داون هو 74 بدلاً من 64، وهذا هو سبب اختيار تاريخ 12مارس ليكون اليوم العالمي لمتلازمة داون، حيث يعبر الرقم (12) عن زوج الكروموسومات التي تحدث فيه المشكلة الوراثية، ويعبر الرقم (3) عن أن هذه الزوج يصبح ثلاث كروموسومات بدلاً من اثنين كما هو الحال عند الإنسان الطبيعي.
ولكي لا تكون هذه المناسبة عامة ويتم الاحتفال بها بشكل عشوائي، فقد تم تحديد شعار سنوي يتم الاحتفال به كل عام، وتندرج كل الأنشطة والفعاليات تحت مسماه، فكان شعار هذا العام (صوتي مجتمعي.. لتمكين الأشخاص ذوي متلازمة داون من إسماع أصواتهم والتأثير على سياسات الحكومات لضمان اندماجهم التام)، تعبيراً عن تنامي الوعي بحقوقهم منذ أن تم الاحتفال لأول مرة بهذا اليوم قبل اثني عشر عاماً والإنجازات التي تحققت طوال هذه الفترة وضرورة إيصال أصوات أصحاب المصلحة إلى أصحاب القرار وبالتالي التأثير على السياسات والقرارات لتحقيق عملية الدمج الاجتماعي بمعناها الشامل لا المجتزأ.
ويحمل هذا الشعار في طياته الكثير من القدرات والإمكانات التي يتمتع بها الأشخاص ذوو متلازمة داون والتي بحاجة إلى دعم المجتمع وتقبله وتفهمه من أجل تحقيق مضمونه، وهناك الكثير من الأشخاص ممن لديهم متلازمة داون وصلوا إلى ما هو أبعد من المهارات الفنية والرياضية، فمنهم من برع في الوقوف أمام الجمهور وألقى خطابه وورقة عمله في المؤتمرات ليعبر عن قدراته وقدرات زملائه التي لا بد من الاعتراف بها وتشجيعها، ومنهم من أوصل رسالته بمعزوفته الموسيقية الرقيقة التي تطالب بالمساواة وتكافؤ الفرص أو لوحته الفنية التي تمتزج ألوانها لتشكل عالمه المكنون الذي لا يختلف كثيراً عما نفكر به ونشعر، ناهيك عمن أطلق العنان لأحلامه ليحصل على رخصة قيادة، أو يصبح أديباً وكاتباً، أو ينقل خبراته الحياتية لآخرين.
بالإضافة إلى الكثير من القدرات الفنية التي يتمتعون بها والتي يستطيعون من خلالها التعبير عن مطالبهم كالرسم والنحت وصناعة القوالب والموسيقى والتصوير والحس الفني المرهف الذي يحتاج إلى صقل وتنمية ليظهر أمام الآخرين، إضافة إلى القدرات الرياضية التي يتمتعون بها كالسباحة والجري وتنس الطاولة، وما الميداليات التي علقت على صدور الكثيرين منهم إلا خير دليل على ذلك.
ولم يتوقف الأمر عند مجرد الكلام والأحلام، بل أثبت الكثير من الأشخاص الذين لديهم متلازمة داون عملياً بعد منحهم فرصة التوظيف، أنهم قادرون على مزاولة الكثير من المهام بإتقان، إذا ما تم تدريبهم جيداً والإشراف عليهم ومتابعة أدائهم منذ البداية، فهناك من يعمل في مطعم يقدم الوجبات للزبائن، ينطلق من بيته صباحاً مستخدماً المواصلات العامة ثم يعود بعد انتهاء عمله إلى البيت، وهناك من عمل في مهام تتطلب التصنيف والتركيب، والنظافة، والمراسلات والتصوير، وترتيب الملابس، وأمور أخرى تتطلب مهارات قرائية وعددية بسيطة.
إذن، فهم قادرون على العيش باستقلال، قادرون على التعبير عن حاجاتهم، ولهم اهتماماتهم الخاصة، وقادرون على الانتماء إلى النوادي وعضويتها، وممارسة الأنشطة الرياضية والاجتماعية على السواء، وقادرون على العمل أيضاً، كمشاركين وليسوا مجرد معتمدين على الغير، منتجين ويحظون بدخل مادي قادرون على التصرف به حسب رغباتهم وما تتطلب احتياجاتهم.
إن ما تم سرده ليس ضرباً من الخيال، بل هو الإيمان بقدرات هؤلاء الأشخاص، وتشجيعهم منذ الصغر وإتاحة الفرصة لهم، ليخطئوا ويتعلموا من أخطائهم، بعد أن نخفف قيود الحماية الزائدة عنهم، ليترجموا ما حباهم الله من قدرات على أرض الواقع، ومهما كانت أهدافهم عالية وتبدو لنا صعبة المنال، فإن إتاحة المجال لهم لتحقيق هذه الأهداف ودفعهم نحوها هو السبيل نحو إيصال صوتهم بدعم من مجتمعهم إلى صناع القرار وواضعي السياسات.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011