لقد أدركت الأمم على اختلافها ضرورة إعداد التربويين وعلى رأسهم المعلم، ولقد كانت حركة إعداد المعلم القائمة على الكفايات (Competency-Based Teacher Education Performance) في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينات من القرن الميلادي المنصرم، من أبرز الإنجازات التربوية التي ألقت بظلالها على كافة برامج تنمية المعلم، وامتدت تنمية وتدريب العاملين في المجال التربوي بشكل عام سواء كانوا معلمين أم مشرفين أم إداريين، فأصبحت هذه البرامج تتبنى المفاهيم التي قام عليها الاتجاه القائم على الكفايات. والمقصود بهذا الاتجاه هو تلك البرامج التي تحدد أهدافاً دقيقة لتدريب المعلمين، وتحدد الكفايات المطلوبة بشكل واضح ثم تلزم المعلمين بالمسئولية عن بلوغ هذه المستويات، ويكون القائمون بتدريبهم مسئولين عن التأكد من تحقيق الأهداف المحدودة.
ولقد ظهرت حركة إعداد المعلم القائمة على الكفايات (Competency-Based Teacher Education Performance) والذي يأخذ بالاعتبار كلاً من الجانب المهاري (السلوكي) والجانب المعرفي، في موسوعة البحوث التربوية في طبعتها عام 1969م، ولكن جذور هذا المصطلح تعود إلى سنة 1967م، عندما طلب مكتبا البحث والتربية الأمريكيان طلباً بتطوير اقتراحات تتعلق بتحديد شامل لبرنامج متكامل لإعداد المعلمين الجامعيين (نشوان، الشعوان، 1410).
جاءت حركة تربية المعلمين المبنية على الكفايات كرد فعل للأساليب التقليدية التي كانت تسود كليات المعلمين ومعاهدهم، والتي كانت تركز على الجانب المعرفي وكمية المعلومات التي يمتلكها المعلم والمتعلقة بمهنة التعليم. وهذه المعلومات يُعتقد أنها كافية لأن يصبح الطالب المعلم قادراً على تعليم تلاميذه الحقائق والمعلومات التي يحتويها الكتاب المدرسي وبإتباع طرق التدريس التقليدية أيضاً.
ولعلنا نجد أن تحديد الكفايات التعليمية أصبح لزاماً في برامج إعداد المعلمين قبل الخدمة في الكليات والجامعات. لذا كان من الأهمية بناء برامج تربية المعلمين قبل الخدمة على الكفايات التعليمية والذي هو الاتجاه السائد في كليات التربية في العالم إذ أن بناء التربية على هذا الأساس يجعل التدريب أكثر رشداً وفاعلية.
وقد استعرض (الحامد، 2006) أهم الاتجاهات الحديثة في إعداد المعلم ومنها: الإعداد في ضوء مفهوم الكفايات، الإعداد على أساس المهارات، توصية تدريب المعلمين في أثناء الخدمة داخل المدرسة، الإعداد في ضوء النظم، التكامل بين الإعداد وقبل الخدمة والتدريب في أثنائها. ويذكر الحامد (1427) أن هذا التوجه من أهم التوجهات الحديثة في الأوساط التربوية لإعداد المعلمين، حيث إن تبني البرامج من قبل التربويين في هذه الفترة يدل على أنها واحدة من أفضل الحلول المطروحة لمشكلة إعداد المعلم، لأنها تعكس واقع ما يفعله المعلم حقيقة، وما ينبغي أن يفعله طبقاً لأعلى المستويات في مجاله.
ويؤكد (البابطين، 1415) على أهمية هذا الاتجاه، ويرى أنه اتجاه حديث بدأ يظهر في أواخر الستينات، ويهدف إلى إعداد معلم ناجح من خلال وضع قائمة من الكفايات التعليمية اللازمة أثناء ممارساته للعملية التعليمية في الميدان التربوي.
أما (النشوان والشعوان، 1410، والعيوني، 1413) فأنهم يؤكدون على أهمية تربية المعلم قبل الخدمة على أساس الكفايات. كما يرى (حسانين، 1993) أنه من الطبيعي أن تظهر بعض الاتجاهات الحديثة في إعداد المعلم. ويعتبر إعداد المعلم على أساس الكفايات التعليمية من أهم الاتجاهات في هذا المجال، وهو الإعداد الذي يقوم على أساس حد أدني من القدرة والفعالية لدى المعلم لأداء الأدوار المطلوبة منه، لأنها تهدف إلى تزويد المعلم بمجموعة من الكفايات العامة والخاصة التي تؤهله للقيام بدوره ويستطيع مواكبة التطور المعرفي الحادث. ولقد تزايد الاهتمام العالمي والعربي بشكل لم يسبق له مثيل في العقدين الماضيين حتى ساد معظم المؤسسات التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية، كما طالبت معظم المؤتمرات والندوات التي عقدت في العالم العربي بضرورة الأخذ بهذا الاتجاه في إعداد المعلم (بخش، 1991).
ومصطلح الكفايات من المصطلحات الحديثة في التربية، استخدمه العلماء للتركيز على: الصفات الشخصية، والمعارف، والقدرة على تحديد أساليب السلوك والأداء في العمل (شريف 2003).
إن لمفهوم الكفايات معنيين أحدهما لُغوي والآخر اصطلاحي، أما اللغوي فقد أشارت معاجم اللغة إلى (كفى) الشيء (يكفي) (كفاية) فهو (كاف) إذا حصل به الاستغناء عن غيره و(اكتفيت) بالشيء استغنيت به أو قنعت به وكل شيء ساوى شيئاً حتى صار مثله فهو (مكافئ) له (حجر،1425). أما المعنى الاصطلاحي فقد وردت له عدة تعريفات منها:
تعريف هاوسام وهوستن: (الكفاية هي القدرة على عمل شيء أو إحداث نتاج متوقع)، وتعريف جيري بورش: (الكفايات التعليمية هي كفايات المعلمين المعرفية والسلوكية والإنتاجية، والأخيرة هي التي تؤدي إلى تحقيق نتاجات معينة لدى التلاميذ) (نشوان، الشعوان،1410).
ومن التعاريف التي يظهر أكثر دقة وشمولية فيما يخص الكفاية ومنها: نورمان دودول: (أن الكفاية عبارة عن توضيح قدرة على القيام بعمل ما)، ويعرف دوكتيل الكفاية بأنها: (مجموعة منظمة ومنسقة من القدرات (أنشطة) التي تمارس من خلال مضامين في شكل وضعيات تعليمية معينة يواجه فيها المتعلم مشكلات تم طرحها في تلك الوضعيات وعليه أن يعمل على حلها). وعرف الدكتور الحذيفي (1421) كفاية إعداد المعلم بأنها: (القدرة على اكتساب مجموعة من المعارف والخبرات والمهارات وتكوين الاتجاهات التي تجعله متمكناً من أداء مهمته التعليمية بمستوى محدد من الإتقان).
وقاما الباحثان نشوان الشعوان (1410) باشتقاق تعريف جديد للكفاية التعليمية حيث عرفاها على أنها: (القدرة على تنفيذ النشاط التعليمي والتي تستند إلى مجموعة الحقائق والمفاهيم والتعميمات والمبادئ، وتتضح من خلال السلوك التعليمي الذي يصل إلى درجة المهارة). وبهذا يرى الباحثان أن الكفاية التعليمية تتطلب وجود عاملين أساسيين هما: المعرفة والسلوك. فالمعرفة تكتسب أهميتها هنا في أنها تحدد وبدرجة كبيرة أنماط السلوك التعليمي للمعلم، فهي متصلة بالجانب النظري للمادة العلمية التي سيقوم المعلم بتدريسها، وخصائص التلاميذ النفسية والاجتماعية وغيرها، إضافة إلى المعرفة بطريقة التخطيط للدروس واختيار الوسائل التعليمية التعلمية وتنظيم الموقف التعليمي والتي تأتي مجتمعة لخدمة السلوك التعليمي.
الكفايات المهنية للمعلمين
لكي يمارس المعلم دوره في العملية التعليمية بجودة عالية ينبغي أن يتوفر لديه عدد من الكفايات المهنية على النحو التالي:
1 ـ الكفايات الشخصية:
المعلم الكفء هو الذي يمتلك قدراً من الكفايات الشخصية والتي تتمثل في التحلي بقدرات ومهارات التفكير العلمي، واتجاهاته، والالتزام في سلوكه بالنهج الرباني، والثقة بالنفس، وتحمل المسؤولية، والقدرة على البذل والعطاء، والاحتفاظ باتزان انفعالي مناسب وضبط النفس، وانجاز المهام التعليمية بإخلاص، والالتزام بمواعيد العمل (راشد، 1408 / 1988).
2 ـ كفايات العلاقة مع الزملاء والإدارة المدرسية:
تتمثل في إقامة علاقة ودية مع الإدارة والزملاء تقوم على الاحترام المتبادل والاستجابة لما يسند إليه من مهام من قبل المدير، والاستماع لتوجيهات المدير، والتعاون مع الإدارة المدرسية والزملاء، وتقديم المقترحات الخاصة بتحسين جودة الخدمات التعليمية، ومناقشتها مع المدير والزملاء، وتقبل وجهات النظر المخالفة (الحليبي ومحمود، 1416 / 1996).
3 ـ كفايات العلاقة مع الطلاب:
تتمثل كفايات العلاقة مع الطلاب بالأخوة والاحترام المتبادل، وتوفير مناخ صفي يتسم بالتعاون والمشاركة والمرونة، ومراعاة حاجات وخصائص وميول واتجاهات الطلاب، والاستماع إليهم واحترام آرائهم وأفكارهم، وحل الخلافات التي تحدث بينهم، ومعايشة شعورهم، ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم والاقتراب منهم خارج الصف لدعم أواصر الألفة والتعاطف مع الاحتفاظ بشخصيته كقائد لهم (الحليبي ومحمود، 1416 / 1996).
4 ـ كفايات التدريس:
يقصد بها: كل ما يصدر من المعلم من أقوال وأفعال داخل البيئة الصفية (المغني، 1986). يسهم من خلالها في تعليم الطلاب، ونقل الخبرات المرئية لهم، والتأثير الإيجابي في نموهم وسلوكهم، وتوثيق علاقاتهم بمجتمعهم (ال عمرو 1420 / 1999).
والتدريس الفعال ليس مجرد تلقين للمعلومات، وتعويد للطالب علي حفظها واسترجاعها بل هو عملية تربوية شاملة متكاملة، تهدف إلى تنمية جميع جوانب شخصية الطالب.
5 ـ كفايات التقويم:
يقصد بها: العملية المنهجية التي تتضمن جمع المعلومات عن مستوي الطلاب باستخدام أدوات القياس المختلفة من أجل استخدام هذه المعلومات في إصدار حكم علي الطالب في ضوء الأهداف المحددة مسبقاً من أجل معرفة جوانب القوة والضعف في الطالب (سمارة، 1409 / 1989: 12).
ويمثل تقويم الطلاب في المؤسسات التربوية أهمية خاصة، لأنه المصدر الرئيسي لمعرفة جوانب النجاح أو الفشل في أداء الطلاب، من أجل تعزيز جوانب القوة، ومعالجة جوانب الضعف (الوكيل ومحمود، 1419 / 1999). كما يسهم في إمداد أوليا الأمور بمستوي أبناء الأمور بمستوي أبنائهم، وفي عملية التوجيه والإرشاد الطلابي لمساعدة الطلاب على اختيار التخصصات التي تتلاءم مع قدرتهم، ومساعدتهم في حل مشكلات التكيف الشخصي والاجتماعي (الدوسري، 1422 / 2001).
وتؤكد الاتجاهات الحديثة في مجال التقويم التربوي للطلاب أن عملية التقويم لا بد أن تتم بشكل شمولي، بحيث تتناول جميع جوانب شخصية الطالب، وأن يكون التقويم تعاونياً، حيث يشترك فيه جميع عناصر العملية التعليمية ـ الإدارة المدرسية، المعلمون، وأولياء الأمور ـ وأن تستخدم أساليب مختلفة في عملية التقويم للإسهام في تقويم جوانب عديدة في شخصية الطالب، وأن يكون الهدف من التقويم معرفة جوانب القوة والضعف وليس رصد الأخطاء فقط (العدلوني، 1423 / 2002).
6 ـ كفايات التحسين المستمر:
يعد المعلم من أهم محاور العملية التربوية، لذلك يتعين أن يسعي بصفة مستمرة للتزود من المعرفة الجديدة، واكتساب المهارات المتقدمة، حتى يكون قادراً على أداء دوره بشكل فعل، ذلك لان توقف المعلم عن تطوير ذاته والاكتفاء بما تعمله في مرحلة الدراسة سوف ينعكس بآثاره السلبية على أدائه ويتسبب في الإحراج له، لأن الطلاب في ظل عصر انفتاح الاتصالات واستخدام التقنيات الحديثة كالشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) يتمكنون من الحصول على أفكار ومعلومات وأساليب للتفكير أفضل مما لدى المعلم (حنورة، 2002).
وافق المجلس العلمي بجامعة الملك سعود برئاسة مدير الجامعة د. بدران العمر، على ترقية د. إبراهيم بن عبد الله العثمان، إلى رتبة أستاذ دكتور بقسم التربية الخاصة. ويملك البروفيسور العثمان إسهامات علمية وعملية عديدة، إلى جانب عمله في عدة جهات حكومية، وخاصة، حيث عمل مستشاراً لمشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، ومشرفاً على فروع الجامعة السعودية الإلكترونية، كما عمل رئيساً لقسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود، ومديراً تنفيذياً لشركة آفاق التعليمية، إضافة إلى عمله مستشاراً بوزارة العدل وعضو مجلس ادارة جمعية التوحد الخيرية وعدد من الجمعيات الخيرية المهتمة بصعوبات التعلم والتربية الخاصة. تهانينا للبروفيسور العثمان مع صادق تمنياتنا له بمزيد من الإنجازات العلمية.
أ.د. إبراهيم بن عبد الله العثمان
قسم التربية الخاصة، جامعة الملك سعود، المملكة العربية السعودية
نائب رئيس مجلس إدارة جمعية اسر التوحد الخيرية.
عضو اللجنة التوجيهية (الدائمة) للتربية الخاصة التي يرأسها معالي نائب وزير التربية والتعليم لشؤون البنات منذ عام 2012م.
مستشار مركز خدمات ذوي الاحتياجات الخاصة بجامعة الملك سعود.
عضو لجنة اضطرابات النمو والسلوك لدى الأطفال بوزارة الصحة.
المشرف على برامج الدبلوم العالي في التربية الخاصة بجامعة الملك سعود.
المشرف على برامج الدبلوم العالي في التربية الخاصة بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية.
مستشار سابق لمشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام.
عضو مجلس إدارة جمعية صعوبات التعلم الخيرية.
عضو الاتحاد السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة.
مستشار سابق لمدينة سلطان بن عبد العزيز للخدمات الانسانية (CDC).
مستشار مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد بالرياض.
مستشار الجمعية السعودية للتوحد (Autism Society of Saudi).
مؤلف كتاب (بناء وتعديل سلوك الأطفال: دليل أولياء الأمور والمختصين)، 2011م، المكتبة العلمية، الرياض.
مؤلف رئيس لكتاب (مدخل إلى اضطرابات التوحد) 2012م.
مؤلف كتاب (تعديل السلوك في التربية الخاصة) 2013م.
قام بترجمة كتاب (مقياس المراحل والأعمار للأطفال (ASQ-3) المنشور عام 2012م.
قام بترجمة كتاب (طرق تدريس التلاميذ ذوي التوحد) المنشور عام 2013 م.
باحث مشارك في (دليل المنهج المرجعي للتلاميذ ذوي التوحد)، 1425هـ (2004م)، مراجعة الأسرة الوطنية للتربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم، الرياض.