هناك فرق بين التأديب والتربية، وبين الترهيب والتخويف.
لقد كنت شاهداً على واقعة أثبتت لي صحة ذلك. طفلة في الخامسة من عمرها تركت كتابها مع إحدى صديقاتها في المدرسة، عند عودتها للبيت سألتها أمها عن الكتاب، فأجابت الطفلة أنها تركته عند صديقتها، فصرخت الأم في وجهها ووبختها وهددتها بحرمانها من الأكل إن لم تأت بالكتاب في اليوم التالي!!
وفي يوم آخر كانت الطفلة ذاتها تحل واجباتها فجاءت الأم لتراجع الدفتر وعندما اكتشفت خطأ الطفلة في أحد الأجوبة أمسكت الدفتر ورمته في وجهها قائلة لها: أيتها الغبية ما هذا! ألا تفهمين!!
نتيجة لهذه الوقائع وغيرها أصيبت هذه الطفلة البريئة بعوق نفسي ورعب وخوف شديدين من أمها، لدرجة أنها إذا أخطأت في شيء سواء في المدرسة أو في البيت فإنها تخفي الأمر عن أمها وتحاول جهدها أن تبلغ أباها بسرعة حتى يحميها من والدتها.. لأن أسلوب الأب كان أفضل معها.
هذا الوضع شاذ ولا يمكن استمراره وينبغي وضع حد لهذا الأسلوب في التربية، فالطفلة لم ترتكب سرقة ولم تكذب ولم تجرم لا في الحالة الأولى ولا في الثانية، وكان ممكناً في الأولى أن تقول لها الأم: إذا رجعت غداً للمدرسة أبلغي مشرفة الصف بما حدث كي تسترجعي كتابك،.. وفي الحالة الثانية كان من الأفضل تصحيح الخطأ مع المداعبة وبلغة مصحوبة بالعطف والحنان، فالطفلة لا تزال في مستهل حياتها الدراسية والاجتماعية ولا داعي لترهيبها حتى لا تكره الدراسة خوفاً من التوبيخ.
إن على أولياء الأمور إتباع الأسلوب الطيب في التربية وفي التأديب والتعليم، وهو أسلوب الحكمة والذكاء الذي يتناسب مع أعمارهم وعقولهم وخاصة إذا كان الخطأ على هذا المستوى، أما إذا كان الخطأ كبيراً كسرقة أو كذبة أو ما شابه ذلك فيمكن عندها استخدام أسلوب أشد على أن يراعى في ذلك أيضاً قوى الأطفال العقلية والجسدية.. فالتربية السليمة تكون رويداً رويداً وبالحسنى.. فنحن نريد تربية الأطفال وصحتهم النفسية والعقلية ولا نريد تخويفهم وترهيبهم.