قبل أيام استأجرت سيارة أجرة إلى المطار ودخلت أثناء الرحلة في حوار مع السائق. وحين عرف السائق بأنني أعمل أستاذاً جامعياً أخبرني بأنه قد تخرج من جامعتين مختلفتين فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في أحد الاختصاصات الإنسانية وحاصل على شهادة الماجستير في أحد فروع العلوم الاجتماعية. ودار في خلدي هذا السؤال: هل كان ذلك السائق في حاجة إلى تلك الدرجتين العلميتين ليقود سيارة أجرة؟ الإجابة التي قفزت إلى ذهني: كلا أنه لا يحتاج إلى ذلك! ثم ألم تكن مهنة السياقة اختياره الأول؟ في الواقع كانت كذلك وأنه يتمسك بها ومع ذلك يفكر في الحصول على درجة علمية أخرى!
لقد كان توق ذلك السائق للمعرفة أمراً يدعو إلى الدهشة الكبيرة واكتشفت من خلال حواري معه بأنه قد تفوق في دراسته الجامعية وأنه عشق المعرفة أثناء دراسته. ومن ناحيتي لم أتحاور معه أبداً حول جدوى ألتحاقه بالجامعة، مع ذلك كنت أشعر بالاستغراب إزاء وضعه فلابد أن يكون قد استفاد من المقررات التعليمية المفتوحة والمكثفة عبر الأنترنت MOOCs.
من الواضح أن مثل هذا الموضوع يشدني كثيراً لأنه في جانب منه يشير إلى عدم وجود فهم عام حول عدد الناس الذين ينبغي أن يستفيدوا من التعليم العالي، فمن نافلة القول إن النظام القديم الذي كانت تعكف الجامعات بموجبه على تعليم نخبة اجتماعية كان يستند إلى قاعدة خاطئة تماماً. وهنا لابد من التوكيد على أن التعليم العالي لابد أن يتيسر للناس الموهوبين من المحرومين مثلما هو حال أولئك الذين يولدون وهم يتمتعون بمثل هذا الامتياز نسبياً. والسؤال الذي أطرحه هنا: إلى أي مدى تسير بنا الأمور حيال هذا الأمر؟ وما نسبة السكان الذين تخرجوا في الجامعات قياساً بغيرهم؟
إن النسبة المئوية في غالبية الأقطار الأكثر تطوراً في تصاعد مطرد فالإحصائيات الصادرة عن (منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية) OECD، التي تزودنا بمعلومات لحد عام 2006، تشير إلى أن نسبة السكان التي تتراوح بين عمري 25 و64 عاماً الحاصلين على التعليم الجامعي في غالبية بلدان العالم تزيد في المعدل عن 25%. وفي بلدان معينة تزيد النسبة كثيراً عن ذلك ففي كندا تصل نسبة الحاصلين على تعليم جامعي إلى 47% وفي الولايات المتحدة واليابان تصل النسبة إلى نحو 40% أما في أيرلندا والمملكة المتحدة فتصل النسبة إلى 30%. وفي معظم تلك البلدان تنامت النسبة المئوية بما يتراوح بين 5 إلى 10 نقاط في غضون العقد الماضي.
ولا شك أن الأرقام ذات الصلة بنسبة عمر التخرج المثالي والحاصلين على شهادة جامعية تعتبر أمراً مثيراً للاهتمام فأعلى نسبة مذهلة نجدها في أيسلندا حيث تصل إلى 63% وتصل النسبة في كل من بولندا وفنلندا إلى 50% تقريبا وتصل إلى نسبة متميزة أيضاً (%45) في إيرلندا وبذلك تتفوق على بريطانيا التي تصل النسبة فيها إلى 40%. أما خارج نطاق مثل هذه الإحصاءات فإن النسبة تصل في الصين إلى نحو 20% وهي نسبة ارتفعت بشكل ملحوظ خلال 30 سنة من نسبة متواضعة هي 1.8%.
ترى ما الذي يتعين علينا فعله بخصوص التعليم العالي؟ وإذا ما تعلق الأمر أساساً بالمهن والتوظيف فما تأثير مستويات المشاركة العالية جداً على المهن التي تتطلب مهارات أساسية لا يتم تدريسها في الجامعات؟ وما المستقبل الذي نتطلع إليه ونرغب في تحقيقه أو لا نتمكن من ذلك فيما يتعلق بالتدرب؟ وإذا افترضنا أن التعليم العالي لا يتعلق بالإعداد المهني فهل يعني ذلك أن لدينا الرغبة بأن يلتحق الجميع بالجامعات؟
هذه أمور لم يتعاطى معها أي بلد من بلدان العالم رغم أن بعض البلدان مثل إيرلندا قد وضعت مراراً أهدافاً طموحة تتعلق بالدور الذي يضطلع به التعليم العالي لكن لم يصاحب ذلك أي نقاش حقيقي حول مضامين مثل هذا الأمر. وإذا كانت الجامعات لا تتسع للنخب الاجتماعية أفلا ينبغي أن تكون مرتعاً للنخب الفكرية أو الثقافية؟
من ناحية أخرى ذهب البعض إلى أن المستويات العالية للمشاركة الجامعية يعرّض المعايير المعتمدة للخطر ويزيد من معدلات المتسربين. وأظن أن علينا أن نتعاطى باهتمام مع مثل هذه الطروحات إن كان هدفها إخفاء النخبوية الاجتماعية.
وربما يكون الوقت قد أزف للشروع بجدل أكثر شفافية من ذي قبل حول التعليم العالي:
ما هدفه المرسوم ومن الذي ينبغي تشجيعه للمشاركة؟
المصدر: هنا
عراقي الجنسية
1951مواليد عام
حاصل على ماجستير لغة انكليزية
أستاذ مساعد في قسم الترجمة ـ كلية الآداب ـ جامعة البصرة ـ جمهورية العراق
المنصب الحالي مدير مركز اللغات الحية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة
الخبرة المهنية:
تدريس اللغة الانجليزية، لغة وأدبا وترجمة، في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب ـ جامعة البصرة منذ عام 1981 ومن ثم التدريس بكليتي التربية والآداب بجامعة الفاتح في ليبيا منذ عام 1998 وبعدها بكليتي اللغات الأجنبية والترجمة والإعلام بجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا بدولة الإمارات العربية المتحدة اعتبارا من عام 2004. ويشمل التدريس الدراسات الأولية (البكالوريوس) والدراسات العليا (الماجستير) حيث أشرفت على عدة طلبة ماجستير فيما كنت أحد أعضاء لجان المناقشة لطلبة آخرين ، كما نشرت العديد من البحوث في مجلات علمية محكّمة.
الخبرة العملية:
العمل في ميدان الترجمة حيث نشرت أربعة كتب مترجمة إلى اللغة العربية كما نشرت المئات من المقالات والقطع والنصوص الأدبية المترجمة في العديد من الصحف والمجلات العراقية والعربية ومنها مجلة المنال. كما عملت في مجال الصحافة والإعلام والعلاقات العامة وكذلك الترجمة في مراكز البحوث والدراسات في العراق وليبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة.