إن وجود ابن ذي إعاقة بين أبنائي قد وسع بشكل هائل وجهة نظري في القضايا التي ينبغي على الاختصاصيين معالجتها عند التعامل مع الأسر، فمعظم برامج التدريب محدودة وقاصرة عن اعداد الاختصاصيين للتعامل المفيد مع أولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقة ومساعدتهم على حل المشكلات الحياتية اليومية، ولا أذكر أنني تعلمت في الجامعات الثلاث التي درست فيها كيف أتعامل مع قضايا مثل سبل مساعدة الأشقاء على فهم مضامين إعاقة أخيهم أو أختهم أو سبل مساعدة الطفل ذي الإعاقة على تكوين علاقات صداقة أو سبل التصرف في الأماكن العامة عندما يحملق الناس بك أو يهزأون من الطفل ذي الإعاقة .
ومع ذلك فالأمور لم تسر على ما يرام، فقد مررت أنا وزوجتي بسلسلة طويلة من التفاعلات المأساوية مع الاختصاصيين وكانت التفاعلات تعكس الشكاوى التي طالما سمعتها من أولياء الأمور الآخرين، وبناء على تلك الخبرات، أعدت النظر كاملاً في المفاهيم التي كنت أتبناها حول إساءة معاملة الاختصاصيين لأولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقة وتفسيراتي لردود الفعل التي تنشأ عند إنجاب طفل ذي إعاقة.
وقد تحولت بين ليلة وضحاها من دور الاختصاصي إلى دور الأب المريض فقد وصف لي الطبيب بعض الحبوب المهدئة وذلك افتراض شائع فكثيرون يفترضون أن آباء الأطفال ذوي الإعاقة يعانون من سوء التكيف النفسي وأنهم مرشحون أقوياء للإرشاد والعلاج النفسي والمهدئات.
لماذا لا يدرك المعلمون أنني أكثر الناس معرفة بطفلي؟ فأنا أعرف الأشياء التي يحبها، والأشياء التي لا يحبها، وجوانب القوة وجوانب الضعف لديه، وأعرف طموحاته ومخاوفه، كل ما أطلبه هو أن يستمع المعلمون إلى ما أقوله.
لم أنجح في إقناع المعلمة أن ابنتي تحتاج إلى التعزيز، ولن يفيد أبداً أن أقول لابنتي أن أداءها في المدرسة جيد، إنها تريد أن تسمع ذلك من معلمتها، وبصراحة، لا أعتقد أن الخطأ خطأ ابنتي في كثير من الأحيان، فهي تعطى أعمالاً غير مناسبة لها.
بعد صعوبة كبيرة، استطعت أن ألتقي بمعلمة ابنتي، وقد فوجئت وانزعجت لأن المعلمة لم تعر اهتماماً لآرائي وملاحظاتي.
إنني لا أتوقع من المعلمة أن تحقق المعجزات، ولكني أريدها أن تقدم أفضل ما لديها لطفلي.
لم يحدث أبداً أن اعتبرت ابني عبئاً، لقد شعرت دائماً وما زلت أشعر أنني محظوظة لأن لدي طفلاً ذا إعاقة، فمن خلاله تعلمت الصبر وتعلمت تحمل الآخرين الذين لديهم قدرات متدنية أو مختلفة، وكمعلمة فقد تأثرت جداً به، فلم أعد أبداً أحكم على الطالب اعتماداً على ما يستطيع عمله، إنني أحاول أن أفهمه كإنسان، وعليه فقد كان لإعاقة ابني أثر ايجابي وبناء على حياتي.
الاستسلام هو الموت بعينه
إننا نتعلم من المرض نفسه القدر الذي نتعلمه من الصحة، ونتعلم من الإعاقة نفس القدر الذي نتعلمه من التميز، بل وربما أكثر، فالروح البشرية لم تسم من التخمة وإنما من الحرمان في معظم الأحيان، ولا يعني ذلك أن الأسى أجمل من السعادة، أو أن المرض أفضل من الصحة، أو أن الفاقة أحسن من الغنى، لو كنت قد خيرت، لفضلت ألف مرة أن تكون ابنتي غير ذات إعاقة تعيش حياة طبيعية، إنني أفتقد على الدوام البنت التي لم تستطع ابنتي أن تكونها.
ولكني لست مستسلمة ولن استسلم أبداً فالاستسلام هو الموت بعينه، على النقيض من ذلك، فما أحتج عليه هو ذلك النصيب الغامض الذي سقط عليها وأوقف نموها، ما كان لهذا أن يحدث، ولأنه حدث لي ولأنني أعرف معنى هذا الأسف المزمن فإنني أبذل كل ما في جهدي لأمنع هذه المعاناة عن الآخرين.
لقد قررت منذ البداية أن لا أكون أما لبنت ذات إعاقة، ولقد حرصت على أن أقاوم النزعة نحو تغيير هويتي الشخصية الرئيسية للاعتراف بالعثرات التي تنتظرني على الطريق الذي دفعتني الإعاقة إلى أن أسلكه، لعل الطريق قد تغير ولكني ما زلت أنا ولم أتغير، فابنتي كاثرين ليست ممن لديهم متلازمة داون ـ هذا المصطلح الذي يعتقدون أنه أخف على اللسان ـ لا، فهي طفلة ، طفلتي واسمها كاثرين، ولديها متلازمة داون أو أي اسم آخر يستخدمه الآخرون، لا يهمني كيف يصفها الآخرون، إن المؤسسات أو المراكز قد تقدم لي خدمات أو معلومات أو النصائح والدعم، ولكنها لا تستطيع أن تقدم لي أو لابنتي كاثرين الهوية .