في عصر تناسى حقوق المسنين واختزلها في يوم واحد هو يوم المسن العالمي (الأول من أكتوبر من كل عام)* مما يؤكد افلاس الحضارة الغربية تجاه هذه الشريحة والنظر إليها كمجموعة من التغيرات الفسيولوجية فحسب، متجاهلين المتطلبات النفسية والاجتماعية للمسن جاء المؤلف الدكتور علي بن إبراهيم الزهراني في كتابه (أساليب التعامل مع كبار السن، رؤية تربوية تأهيلية) ليعيد الأمور إلى نصابها باعتماده على المنهج الإسلامي في البحث وفق النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية وشروحهما التي تعنى بالمسنين، بعد أن فشلت الحضارة الغربية في حل هذه المشكلة والتعامل معها من منطلق اجتماعي وتربوي.
لقد قسم المؤلف بحثه الموسع إلى خمسة فصول، تضمن الفصل الأول مدخل البحث والذي عرف فيه القارىء بأهمية مثل هذا البحث وأهدافه ومنهجه، مورداً مجموعة من الدراسات حول الموضوع وأعداد ونسب المسنين في وطننا العربي. وعرف المؤلف في هذا الفصل معنى الشيخوخة في اللغة والاصطلاح، وماهية مرحلة المسنين، وأهم المبادىء التي ترتكز عليها التربية الإسلامية في التعامل مع هذه الفئة، مورداً الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تضع أسس هذا التعامل.
ولكي يعرف المؤلف قارىء الكتاب بأبعاد هذه القضية الهامة، أورد في الفصل الثاني مجموعة من الخصائص الجسمية والعقلية والنفسية والاجتماعية للمسنين، ليؤكد بذلك أن هذه المرحلة هي أبعد من مجموعة تغيرات جسمية تتطلب الرعاية الأولية والصحية لهذه الفئة، مشيراً إلى أن هناك متطلبات نفسية واجتماعية تقع على عاتق المحيطين بالمسن لتلبيتها ومساعدته في الخروج من أية حالات اكتئاب أو تقلب مزاجي أو انطوائية قد يمر بها.
إن منهج الباحث في هذا الجهد العلمي يتمثل في أهمية إعطاء المسن حقوقه الواجبة على كل فرد في المجتمع والدولة، دون أن يكون ذلك بدافع الصدقة والإحسان والشفقة، لذلك جاء الفصل الثالث ليوضح حقوق المسنين في التربية الإسلامية سواء من حيث التخفيف في العبادات ورفع الحرج، أو حقه في التعامل معه والرفق به وتوقيره وتقديمه على غيره، إضافة إلى حمايته من الأخطار وإشباع حاجاته معززاً ذلك بالشواهد والأحداث التي دعت لذلك في مجتمعنا الإسلامي.
ومن الأمور اللافتة في هذا الكتاب اعتناء المؤلف بمجموعة التعديلات البيئية الواجب إجراؤها في بيئة المسن بصفته شخص ذو احتياج خاص، والتي من الواجب عملها لتجنب أي مخاطر، وتوفير الراحة له في التواصل مع الآخرين والتنقل، وقضاء حاجاته باستقلالية قدر الإمكان، وذلك من حيث تعديلات الإضاءة، والمقابض الجانبية واستخدام العكاز وطبيعة الأثاث والأرضيات.
وعن أساليب التعامل مع المسنين، قدم المؤلف ما يزيد عن أربعين أسلوباً من واقع ديننا الإسلامي، من أجل الوصول بالمسن إلى أقصى درجات التفاعل مع مجتمعه وأسرته والعيش بكرامة مع الآخرين وممارسة حياته الاجتماعية بما يراعي نفسيته وإبعاده عن الملل والتوتر والعزلة أو أية تقلبات انفعالية ومزاجية.
وتحثنا هذه الأساليب على أهمية الرفق بالمسن ومراعاة آداب مجالسته واشباع حاجاته، والحماية وتهيئة البيئة المادية وملء أوقات فراغه وتقوية روابطه الاجتماعية والتعاطف النفسي معه.
ويمثل الفصل الخامس والأخير من الكتاب مجموعة من الوقفات التربوية مع مرحلة المسنين حيث حض فيه المؤلف على ضرورة الاستفادة من خبرات المسنين وتجاربهم والتي تمثل رصيداً لا ينبغي اهماله نظراً لأن بعض المجتمعات تولي اهتماماً بالشباب والأطفال دون الالتفات إلى المسنين ما يؤدي إلى خسارة ميراث اجتماعي قيم.
ويرى الباحث ضرورة توعية كبار السن بطبيعة العصر الذي يعيشونه وما جد فيه من معارف وتطورات حتى لا يقع الشباب في صراع أجيال مع المسنين، داعياً إلى الحوار والتواصل بين الطرفين، واحترام آراء المسنين واستشارتهم.
وقد توصل الباحث في خاتمة الكتاب إلى مجموعة من النتائج المفيدة والبناءة والتي أهمها ضرورة العناية بالمسنين واحترام كرامتهم وإكرامهم في مراحلهم الحياتية المختلفة، وأهمية المسن في نقل الثقافة والقيم الصالحة وحاجته إلى التعامل الأسري الدافئ الذي يشعره بالمحبة والعرفان وحسن الصنيع من الأسرة، وأسبقية المنهج الإسلامي في العناية بحقوق المسنين وأن هذه العناية من مظاهر التحضر والرقي الإنساني، وضرورة تربية النشء على احترام المسنين وآرائهم، وبناء على ذلك قدم الباحث مجموعة من التوصيات التي تبين النظرة المستقبلية لرعاية المسنين والعناية بهم في ضوء تعاليم الإسلام والتي من أهمها:
• عقد المؤتمرات والندوات في شتى مناشط المجتمع لبحث قضايا المسنين.
• ضرورة الاستفادة من كبار السن على اختلاف تخصصاتهم.
• ضرورة توعية المسنين بحقوقهم.
• إقامة الدورات المتنوعة لتدريب المسنين على المهارات اللازمة في مواجهة مشكلاتهم، والتأكيد على دور الأسرة في رعاية المسنين وفقاً لمبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام.
وقد عزز المؤلف بحثه بعشرات المراجع القيمة التي استقى منها معلوماته ونتائجه حيث وصل الكتاب إلى 258 صفحة من القطع العادي بعد صدوره عن دار الخضيري للنشر والتوزيع بالمدينة المنورة بطبعته الأولى سنة 2005 ضمن سلسلة دراسات الفقه التربوي، وبذلك يكون الدكتور علي الزهراني الأستاذ المشارك بقسم التربية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة قد وضع أسساً تربوية للتعامل مع المسنين وفق المنهج الإسلامي في ظل افتقار المكتبة العربية والإسلامية لمثل هذه المؤلفات.
من المحرر:
اليوم العالمي للمسنين أو اليوم العالمي لكبار السن، هو أحد أعياد الأمم المتحدة ومناسبة سنوية عالمية يتم إحياؤها في1 أكتوبر من كل سنة. وبتاريخ 14 ديسمبر 1990 صوتت جمعية الأمم المتحدة العامة لاعتماد يوم 1 أكتوبر بمثابة اليوم العالمي للمسنين. وكان أول احتفال لليوم العالمي للمسنين بتاريخ 1 أكتوبر، 1991 أي في السنة التي تلت التصويت مباشرةً. ويتم الاحتفال باليوم العالمي للمسنين لرفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن، كالهرم وإساءة المعاملة، وهو أيضاً يوم للاحتفال بما أنجزه كبار السن للمجتمع. هذه الاحتفالية مشابهة ليوم الأجداد في أمريكا وكندا وكذلك لاحتفالية التاسع المضاعف في الصين ويوم احترام المسنين في اليابان.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011