أصدرت إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم بوزارة تنمية المجتمع، مجموعة قصصية لأطفال من أصحاب الهمم من تأليف روحي عبدات الاختصاصي النفسي التربوي بالإدارة، وتمثل هذه المجموعة المكونة من (20) قصة، حكايات واقعية عن أطفال من أصحاب الهمم الملتحقين بمراكز التأهيل التابعة لوزارة تنمية المجتمع.
(المنال) وبالتنسيق مع الكاتب تقوم تباعاً بنشر هذه القصص على صفحاتها، وقد نشرت في العدد السابق خمس قصص هي: ضحكة تعلو الكرسي المتحرك، وفيصل الابتسامة التي لا تغيب، رحلة مستمرة في تطوير الذات، رائحة الإبداع في الهوية الوطنية وأنامل منهمكة وذوق رفيع، وننشر في هذا العدد 3 قصص هي: عبد الله.. مستقبل مشرق يلمع في عينين صامتتين، ميداليات على صدر فارسة إماراتية وجبال شامخة.. شمس ساطعة وصحراء ذهبية:
عبد الله.. مستقبل مشرق يلمع في عينين صامتتين
عبد الله ابن العشرين سنة، لم يسمع شيئاً من ضجيج الحياة منذ ميلاده، حين جاءت به أمه إلى هذه الحياة وتركته مفارِقة إياها، فربته جدته وتعبت عليه، وكانت له الأم والجدة وكل ما في الوجود. وما كان منه إلا أن يكافئها على هذا الحنان بمزيد من المحبة والتعلُّق، وهذا جلي واضح من خلال طاعته لها، وقيامه بخدمتها ومرافقتها في كثير من أوجه حياتها.
حين تكون معه، قد لا تسمع صوته، لكن بالتأكيد سترى بَشاشته التي سيبادلك بها بين وقت وآخر، مع إشارات بالأيدي تعبِّر عن شكره لله ورضاه بقدره لأن يكون أصماً يتيم الأم، مكافحاً للتعلم والاستفادة، مثبتاً نفسه في بيئة التدريب والعمل.
بعد أن أنهى عبد الله تعليمه في مركز رأس الخيمة لتأهيل أصحاب الهمم، ما كان منه إلا تطوير ذاته عبر مزيد من التدريب وتنمية الذات في شرطة رأس الخيمة، حيث كان قمَّة في المواظبة على العمل والتحمُّس لأداء الواجبات، هذا الطموح للحصول على وظيفة دائمة، هو ما دفعه ويدفعه إلى كل هذا الالتزام، فالوظيفة بالنسبة له ليست مجرد راتب يتقاضاه في نهاية الشهر، وإنما فرصة لإثبات الذات، واستثمار للقدرات، والتواصل الاجتماعي مع الأشخاص الناطقين في بيئة العمل، والمشاركة المجتمعية.
يطغى الصمت والهدوء على عبد الله، إلا أن في عينيه الكثير من الضجيج الذي يملأ عالمه بالأمل، وكأنك تلمسه يتطلع إلى مستقبل بعيد أفضل، لا يمكنك أن تراه كما يراه صاحبه بوضوح تام، متوِّجاً هذا الحضور بابتسامة يقينية هادئة، تغذِّي عالمه الصامت بالكثير من الحياة، وتبعثُ في جدته روح الارتياح والاطمئنان على مستقبله.
ميداليات على صدر فارسة إماراتية
مفتخرة بلباسها الموحد الذي ترتديه، تتلمسه بين وقت وآخر محاولة لفت أنظار كل من يراها، تنتقل بأصابعها لتتحسس الميداليات المعلقة على صدرها، فيلمع بريقها كلما تحركت بها يميناً ويساراً، فهذه الميداليات وتلك الملابس تُميِّزها عن بقية الزملاء، إنها ملابس الفروسية التي تزيِّن عائشة، وتُضفي عليها ملامح الفارسة التي تمتطي جوادها بثبات وعزيمة.
تستطيع عائشة التعامل مع أي خيل، وهذه سمة لا يمتلكها إلا الفرسان، فهي قادرة على كبح جماح حصانها والتحكم فيه، بل والسير به إلى ميدان السباق، إلى أن تكتمل فرحتها عند قمة الإنجاز واجتياز المسافات المطلوبة بسرعة، وهذا يؤكد بشكل واضح عمق العلاقة العاطفية بينها وبين الخيل، وقوة تأثير الفارس على ما يمتطيه، فلا شك أنها قد اقتحمت عالم الفروسية بكل مفرداته.
هذه الانجازات جعلت عائشة محل فخر عائلتها ومحبيها، وزادت من حرصها على حضور بطولاتها التي تشارك فيها، ليس هذا فحسب، بل إن عائشة من عشاق رياضة البوتشي، التي أثبتت حضورها فيها من خلال عدة بطولات محلية ودولية، عدا عن كونها قد اختيرت لتمثيل دولة الامارات العربية المتحدة في بطولة العالم المقامة في الولايات المتحدة الأمريكية، وشاءت الظروف ألا تكتمل مهمة الفارسة المثابرة لدواعي اجتماعية خاصة.
إن تسليط الضوء على جانب ناصع من حياة عائشة وهو المجال الرياضي لا يمكن أن ينسينا جوانب أخرى لا تقل أهمية عن انجازاتها الرياضية، فمنذ التحاقها بمركز عجمان لتأهيل أصحاب الهمم بمراحل مبكرة من عمرها، كانت مثالاً للطالبة المتعاونة الودودة، التي تُعتبر أنموذجاً لزميلاتها والمحيطين بها، فالمهارات اللغوية والاجتماعية التي تمتلكها حالياً، ما هي إلا نتاج تعليم دؤوب وتعاون مستمر من قبل الأسرة، وإصرار من قبل عائشة على دخول معترك الحياة والتواصل مع العالم المحيط، وتحقيق أقصى قدر ممكن من الاستقلالية.
وهذا ما انعكس بشكل جليٍ على عملها في ورش التدريب المهني، حين تراها تُبادر إلى مساعدة معلمتها في ورشة التدوير وصناعة الإكسسوارات الجميلة، التي تخفي خلفها مذاقاً فنياً وحباً للإبتكار، من مجرد مواد بسيطة في متناول اليد، ولعل من أهم هذه الابداعات صناعة الشنط والأساور. ناهيك عن المهارات الاجتماعية التي تتمتع بها عائشة، وشخصية يلفُّها روح العمل الجماعي، ومظهر لبق يوحي بالبشاشة والوقار، عائشة التي علقت ميدالياتها الرياضية على صدرها، تعلق أيضاً الكثير من الخصال الشخصية والاجتماعية على وجهها، فهي ذات ألق يوحي بالطموح، ولمعان يوحي بإنجازات متعددة المجالات.
جبال شامخة.. شمس ساطعة وصحراء ذهبية
بدأت رحلة محمد المهنية منذ التحاقه بمركز عجمان لتأهيل أصحاب الهمم، حين وجد نفسه بين أحضان المزروعات التي يقوم بالعناية بها مع طلبة ورشة الزراعة، حيث جذبته خُضرتها والتعامل مع الأرض والمياه، ووجد فيها مصدر حياة الانسان وجنَّته الدنيوية.
الزراعة بالنسبة لمحمد هي الفضاء الواسع الذي يوظِّف من خلاله إمكاناته، تراه كل يوم يذكّر معلمته بموعد ري المزروعات، هاجسه الذي يدفعه نحو خرطوم المياه، وكأنه يحاور النباتات، يدللها بعناية إلى أن تؤتي ثماراً يانعة يتلقفها طلبة المركز بأناملهم وقت القطاف. عالم الزراعة ليس بجديد على محمد، فهذه الامكانات التي اكتسبها من مزرعة الأسرة كخلط السماد وأبجديات الزراعة، كبُرت معه إلى أن أصبحت مهنة يمكن أن تدر له دخلاً يدعمه اقتصادياً.
ومروراً برحلة البحث عن الذات وتطوير القدرات، وصقل المهارات، التحق محمد بورشة التدريب على التصوير ليصبح محترفاً في التقاط الصور التي تُعبر عن عشقه للطبيعة وعالمها الخاص، إلى أن فاز بجائزة ليوا للتصوير الفوتوغرافي، نتاج مشاركته بصورة رائعة تعكس شموخ جبال الإمارات، تُظللها سماء صافية وشمس ساطعة تعانق خيوطها الذهبية رحابة الصحراء.
تتفاجأ حين تقابل محمد وتسمع صوته الشجي يصدح في أرجاء المركز، منغمساً في أنشودة عن حب الوطن، أو شعر يلقيه تمجيداً لروح الشيخ زايد رحمه الله، تنساب من حنجرته العبارات الجميلة، ترافقها لغة جسدية لطيفة، وانفعالات عميقة نابعة من نبض قلبه الذي ينتمي لوطن أحبه طوال سنوات عمره، وتربى في أحضانه.
كان للتدريب الخارجي منفذ آخر للتواصل مع المجتمع وإظهار القدرات، حيث أتيحت له الفرصة للتدريب في الإدارة العامة للإقامة وشؤون الأجانب بعجمان، وجمعية الشارقة الخيرية، فكان محافظاً على الحضور اليومي، والتعاون مع الزملاء وأداء المهام المكلف بها من مسؤوليهِ على وجه الدقة والسرعة، وقد تم اختياره للتوظيف في مصرف عجمان، يحمل المراسلات الداخلية بين الأقسام، إضافة إلى مهارات التصوير والأرشفة.
لقد مَرَّت 3 سنوات على وظيفته مُثبِتاً لنفسه وللآخرين أنه قادر على الاستقلال الاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما كان مصدر سعادة أسرته التي رأت تغييراً كبيراً قد طرأ على شخصيته من حيث الثقة بالنفس، والرغبة في تحمُّل المسؤولية والاندماج الاجتماعي والتواصل مع الآخرين، إضافة إلى التهذيب السلوكي وأخلاقيات العمل التي اكتسبها وانعكست على حياته الشخصية والاجتماعية، ولعل أعظم كلمة فخر هي تلك الإجابة التي وردت على لسان والدته عند سؤالها عنه: (ابني رفيق حياتي، ابني ليس معاقاً).
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011