البحث العلمي هو الوسيلة التي يتبعها الباحثون للنهوض بمجتمعاتهم في كافة المجالات العلمية التربوية منها أو الاجتماعية أو السياسة أو الاقتصادية وذلك بقصد تحقيق التنمية البشرية، ويهدف إلى التوسع في المجالات المعرفية وتنميتها من خلال الاستقصاء المنظم للحقائق والمعارف وقد يكون ذلك استقرائياً كما في العلوم الطبيعية أو استدلالياً كما في العلوم الفلسفية، ويقوم البحث العلمي على دراسة الفرضيات دون افتراض إطار فكري سلفاً لها لأن ذلك قد يوجد إطاراً فكرياً وعلمياً محدداً للباحث وهو ما قد يتناقض مع ما يمتلكه من قدراته وإمكاناته (مرسي، 1983).
ينشأ البحث العلمي من حاجات المجتمع وفكره، لذا فمن المنطقي والطبيعي أن تكون هوية البحث العلمي في المجتمعات الإسلامية هوية إسلامية كما أن من المهم الاستعانة بالأساليب العلمية في معالجة المشكلات واتخاذ القرارات المناسبة على ضوئها، إلا أن الكثير من الأبحاث العلمية في المجتمع الإسلامي لا زالت في مرحلة الاقتباس ومن ثم التبعية مما قد يجد الباحث المسلم معه معضلة كبيرة في تحديد اتجاهه حيث يحتاج إلى استخدام مجموعة من العلوم من عدة ثقافات مختلفة مع رغبته في الاحتفاظ بهويته الإسلامية (غنايم، 1986).
وتنقسم البحوث العلمية على أساس المنهج المستخدم إلى منهج البحث الوصفي والذي يكون معه أسلوب البحث وصفياً أو تجريبياً وهو الذي يكون فيه أسلوب البحث مقارنياً تجريبياً.
يري بعض المفكرين أن الأبحاث العلمية في العالم الإسلامي تأخذ عدة اتجاهات يتبني الباحث منها ما يوافق قناعته المسبقة ومن هذه الاتجاهات الفكرية الاتجاه الغربي العلماني حيث يري أصحاب هذا الفكر أن البحث العلمي لا تحكمه سوى الحقائق العلمية بعيداً عن المعتقدات أو المسلمات أو الغيبيات ولذلك نجد أصحاب هذا الفكر يميلون إلى المادية في أبحاثهم.
يختلف مع هؤلاء أصحاب اتجاه التأصيل الإسلامي الكامل في البحوث العلمية حيث أن المنتسبين لهذا الاتجاه يميلون إلى الحفاظ على الهوية الإسلامية في أبحاثهم من خلال الحفاظ على المكونات الثقافية للمجتمع الإسلامي من المسخ والتبعية ويرى أصحاب هذا لاتجاه ان البحوث العلمية الغربية العلمانية تنظر بعين واحدة وهي النظرة العلمية المادية الكمية المحسوسة فقط دون النظر بالعين الأخرى وهي جانب الروحانيات وما تشمله من عقائد وغيبيات لا يمكن للإنسان التحكم فيها وعلمها عن الخالق سبحانه وتعالى، إن من العلوم ما لا يمكن أن يدركه أو يعرفه إلا الله سبحانه مصداقاً لقولة تعالى: ﴿ومَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (الآية 85 ـ سورة الإسراء)، و قوله تعالى: ﴿والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً إن الله عليم قدير﴾ (الآية 70 ـ سورة النحل)، فلماذا لا يخطط أصحاب الاتجاه الغربي العلماني بجعل الأرض تدور في عكس اتجاهها كما قال إبراهيم علية السلام للنمرود ﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (الآية 258 ـ سورة البقرة).
أما الاتجاه الثالث فهو الوسطية والمنتسبون لهذا الاتجاه يرون أن البحث العلمي يمكن أن يبنى على مرتكزات إسلامية مع الاستفادة من ناتج البحث العلمي الغربي العلماني محاولين في ذلك المزاوجة بين اتجاه التأصيل الإسلامي والاتجاه الغربي ولعل البعض منهم لم يدرك أنهم يزاوجون بين اتجاهين مختلفين تماماً. ومن غير المنطقي أن تكون لنا هوية إسلامية وأبحاثنا العلمية تأتي مطابقة لهوية أخرى، فالبحث العلمي ليس بضاعة يمكن استيرادها أو تصديرها بل هو ناتج فكر أصيل نابع من حاجة مجتمع وخصائصه، ألم نسأل أنفسنا يوماً أليس الكثير من البحوث العلمية التي عملت بهذا الأسلوب حبيسة الأدراج والمكتبات؟ وقد أن يكون الجواب في وجه نظري أنها عملت بقالب يختلف عن قالب المجتمع الإسلامي الذي يجب أن تعيش فيه.
إن بعض المتتلمذين على العصا الغربية العلمانية يرون أن تطور ونمو الحضارات الغربية كان بفضل استخدامهم لمثل المنهج التجريبي الحديث في البحث العلمي.. أو لم يعلموا أن العلماء المسلمين قد سبقوهم في ذلك فلننظر إلى ما قاله بعض المنصفين في الحضارة الغربية حول ذلك، مثل بريفولت (Brevolt) في كتابه بناء الإنسانية في أصول الحضارة الغربية حيث يشير في كتابة إلى أأآأن روجر بيكون (Roger Bacon) مؤسس المنهج التجريبي تتلمذ في مدرسة أوكسفورد على يد معلميه المسلمين من الأندلس (محمد، ص 87)، وكذلك ما يقوله المفكر الانجليزي برتراند راسل Bertrand Russell)) من أن الأسلوب العلمي نتج عن المزاوجة بين مذهبين هما تنظير الإغريق واختبار العرب (العمري، 1405هـ)، كما أننا يجب أن نكون منصفين فنحن المسلمين قمنا باقتباس الكثير من المعارف من الغرب لذا فهي عملية علمية تبادلية تسير عبر العصور وتتأثر بتغير موازين القوى في مجال البحث العلمي.
إن من الواجب علينا كمسلمين أن نصحوا من غفلتنا وان نبدأ العمل ككثير من الأمم التي تسهم في بناء مجتمعاتها ومساعدة الأمم الأخرى من خلال العمل البحثي الجاد لنفع البشرية بهوية إسلامية تميزنا عن غيرنا وتوصلنا إلى التعاطي مع الغير في حدود ثوابتنا. إن التقدم في العلوم ليس محكوم بالاختلافات الفكرية في مناهج البحث العلمي بل يعود إلى همة الباحث ولنا في كثير من العلماء المسلمين أسوة حسنة من أمثال جابر بن حيان المبدع في علم الكيمياء وابن الهيثم في الطبيعة والرازي في الطب وابن سينا في الفلسفة والطب والغزالي في علم الروحانيات وابن رشد في الفلسفة العقلية وابن خلدون في الاجتماع والتاريخ والخوارزمي في الجبر وكثيرون غيرهم، لقد تميز هؤلاء بعلمهم وتقدموا عن أقرانهم في الأمم الأخرى ولم يكن احتفاظهم بهويتهم الإسلامية حائلاً دون تميزهم.
كباحث مسلم ومن وجهة نظر شخصية لا أرى بوجود هذه الاتجاهات الثلاثة (التأصيل الإسلامي، التغريب، الوسطية) في البحث العلمي بل هو اتجاه واحد اتجاه إسلامي علمي، فلا وجود للعلمانية في البحث العلمي أي النظر بعين واحدة في جانب الماديات دون النظر إلى الغيبيات، ولا للإسلامية لأنه لا وجود بين ما هو إسلامي أو غير إسلامي بل ان قوانين الكون محكومة بأمر الله سبحانه وتعالى حكماً توحيدياً فعندما نقول إسلامي فنحن نميز أنفسنا عن العالم الذي يجب ان يكون أصلاً توحيدياً لله سبحانه، ولا وسطياً فنحن لسنا في نزاع يمكن التوفيق فيه بالوسطية فلا يتعارض العلم مع الإسلام وذلك مصداقا لقولة تعالى ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (الآية 28 ـ سورة فاطر).
إن القول الذي يجب ان نتبناه كباحثين مسلمين أننا لا نعيش أزمة في البحث العلمي أبداً حيث أن هناك من الغيبيات التي لا يدركها إلا الله سبحانه وتعالى ولا يمكن تفسيرها بحقائق علمية إلا ما شاء لنا أدراكه لعمارة الأرض، كثير من الظواهر العلمية عجز الإنسان عن تفسيرها تفسيراً واضحاً فعلى سبيل المثال لا الحصر ظاهرة دقات قلب الجنين في رحم أمه وبث الروح فيه ليست إلا قدرة إلهية عجز العلم عن تفسيرها لكننا وفي المقابل مدعوون من الله سبحانه إلى العلم والتعلم من خلال البحث العلمي عن الحقائق.
إننا في العالم الإسلامي لا نواجه مشكلة في اختيار اتجاهاتنا البحثية بقدر ما نحتاج إلى اللحاق بركب التقدم العلمي. إن من الأسباب المهمة لهذا التنازع في اتجاهاتنا البحثية هو تأخرنا أصلاً في المبادرة بأبحاث جديدة وعدم ثقتنا في أنفسنا بل وقد وصل بنا الحال أن نحتاج من الأمم الأخرى أن تسدي لنا الخدمة بتزكية أعمالنا في إطار قبولها أو رفضها ونحن لا ننكر تقدم هذه الأمم نتيجة التقدم في البحث العلمي، فلا يجب أن نبقي في محور البحث عن تأصيل علومنا وطرق بحثنا بقدر السير في بحوثنا العلمية من واقع اتجاهاتنا الإسلامية بقناعة وثبات وأصالة دون النظر إلى الخلف، ولعلي أكون متفائلاً جداً بطلائع الأجيال القادمة لعمل ذلك لأمتنا الإسلامية في إبراز هويتنا وإنقاذ البشرية أجمع من براثن الغلو في الأفكار المادية.
المراجع:
- مرسي. منير، (1983)، البحث التربوي مفهومة أهميته أنواعه، مجلة قاعدة البيانات العربية للتربية، بحث منشور في http://ksu.opac.mandumah.com.
- غنايم. محمد، (1986)، البحث التربوي وموقع التربية الإسلامية منه، مجلة قاعدة البيانات العربية للتربية، بحث منشور في http://ksu.opac.mandumah.com.
- محمود، عبد الحليم، (بدون تاريخ)، منهج الإصلاح الإسلامي في المجتمع، دار الشعب، القاهرة، مصر.
- العمري، أكرم ضياء، (1405هـ)، التراث والمعاصرة، الدوحة، قطر.
عضو هيئة التدريس قسم التربية الخاصة
جامعة الملك سعود – تخصص صعوبات التعلم
البريد الالكتروني:
- [email protected]
- [email protected]
- موقع الكلية: http://faculty.ksu.edu.sa/almahrej/default.aspx
- التويتر: almahrej
التدريس الجامعي
تدريس أكثر من (17) مقرر جامعي في مجال التربية الخاصة
المؤهـــلات العلمية
الدكتـوراه (2015): عنوان الرسالة: فاعلية طريقة سلانجرلاند في تعلم القراءة للأطفال الذين يعانون من عسر القراءة في نظرية أورتون.
الماجستير (2005): مجال صعوبات التعلم جامعة Mochester Metropoliton في المملكة المتحدة.
التأليف
تأليف (8) كتب باللغة العربية والانجليزية:
- ديسليكسيا Dyslexia
- المختصر المفيد في علم النفس التربوي
- عسر القراءة: دليل الباحثين والمهنيين (تم نشره في ألمانيا).
المؤتمرات
- حضور أكثر من (8) مؤتمرات في مجال التربية والبحث العلمي والتعليم العالي خلال الفترة 2016 إلى 2017.
المقالات العلمية
- نشر أكثر من (10) مقالات علمية باللغتين والانجليزية حول موضوع التربية الخاصة.
خدمة المجتمع
- تشخيص الأطفال ذوي صعوبات التعلم في بعض مدن ومحافظات المملكة العربية السعودية.
- المشاركة في إعداد دليل معلم صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية.
- تأسيس لجنة تطوير برامج صعوبات التعلم في المملكة العربية السعودية.
- تقديم الاستشارات التطوعية من خلال عدد من الجمعيات التخصصية.
- إنشاء حسابين فيسبوك وتويتر للإجابة عن الاستفسارات حول مجال صعوبات التعلم.
خبرات التدريب
تقديم ورش تدريبية في مجال صعوبات التعلم لصالح:
- الأمانة العامة لجائزة التعليم للتميز.
- الهيئة الملكية للجبيل وبنبع الصناعية.
- مركز الملك سلمان الأبحاث الإعاقة.
عضويات العلمية
- عضو سابق في اللجنة العلمية رئيس فريق تحكيم فئة المرشد الطلابي ولجنة التحكيم لجائزة التعليم للتميز في المملكة العربية السعودية خلال الفترة من 2012 حتى 2018.
- عضو سابق في اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي لصعوبات التعلم في العام 2006.
الأبحاث
- نشر (3) أبحاث في مجال عسر القراءة والاشراف التربوي في مجال صعوبات التعلم.
شهادات الشكر
حاصل على عدد من شهادات الشكر والتقدير من قبل عدد الجهات مثل:
- إدارة العامة للتعليم الرياض.
- الأمانة العامة للتربية الخاصة.
- الهيئة الملكية للجبيل وينبع.
- مركز الملك سلمان الأبحاث الإعاقة.
- الجمعية السعودية للتربية الخاصة (جستر).
- تكريم من قبل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر آل سعود أمير منطقة الرياض في حفل تخريج طلاب الدورة الستين من طلاب جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية.
عضويات الجمعيات واللجان
- عضو مجلس إدارة الجمعية الخيرية لصعوبات التعلم.
- عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للتربية الخاصة (جستر).
- عضو عامل الجمعية السعودية لاضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (أفنا).
- عضو في أكثر من (20) لجنة تربوية في وزارة التعليم.