في اليوم العالمي للسكري 14 نوفمبر 2017
يتصدر عدد من الدول العربية ـ لاسيما الخليجية – قائمة البلدان العشر الأكثر إصابة بداء السكري في العالم والذي تجاوز فيه عدد المصابين 400 مليون شخص، وهو من أخطر الأمراض المزمنة، إن لم يُكشف ويُعالج بشكلٍ مبكّر يؤدّي إلى مضاعفات عديدة تثقل كاهل الفرد والأسرة والمجتمع. تدلُّ الأرقام على أن داء السّكري آخذ في الازدياد والانتشار بشكل وبائي لم يسبق له مثيل وهو أمر دعا الجهات الصحية المعنية على المستويين المحلّي والدولي إلى وضع البرامج المكثفة من أجل معالجته وتدبيره والوقاية منه، ومن ثم منع المضاعفات العديدة التي قد تنجم عنه.
من المعروف أن داء السكري يزيد أعداد مرضى القلب والجلطة الدماغية، وهو من أهم أسباب العمى أو كف البصر لما يسببه من اعتلال تدريجي في شبكية العين، كما أنه من الأسباب الرئيسة لحالات بتر الساقين والقصور أو الفشل الكلوي، وحالات اضطراب الصحة العقلية. هذا، ويبلغ ما ينفقه مجتمع ما لعلاج حالات داء السّكري بين أبنائه نحو 15 % من مجمل الموازنة الصحّية الأمر الذي يبين حجم الأعباء الثقيلة التي يلقيها على كاهل المجتمع.
اليوم العالمي لداء السكري
غيرت الحياة المعاصرة نمط عيشنا، فالفرد يقضي كثيراً من وقته أمام شاشات التلفاز والحاسوب، ويكثر من الوجبات السريعة، وباقي الأطعمة والمشروبات الغازية المحلاة ضعيفة القيمة الغذائية والضارة، بالإضافة إلى عدم ممارسة الرياضة البدنية بشكل منتظم، كما أضحت الضغوط النفسية اليومية جانباً كبيراً من جوانب حياتنا.
بينت الدراسات الحديثة أن اتباع (نمط العيش الصحي) من أنجع السبل لمواجهة ما يعرف باسم (أمراض الإنسان المعاصر) وعلى رأسها الاكتئاب، وأمراض القلب، وأمراض شرايين الدماغ، وأمراض الرئة وداء السكري.
انطلق اليوم العالمي لداء السكري أول مرة في الرابع عشر من نوفمبر/تشرين ثان من عام 1991، وفي عام 2007 أقرته الأمم المتحدة يوماً عالمياً، وفيه تقام فعاليات صحية واجتماعية وإعلامية كثيرة في مختلف أنحاء العالم.
في كل عام، يعتمد (الاتحاد العالمي لمرض السكري) موضوعاً لتسليط الضوء عليه، وفي هذا العام 2017، اختار الاتحاد شعار (المرأة والسكري – حقنا في مستقبل صحي).
المرأة العربية والسكري
يصيب السكري أكثر من 200 مليون امرأة في العالم، منها ما يزيد عن 15 مليون في المجتمعات العربية، وهذا المرض المزمن ـ عند المرأة – من الأسباب المهمة للوفاة، وحدوث أمراض شرايين القلب الإكليلية حيث تزداد لديهن عشرة أضعاف مقارنة بالنساء غير السكريات، كما تزداد مخاطر الحمل، وإصابات الجنين عند مريضات السكري النمط 1، لذلك ينبغي تعزيز خدمات الكشف الدوري والتدخل المبكر ووضع برامج صحية خاصة بالسيدات الحوامل لكشف السكري الحملي. وتأهيل العاملين الصحيين للتعامل الناجح مع هذه الحالات في مراحل الكشف المبكر والعلاج والمراقبة والمتابعة أثناء وبعد الحمل.
في المجتمعات العربية، تزداد إصابة المرأة بالسكري، وقد تزيد عن الرجال، وفي بعضها لا يتسنى للمرأة الحصول على كافة الخدمات الصحّية الوقائية والعلاجية أسوة بالرجل، وقد تغيب البرامج الخاصة بهن، ويزيد الطين بلة النظرة المجتمعية السلبية للمرأة المصابة بالسكري، الأمر الذي يتطلب بذل المزيد من الجهود الحكومية والأهلية لتكثيف التوعية المجتمعية بذلك، بالإضافة إلى تمكين منظمات المرأة وجمعيات مرضى السكري من الإسهام في برامج الرعاية الصحية الخاصة بهم.
لابد من الإشارة في هذه العجالة إلى حالات السكري الحملي الذي كثيرا لا يعطى الاهتمام الذي يستحق فقد يؤدي إلى ارتفاع الضغط، وزيادة وزن الوليد، وصعوبة في عملية الولادة، وقد تصاب المرأة بعد عدة سنوات من الولادة بالسكري النمط 2، هذا الخطر يزداد بازدياد عمر الحامل، كما تشير الدراسات أيضاً إلى أن نصف حالات سكري الحمل تنتهي بعد عدة سنوات بحدوث داء السكري لديهن، الأمر الذي يؤكد على أهمية كشف ومتابعة حالات السكري الحملي.
من الضروري التأكيد في هذا المجال على دور المرأة الكبير في صحّة أطفالها والمجتمع بشكل عام، فهي الأكثر تأثيراً في نمط عيش الأسرة، وإذا ما أحسن تمكينها، استطاعت ترسيخ العادات الصحية الحميدة، والتغذية الصحية في أسرتها، وكذلك تشجيع ممارسة الرياضة المنتظمة لتصبح جزءاَ أساسياً من حياة الأسرة وهو أمر في غاية الأهمية للوقاية من ظهور داء السكري وغيره من أمراض العصر، وكذلك في علاج أفراد أسرتها المصابين بالداء السكري. نعم، هذا يؤكد أنه للمرأة دور كبير في تحسين صحتها ويمتد إلى صحة الأجيال في المستقبل.
حقوق المرأة في الرعاية الصحية
بدأ الاهتمام بحقوق المرأة في الصحة عبر محطات تواصلت منذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، وتعمقت خلال عقد الأمم المتحدة للمرأة (1976-1985)، واعتماد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) وخاصة المادة 12 منها، وهي اتفاقية أقرتها الأمم المتحدة في عام 1979 ووقعت عليها كل دول العالم تقريباً، وأخيراً وليس آخراَ المؤتمر الرابع للمرأة المنعقد في بيجين عام 1995 الذي أكّد على ضرورة كفالة حق المرأة في التمتع بأعلى المستويات الصحية طوال دورة حياتها بشكل متساو مع الرجل. وفي 1 كانون الثاني/يناير 2016، بدأ رسمياً نفاذ أهداف التنمية المستدامة الـ 17 لخطة التنمية فقد شدد الهدف الثالث منها على ضمان تمتّع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار، وكذلك الهدف الخامس (تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات).
في السنوات الأخيرة، تصاعدت جهود منظمات المرأة العربية في ميادين تعزيز حقوق المرأة بشكل عام، وحقها في الصحة بشكل خاص لتمكينها من الإسهام في بناء مستقبل صحي أفضل، لكن التحديات التي تواجهها لازالت كبيرة وكبيرة جداً.
دعوة تتجدد
في هذا اليوم العالمي لمكافحة داء السكري وتعزيز نمط العيش الصحي في مجتمعاتنا العربية، لابد من وضع برنامج وطني شامل ومتكامل لذلك، وفي هذا المجال لابد من الاستفادة من التجارب العالمية للمجتمعات التي قطعت أشواطاً طويلة في هذا المجال، أذكر منها تجربة (سنغافورة) التي تأسس برنامجها الوطني لتعزيز نمط العيش الصحي في عام 1992، وطبقت من خلاله خططاً لخلق بيئة ممكنة للشعب لممارسة هذا النمط من الحياة لاسيما في المجالات الرياضية، والاجتماعية، والنفسية، كما أسست (سنغافورة) لجنة أهلية ضمت منظمات وجمعيات محلية لتعزيز مشاركة المجتمع، وأطلقت في عام 1999 (الحملة الوطنية لنمط العيش الصحي)، ووضعت عدة برامج وجوائز وأيام توعية، بالإضافة إلى معارض دورية للأغذية الصحية، وبرنامج تعزيز العادات الصحّية السليمة.
نعم، إن شعار هذا العام (المرأة والسكري- حقنا في مستقبل صحي)، يؤكد بوضوح أن حق المرأة في الرعاية الصحية الكاملة لا يتوقف عندها بل يمتد من خلالها إلى مستقبل كل أفراد المجتمع.
طبيب بشري حائز على شهادة الماجستير في طب الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، والبورد السوري، بالإضافة إلى الدراسات العليا من جامعة برمنجهام في المملكة المتحدةBirmingham, UK، وهو من الناشطين في المجتمع المدني العربي والدولي، له إسهامات طبية وثقافية وإنسانية عديدة، إلى جانب الكتابة باللغتين العربية والإنجليزية.
له عدة إصدارات في مجال الإعاقة السمعية، والبصرية، كما نشر المئات من المقالات والأبحاث في الصحة، والإعاقة، والعمل الإنساني والحقوقي وجوانب ثقافية متعددة.
شارك في تأسيس وإدارة وعضوية (الهيئة الفلسطينية للمعوقين)، (الرابطة السورية للمعلوماتية الطبية)، (الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم)، اللجنة العلمية لنقابة أطباء دمشق، وهيئة تحرير (المجلة الطبية العربي)، ولجنة الإعاقة بولاية كارولينا الشمالية للسلامة العامة، قسم إدارة الطوارئ، وعضو جمعية نقص السمع في منطقة ويك، ولاية كارولينا الشمالية، وعضو لجنة العضوية في تحالف الأطباء الأمريكي، ومستشار مؤقت لمنظمة الصحة العالمية إقليم المتوسط في القاهرة للمؤتمر الإقليمي (أفضل الممارسات في خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للأشخاص المعوقين)، القاهرة، مصر (نوفمبر 2007)، كما شارك في كتاب (مواضيع الشيخوخة والإعاقة)، منظور عالمي، إصدار لجنة الأمم المتحدة غير الحكومية للشيخوخة، نيويورك 2009.
(http://www.ngocoa-ny.org/issues-of-ageing-and-disabi.html)
وقد حاز الدكتور غسان شحرور خلال مسيرته على:
- درع الاتحاد العربي للهيئات العاملة مع الصم، 2000.
- جائزة الإمارات العالمية التي يرعاها الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم للعمل الطبي الإنساني عام 2002.
- درع الأولمبياد الخاص، بمناسبة تشكيل الأولمبياد الخاص الإقليمي، 1993.
- براءات التقدير والشكر من منظمات الإعاقة والتأهيل في مصر، الإمارات، قطر، تونس، والكويت وغيرها.
- منظم ومدرب (مهارات التقديم المتطورة للعاملين الصحيين والأطباء)، رابطة المعلوماتية 2006.
- جائزة نجم الأمل العالمية، للإنجازات في مجال الإعاقة، مؤتمر الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية أوتاوا، كارتاجنا، كولومبيا 32 ديسمبر / كانون الأول 2009.
- أختير ضمن رواد المعلوماتية الطبية في العالم وفق موسوعة (ليكسيكون) الدولية 2015،
Biographical Lexicon of Medical Informatics ،
http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4584086/