أصدرت إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم بوزارة تنمية المجتمع، مجموعة قصصية لأطفال من أصحاب الهمم من تأليف روحي عبدات الاختصاصي النفسي التربوي بالإدارة، وتمثل هذه المجموعة المكونة من (20) قصة، حكايات واقعية عن أطفال من أصحاب الهمم الملتحقين بمراكز التأهيل التابعة لوزارة تنمية المجتمع.
(المنال) وبالتنسيق مع الكاتب تقوم تباعاً بنشر هذه القصص على صفحاتها، وقد نشرت في العدد السابق خمس قصص هي: ضحكة تعلو الكرسي المتحرك، وفيصل الابتسامة التي لا تغيب، رحلة مستمرة في تطوير الذات، رائحة الإبداع في الهوية الوطنية وأنامل منهمكة وذوق رفيع، وننشر في هذا العدد 3 قصص هي: عبد الله.. مستقبل مشرق يلمع في عينين صامتتين، ميداليات على صدر فارسة إماراتية وجبال شامخة.. شمس ساطعة وصحراء ذهبية:
أسرة مُتعاونة ومركز مُتفانٍ
مع بدايات التحاقها بمركز عجمان لتأهيل أصحاب الهمم، بدأت (سما) باستكشاف المركز الذي يعتبر جديداً عليها بتردد وخجل، فكانت ابنة السنوات الست آنذاك، التي تختلط عليها الكثير من الأمور من حيث الوعي بالمكان وأداء المهارات التي تتدرب عليها، كان التشتت حالها إضافة إلى تخوُّفٍ كبيرٍ من قبل أسرتها، ومجموعة من التساؤلات التي تطرق ذهن أي أب وأم: هل ستتحسن طفلتي؟ هل ستكون قادرة على التفاعل مع الأطفال في عمرها؟ هل ستكون أفضل مما هي عليه الآن؟
إن سنوات الخبرة في التعامل مع الأطفال ذوي الإعاقة، جعلت معلمتها تُدرك أن العمل مع سما يحتاج إلى كثير من الصبر والمثابرة، ليس من قبل المركز فحسب، وإنما من قبل الأهل أيضاً، الذين يقع على عاتقهم دور هام في الاقتناع بالقدرات التي تمتلكها ابنتهم، وبالجهد المطلوب من أجل استكشاف هذه القدرات وتنميتها، ولعل التنبه للحماية الزائدة كانت مفتاحاً للكثير من الحلول.
فقد تفهمت الأسرة أهمية إتاحة الفرصة لسما بممارسة المهارات التي تتدرب عليها يومياً، حتى لو أخفقت فيها مراراً فسيكون حليفها النجاح أخيراً، وهذا ما حدث بالفعل.
تنامت مع الأيام علاقة تعاونية متينة بين المركز والأسرة، كانت كفيلة بأن تكون الأسرة شريكاً أساسياً في البرنامج التربوي الفردي، وليست مجرد منفذة للأهداف، بل مساهِمة في وضعها وتقييمها وتعديلها، لدرجة أن الأسرة وفَّرت كل الامكانات في البيت التي تتشابه مع ظروف وبيئة المركز، وذلك من حيث إعادة تهيئة البيئة المنزلية وترتيبها بما يتناسب مع المهارات المطلوب تحقيقها، ومن أهم هذه الأنشطة التي وفرتها الأسرة، الأنشطة الرياضية والموسيقية ومتابعة العلاجات الوظيفية والطبيعية.
وها هي (سما) قد التحقت بفصل التهيئة المهنية، لتعريفها بمجموعة من المهارات اليدوية والفنية والأدوات المستخدمة في بيئات المنزل والعمل، وهي تحقق كل يوم إنجازاً ولو كان صغيراً، بعد أن تطورت مهارات انتباهها وتركيزها، ومهارات تواصلها مع المحيطين وتكيُّفها مع البيئة الاجتماعية المحيطة، وإن كل هذه النجاحات التي حققتها (سما) إنما تُعزى لفريق متكامل في المركز، وإرادة قوية من الأسرة عبَّرت عنها بالتعاون الدائم من مختلف أفرادها، حتى الأخوة كان لهم دور هام في إخراج أختهم (سما) إلى عالم جديد، يمثل ميلاد حياة اجتماعية وتفاعلية بالنسبة لها، تحقق فيها إمكاناتها بثبات وثقة تامة، لذلك استحقت أسرتها الفوز بجائزة الأسرة المثالية، الأكثر تعاوناً مع مركز عجمان لتأهيل أصحاب الهمم.
ذكريات سريعة
كان لها طموح، ولم تشعر يوماً معلمتها أنه أكبر من قدراتها، فطالما رددت أمام زميلاتها في الفصل (سأتخرج وسأحصل على وظيفة، وسأقود سيارة) وها هي بعد سنوات من هذه الكلمات تحصل على عمل في دائرة التنمية السياحية في عجمان، هكذا تحقق حلم (عليا) بالحصول على عمل، زاد من ثقتها بذاتها وأكسبها تجربة في كيفية التعامل مع الآخرين، وجعلها مستقلة اقتصادياً وتلبي احتياجاتها المادية.
تقول (عليا) عن هذه التجربة: إن أهم شيء في العمل هو الالتزام بالوقت، وعدم التأخير عن المهام المكلفة بها من قبل المسؤول، إضافة إلى الالتزام بالتعليمات العامة لبيئة العمل وعدم إضاعة الوقت، فهي مهارات اكتسبتها من بيئة العمل، ليتخطى الهدف من العمل الأمور المادية ويمتد إلى أهداف أخرى حياتية يومية.
عودة بسيطة في الزمن إلى حياة عليا في المركز، تثبت أهمية المهارات التي تلقتها في المركز وتعميمها على عالم العمل، عندما كانت معلمتها تزرع بذور الالتزام والتعاون مع الزملاء والانضباط في بيئات العمل ضمن أهداف تعليمية وتدريبية محددة.
تستذكر معلمتها روتين عليا اليومي الذي كان يبدأ مع الأطفال في الطابور الصباحي، حين كانت تساعد المعلمات في ترتيب الطلبة الأصغر سناً، وتُشرف على تنظيمهم، وكانت عليا ترى نفسها (معلمة) وتقوم بهذا الدور بدقة وإتقان، حتى المناوبة في الساحة الخارجية كان لها نصيب من مهام عليا اليومية، حتى وصلت درجة من الثقة التي كانت معلمتها تمنحها إياها بمراقبة سلوكيات الأطفال وتقديم المساعدة لهم واللعب معهم.
ولم تقتصر هذه المهام في الساحة بل هي ممتدة إلى داخل الحجرة الصفية، من حيث توزيع المهام على الزملاء، وترتيب الأدوات بعد الانتهاء من العمل، والمبادرة إلى توزيع الطعام عليهم، وتنظيف المكان بعد الانتهاء، كل هذه المهام وغيرها كانت نابعة من رغبة متأصلة في عليا تدفعها إلى مساعدة معلمتها وزملائها، خاصة الصغار منهم.
لم تنس عليا كل هذه الذكريات الجميلة، لذلك ظل الحنين يجرفها إلى زيارة مركزها الذي ترعرعت فيه، لترى معلماتها وتستذكر أيام طفولتها، وتُسلِّم على زميلاتها، ولكن هذه المرة بثقة أكبر، ومظهر الموظفة المنشغلة التي تنتظرها الكثير من مهام العمل، فتتحين الفرصة للسلام على الزميلات بعد الاستئذان من عملها، ومن ثم العودة سريعأً لإنجاز ما عليها من مهام.
صورة وابتسامة في لباس إماراتي
حين كان (سلطان) في ربيعه الثالث التحق بمركز الفجيرة لتأهيل أصحاب الهمم، رغبة من أسرته في تطوير مهاراته النمائية والمعرفية وفق خطة فردية موضوعة خصيصاً له لتراعي احتياجاته، وأساليب في التعليم جاذبة ومشجعة تبرز قدراته وتطورها إلى أقصى قدر مكن.
لكن سلطان حينها كان خجولاً متردداً، يرتسم القلق على وجهه من مركز جديد، وأشخاص يواجههم للمرة الأولى في حياته، إضافة إلى اعتماده الكامل على المربية المساعدة في مهاراته الحياتية اليومية كاللباس واستخدام المرافق الصحية، بل وفي بعض الأساسيات التي يستطيع القيام بها وحده، فلم تُعطَ له الفرصة لأداء بعض المهارات المتعلقة بعنايته الشخصية بنفسه، فخوف الأسرة عليه واعتماده على المربية، حالا دون اكتشاف الكثير من طاقاته الكامنة وتطويرها.
لكن هذا ليس هو حال المركز، فتهيئة البيئة للطفل للاستكشاف والتعلم هي من أبجديات العمل فيه، في جو الطفل فيه هو عنصر أساسي تُسند إليه عملية التعلم، وتتاح له الفرصة لممارسة الكثير من المهارات في بيئة آمنة بعيدة عن الحماية الزائدة. كل ذلك كان سبباً في ملاحظة تطوير عملية التواصل عند سلطان.
فبعد أن كان الصراخ والبكاء والحركات الجسدية هي الوسائل التي يلجأ إليها في التعامل مع العالم الخارجي، أو التعبير عن رغباته واحتياجاته، بدأت ملامح الكلمات البديلة ذات المدلول والمعنى بالظهور، ويوماً بعد يوم كوسيلة مقبولة اجتماعية للتواصل مع الآخرين.
هذا التطور اللغوي كان يرافقه تطور معرفي وانفعالي أيضاً، حيث بدأت المفاهيم تنساب شيئاً فشيئاً إلى عالمه، ليتعرف أكثر على محيطه، ويفهم ما تلمحه عيناه من أحداث وأشخاص، ممسكاً الألوان ليداعب بها وجه أوراقه البيضاء، فترتسم لوحة جميلة ممتزجة الألوان، تحكي قصة الجمال الداخلي الذي يملكه هذا الطفل وحبه للحياة. هذه الطاقات التي يفرغها بالرسم وبمختلف الأنشطة ساهمت باستقراره الانفعالي وتكيفه مع البيئة المدرسية، وخففت من سلوكه الجامح، محددة ملامح صورته الحقيقية التي تمثل طفلاً محباً للتعلم، وقادراً على إظهار مهاراته.
هذا هو (سلطان) الطفل من ذوي متلازمة داون الذي يحبه زملاؤه ومعلماته، كونه رمز للمبادرة ومساعدة الآخرين في الفصل، ينظر إلى صورته كلما التقطت له المعلمة صورة في زيِّه الوطني الاماراتي، فيبتسم أمامها فخوراً بذاته، تلك الابتسامة الجميلة التي وضعها المركز شعاراً ليوم التراث الذي يتم الاحتفال به.
- دكتوراه الفلسفة في التعليم الخاص والدامج ـ الجامعة البريطانية بدبي
- يعمل حالياً في إدارة رعاية وتأهيل أصحاب الهمم ـ وزارة تنمية المجتمع ـ دبي.
- له العديد من المؤلفات حول التقييم والتأهيل النفسي والتربوي وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة.
- باحث مشارك مع مجموعة من الباحثين في جامعة الامارات العربية المتحدة للعديد من الدراسات المنشورة في مجال التربية الخاصة.
- ألقى العديد من المحاضرات والدورات وشارك في الكثير من المؤتمرات حول مواضيع مشكلات الأطفال السلوكية، وأسر الأشخاص المعاقين، والتقييم النفسي التربوي، التشغيل، التدخل المبكر.
- سكرتير تحرير مجلة عالمي الصادرة عن وزارة تنمية المجتمع في الإمارات.
- سكرتير تحرير مجلة كن صديقي للأطفال.
جوائز:
- جائزة الشارقة للعمل التطوعي 2008، 2011
- جائزة راشد للبحوث والدراسات الإنسانية 2009
- جائزة دبي للنقل المستدام 2009
- جائزة الناموس من وزارة الشؤون الاجتماعية 2010
- جائزة الأميرة هيا للتربية الخاصة 2010
- جائزة العويس للإبداع العلمي 2011