نجح علماء أمريكيون في التحكم بحركة الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية باستخدام تقنية جديدة تسمح بالتحكم في إرادة الشخص لأداء حركة معينة كأن يحرك مثلاً ذراعاً صناعية بسلاسة للشرب مثلاً أو لتناول الطعام من دون مساعدة من آخرين.
وأوضح العلماء أن التقنية الجديدة، التي تسمح بتوظيف القوى الذهنية لتحريك الأطراف الصناعية، تتضمن زرع أقطاب كهربائية دقيقة في منطقة بالمخ تتحكم بحركة هذه الأطراف والأجهزة التعويضية.
قال العلماء، وهم جراحون بكلية طب كيك بجامعة جنوب كاليفورنيا، في الدراسة التي نشرت في دورية «ساينس» العلمية إنهم قاموا بتركيب قطبين كهربائيين صغيرين في منطقة القشرة الجدارية الخلفية بمخ مريض من لوس أنجلوس يدعى إيريك سورتو (34 عاماً) كان قد أصيب بشلل رباعي إثر إصابته بطلق ناري عام 2002، ثم تم توصيل الأجهزة التعويضية العصبية بالكمبيوتر لمعالجة البيانات التي يصدرها مخ سورتو لتحديد ماذا يريد على وجه الدقة، ما مكّنه من التحكم بذراع آلية كانت موجودة على طاولة قريبة، وفي مؤشر فأرة الكمبيوتر.
وقال ريتشارد أندرسون، المشرف على الدراسة، والذي يعمل بمعهد كاليفورنيا لتكنولوجيا العلوم العصبية: «أمكن لسورتو تعلّم كيف يمسك بأشياء مختلفة وممارسة ألعاب الفيديو أو يرشف مشروباً».
وأوضح أندرسون أن منطقة القشرة الجدارية الخلفية بالمخ مصدر خصب للإشارات يمكن استخدامه لتحديد أغراض شخص مشلول، مضيفاً أنه يمكن الاستعانة بهذه الإشارات للتحكم في روبوتات ذكية وأجهزة كمبيوتر لتحديد تفاصيل الحركة أو أجهزة خارجية مثل الذراع الصناعية.
وقال: «في السابق كان يجري زرع الأجهزة التعويضية العصبية في منطقة القشرة الحركية، وهي منطقة بالمخ تتحكم مباشرة في حركة الجسم، للمرضى المصابين بالشلل، لكن مع قدرة هؤلاء المرضى على التحكم بالذراع الآلية كانت الحركة تأتي متأخرة ومرتعشة، إلا أن زرع الأجهزة التعويضية العصبية في جزء من المخ يتحكم في الإرادة والحركة جاء بنتائج طبيعية بدرجة أكبر.
وقال سورتو إن أمامه العديد من المهام التي يريد إنجازها مستقبلاً.
وكانت أول تجربة مماثلة استهدفت مساعدة الأشخاص المشلولين ومبتوري الأطراف على العيش حياةً أكثر استقلالية بالطريقة التي طبقت مع المريض الأمريكي إريك سورتو، قد أُجريت عام 2008 على قرود مبتورة الأعضاء تم تعليمها كيفية إطعام نفسها باستخدام ذراع آلية يتحكم فيها الدماغ.
وقد سمح جهاز مزروع في أدمغة الحيوانات، يلتقط أنماطاً من النشاط العصبي، بتحريك أطرافها الصناعية برشاقة كافية لتصل إلى الطعام الذي وضع لها، بحيث تمسك به وتضعه في أفواهها.
واعتبر الخبراء أن ذلك النجاح كان أفضل دليل على ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا في نقلة نوعية للمشلولين بسبب إصابات في الحبل الشوكي والسكتات الدماغية أو مرض العصب الحركي.
وهناك مزروعات مشابهة استخدمت لتمكين الأشخاص ذوي الشلل الرباعي من تحريك فأرة الحاسوب بما يمنحهم القدرة على فتح البريد الإلكتروني وكتابة الرسائل بل وحتى تحريك ذراع آلية أكثر بساطة.
وقال رئيس فريق البحث بقسم الأعصاب في جامعة بيتسبرغ، البروفيسور أندرو شوارتس، في حينه إن الهدف من التجربة هو تصنيع جهاز تعويضي للأشخاص المشلولين شللاً كاملاً. وإن الهدف النهائي هو الفهم الأفضل لتركيبة الدماغ المعقدة.
وأفادت تلك الدراسة أنه تم غرس مجسات في أدمغة القردة بسماكة شعر الإنسان سجلت إشارات من المنطقة القشرية الحركية المتحكمة في الحركة، ثم تم تلقينها كيفية تحريك الذراع الآلية، التي وضعت قرب الكتف، بتحريك عمود توجيه بأيديها.
وبمجرد إجادتها لهذه المهارة، قيدت أذرع القرود بينما تمت معالجة الإشارات الواردة من المجسات الدماغية بواسطة حاسوب والتي استخدمت للتحكم في الأطراف الصناعية. ومن ثم تعلمت القردة بسرعة التحكم في الذراع الآلية.
وأشار خبراء إلى إمكانية تطبيق الدراسة على البشر، لكنهم نبهوا إلى وجود تحديات فنية، حيث أن جودة الإشارات المستقبلة من الدماغ اضمحلت في التجارب السابقة مع الوقت، كما أن الأذرع الآلية ليست سهلة الحمل ولم تتطور لتكون حساسة للمس، ومن ثم يصعب ضبط القوة التي تمسك بها الأشياء، بيد أن العلماء الأمريكيين أثبتوا في تجربة التقنية نفسها على البشر بعد سبع سنوات خطأ تلك التوقعات.
وفي نهاية العام الماضي أصبح الأمريكي ليه بوف، مبتور الذراعين على مستوى الكتف، أول شخص في العالم يستخدم أطرافاً اصطناعية، يتم التحكم فيها بواسطة الدماغ.
وكان بوف فقد ذراعيه في حادث قبل 40 عاماً، ولكن خبراء في جامعة جونز هوبكنز بولاية ميريلاند الأمريكية، تمكنوا من تطوير ذراعين اصطناعيين، يتحكم بهما بمجرد التفكير في الحركة التي يريدها.
وقد خضع بوف لفترة من التدريب، لتنشيط عضلاته، استطاع بعدها رفع الأشياء، وتنفيذ مجموعة من الحركات بكل ذراع على حدة مستخدماً هذا الاختراع، الذي قال الخبراء في حينه إنه سوف يغير الطريقة، التي يتم بها استخدام الأطراف الاصطناعية.
يذكر أن شركة أيسلندية تحمل اسم Ossur كانت قد طورت تقنية مماثلة شديدة التطور تمكن مبتوري الأطراف من التحكم بأطرافهم الصناعية بواسطة أفكارهم وعقولهم.
وكشفت الشركة خلال الإعلان عن هذه التقنية مؤخراً النقاب عن ساقين وقدمين صناعيتين يمكن أن يسيطر عليها الشخص من مبتوري الأطراف بواسطة عقله، باستخدام أجهزة استشعار مزروعة داخل الأنسجة العضلية. وقالت إنه خلال التجارب نجح الأشخاص مبتوري الأطراف في السيطرة على أطرافهم المفقودة بنجاح. واعتبرت التقنية الجديدة بأنها المرة الأولى التي يمكن لمبتوري الأطراف السيطرة على أرجلهم لا شعورياً ما يسهل الطريق على العلماء لابتكار أجهزة أكثر تطورًا في المستقبل.
وقال أحد المرضى الذين تم اختبار التقنية الأيسلندية معهم ويدعى جودموندور أولافسون، والذي فقد قدمه اليمنى وأسفل الساقين منذ سنوات إثر حادث مروري في مرحلة الطفولة، إن هذه التقنية مكنته من السيطرة على أطرافه الصناعية التي تحمل اسم Propiro Foot، وذلك بعد أن تم استخدام أجهزة استشعار صغيرة تم زرعها جراحياً في الأنسجة العضلية المتبقية فوق الساق في 15 دقيقة، ليتمكن من تحريك قدمه مرة أخرى. وأوضح أن الأمر لم يستغرق سوى 10 دقائق للسيطرة على قدميه.