يتسم العمل في ميدان الأشخاص ذوي الإعاقة بأنه ممتع ومرهق إن لم يكن مؤلماً في آن معاً، ولكنه عنوان الاخلاص والتحدي به تسمو صور جميلة من جوانب النفس الإنسانية.. فيه معاناة وإبداع وتضحية وبذل وعطاء..
في هذا العمل الإنساني النبيل حيث تبدو تلك السمة الزاهية هي مبدؤه يتمنى الكثيرون الانضمام إليه والغوص في أعماقه ودهاليزه الإنسانية الخفية التي قد تكون مجهولة لمن لم يعرفها أو هي كبزوغ الشمس لمن تعايش معها.
لكن هذا العمل سيظل قيمة إنسانية نبيلة في ذات الشخص إذا توافق مع قاعدة متينة ثابتة مبدؤها التفاني والإخلاص والعزيمة والإرادة والسعي لتحقيق الذات وإعطاؤها قيمتها الحقيقة بالعمل الممتزج بأعماقه الروحية والفكرية والعاطفية.. عندها سيكون عمله ذا سمة إنسانية فيها المتعة والبذل لأنه خالص لوجه الله تعالى ومن ثم إرضاء لضميره وتحقيقاً لذاته.
في اعتقادي أن العمل في ميدان الأشخاص ذوي الإعاقة يحتاج إلى أناس لديهم نقاء في المبدأ وقيم إنسانية متأصلة في النفس بغض النظر عن العائد المادي، وهذه هي قاعدة أساسية لنجاح الشخص في عمله والذي سيؤثر إيجاباً على العمل بشكل عام ومن ثم على الفئة المراد تقديم الخدمة لها، ولذا من المفترض فيمن يعمل في هذا الميدان أن تتوافر فيه سمات شخصية ونفسية مميزة أهمها الصبر والقدرة على التحمل والثبات النفسي وتسخير الامكانات والقدرات لتقديم الخدمة لهذه الفئة، وبذلك يؤثر من تتوافر فيه هذه السمات على نفسه وعمله.
والايثار بهذا المعنى هو أن يقدم الشخص ذاته للآخرين قبل أن ينال هو ما يصبو إليه، ولذا نجد بعض الأشخاص ممن يعملون في هذا الميدان وفق محددات عمل موكلة إليهم في فترة زمنية معينة هي الدوام ينتهون وجدانياً وجسدياً وفكرياً بمجرد انتهاء الدوام.. أي بقدر العمل الذي يعمله ويستحق عليه أجراً، لذلك فإن عمله يصبح مرتبطاً بالمادة وهي حاجة إنسانية لا ننكرها.. ولا نغفل في الوقت ذاته حقيقة أن الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعنا فئة لا يكفي أن نعمل معها وفق ما رسم وخطط لنا من أعمال وواجبات، بل لابد من التضحية والبذل والعطاء اللامحدود سواء أثناء العمل الرسمي وما يرتبط به من أنشطة وفعاليات تخدم الشخص ذي الإعاقة أو خارج أوقات الدوام وبدون أجر مادي وذلك بالسعي إلى مساعدة أسرة الشخص ذي الإعاقة على رعايته مادياً وأسرياً.. بمعنى أن يكون أحد المقربين من الأسرة، وهذا العمل الإضافي أو التطوعي أو ايثار الآخرين هو قيمة حقيقية في العمل الإنساني، وهذا العمل لا يقتصر على العمل في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة بل نراه في مجالات إنسانية أخرى تخدم المجتمع كالمجالات الدينية والأمنية والصحية وكلها تصب في صميم مصلحة الفرد ولها آثارها الايجابية الواضحة.
إن جهود العاملين خارج أوقات عملهم خدمة للمجتمع هو إيثار للآخرين، وجهود الأفراد المخلصين الذين وهبوا أنفسهم للأعمال التطوعية هو أيضاً مجال من مجالات الايثار هي من أسمى معاني العمل الإنساني.
إن ما نراه حالياً في وطننا العربي من نماذج رائعة قدمت وبذلت وآثرت على نفسها خدمة لهذه الفئة مهما كان موقع ومستوى هذه النماذج الاجتماعي أمر يستحق التقدير، ولو أنني سأضيف شيئاً جديداً بإبراز أسماء هذه النماذج لفعلت ولكنها حقيقة قامات إنسانية عالية ترفض الظهور أو حتى الإطراء الإعلامي لأن عملها في الأصل ايثار على النفس بدون مقابل وهي بالفعل نماذج رائعة وهبت نفسها خدمة للأشخاص ذوي الإعاقة وتشعر بأن عملها فيه متعة ولذة حقيقية، وسوف تظل تضحياتها علامة بارزة في مجتمعاتنا تستحق التقدير والإشادة والاقتداء بها حتى لا تصبح مع مرور الوقت عملة نادرة.