عقدت فعاليات نهائيات مسابقة (فيرست ليجو) لبرمجة وتصميم الروبوت بمقر مركز الإبداع وريادة الأعمال (تيك) بهيئة تنمية صناعات تكنولوجيا المعلومات (إيتيدا) بالقرية الذكية برعاية وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبالتعاون مع وزارة التربية والتعليم بهدف تعزيز مفهوم الابتكار ونشر ثقافة ريادة الأعمال في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وهي مسابقة تنظم من أجل الإبداع والتميز في العلوم والتكنولوجيا والهندسة.
شارك في المسابقة 120 فريقاً من الأطفال والطلائع الذين تتراوح أعمارهم بين 9 إلى 16 عاماً بعقول مبتكرة وأصابع مبدعة في تصميم الروبوت وأذهان مطورة في عالم البرمجيات بصورة تبعث على الأمل في أن من سيحمل راية مصر بالفعل هم أجيال لهم رؤى وإبداعات تواجه تحديات العصر وتكنولوجيا المستقبل.
وسط هذا الصخب لتلك الأعداد الهائلة من الفرق المشاركة في المسابقة تلاحظ وجود ثلاثة فرق تعمل في صمت تتواصل بحركات أناملها وتعبيرات الوجه من خلال لغة متعارف عليها بينهم هي لغة الاشارة.. إنهم من فئة الصم وضعاف السمع.. يتواصلون فيما بينهم وعن بعد بحركات الأيدي.. يمارسون مهامهم في ضبط وتعديل برمجة الروبوتات الخاصة بهم في هدوء غير معهود.. واثقين من أنفسهم.. سعادتهم بالمشاركة في هذه المسابقة وسط السامعين وضعت الابتسامة على شفاههم طوال يومي المسابقة.. تجاذبنا أطراف الحديث مع الفرق الثلاث من خلال مترجمي لغة الإشارة الذين اتسموا أيضاً بسمات الصم في استمرار وجود الابتسامة على شفاههم ونظرة الأمل والتفاؤل تغمرهم: محمود صلاح، فاطمة حسن وبسنت السيد.
بدأنا بفريق Super Bat فكان حديثنا مع مدرب الفريق محمد صلاح وهو أصم وهو مدرب الفريق لإعداد اختراع الروبوت لمشروع المسابقة.. حيث أفادنا بأن مسابقة الفيرست ليجو للروبوت تتبنى كل عام تحدياً جديداً وحقيقياً يواجهه عالمنا الذي نعيش فيه ومطلوب من الفرق أن تعمل على ايجاد حلول مبتكرة لهذا التحدي.. وأن مسابقة هذا العام كانت في إطار مسماها Animals Allies أي حلفاء الحيوانات.. وهي لا تقصد أبدا الوقوف بجانب الحيوانات ودعمها بقدر ما هي تبادل المنفعة بين الحيوان والانسان من توفير الحماية لها والاستفادة من خيراتها بل وإمكانية التعرف على سماتها وتميزها لتبنى منها صور محاكاة لها في إبداعات ترتقي بعالمنا وحياتنا.
وتدخل محمد هشام في الحديث وهو أصم أيضاً ومدرب ذات الفريق ولكن في مجال تصميم وبرمجة الروبوت وبالتالي هو صاحب الدعم الفني الأكبر لفريقه للوصول بهم إلى المركز الأول في تصميم وبرمجة الروبوت والذي حقق المركز الاول بالمسابقة حيث عبر عن سعادته البالغة وقال بحماسة عالية معبراً بأنامله وبلغة الإشارة التي يبدع فيها أيضاً: الآن أستشعر الفخر بقيمتي الإنسانية بأنني أصم ولأنني مدرب في مجال تصميم وبرمجة الروبوت وبإبداع يفوق المستوى أبهرنا به الجميع وأثبتنا أن فرقنا بالفعل متميزة جداً على المستوى القومي والدولي..
نظرت إلى أعضاء الفريق.. عيون براقة لامعة يملؤها الأمل، أعمار صغيرة بوجوه تؤكد على التحدي وإثبات الذات: فاطمة بلال، روان علي، أحمد هشام، يوسف مصطفى، دعاء جلال ومريم جلال.
بادرت فاطمة بالحديث: لقد شاركت في مسابقات الروبوت محققة المراكز الأولى في مصر، أستراليا إندونيسيا، روسيا، والهند ولا زلت أحلم بالسفر لكل بلاد الدنيا ليس فقط لمتعة السفر والانبهار بثقافات العالم ولكن لأكون بالفعل سفيرة للصم بشكل عام وسفيرة للصم لنؤكد للعالم كله بأننا بالفعل لدينا قدرات اجتزنا بها الإعاقة بمراحل..
روان علي وعلى شفاهها ابتسامة الثقة بالنفس والاحساس بالأمل أضافت: لقد شاركت في مسابقات الروبوت منذ عام 2015 وحققت مع صديقتي فاطمة بلال المركز الأول بمصر أستشعر الفخر بنفسي وبأسرتي وزميلاتي بالمدرسة وعائلتي وجيراني.. اختلفت نظرتهم جميعهم تجاهي بلا استثناء لقد تحولت نظرتهم من الشفقة والعطف إلى نظرة التقدير والفخر بي وبقدراتي.. لقد انتزعت احترام الجميع لي وللصم.. نحن حقاً نستحق أن تنظر إلينا الدولة نظرة اهتمام وتقدير؛ نظرة لقيمتنا الإنسانية ولقدراتنا الابداعية.. وليس أبداً لإعاقاتنا السمعية.. فإننا نمتلك وبحق قدرات تحدينا بها أقراننا السامعين في مصر والعالم أجمع..
ولفت انتباهنا أحمد هشام بشعره الأملس بسواده اللامع المنسدل على جبينه ويغطى أذنه بشكل متميز ولاحظنا ارتداءه سماعة أذن مرتبطة بقوقعة أذن إلكترونية ليدخل في الحديث قائلاً: هذه أول مرة أشارك في مسابقة الليجو للروبوت.. كما أسعد بأنني أحمل اسم أحمد هشام فإن لي زميلاً من ضعاف السمع يكبرني بأعوام قد خاض ذات طريق الروبوت والبرمجيات وحصل على شهادة متميزة من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بمنحة دراسية كاملة آمل ان تخصص الأكاديمية لنا جميعا مكاناً بها وأن تتيح لنا اهتماماً خاصاً لقدراتنا وابداعنا والتحدي الذي يملؤنا.. سعيد أن لي قدوة من أقراني الصم وليس فقط من السامعين لقد أصبح لدينا من الصم من هم متميزون نعتبرهم مثلاً أعلى لنا بالفعل..
وبابتسامة لم تفارق وجهه وسعادة غامرة التقينا صاحب البشرة القمحية البشوش دوماً يوسف مصطفى إنه أصم تماماً ويعبر عن ذاته من خلال حركات أنامله بلغة الإشارة تلك اللغة التي وجدنا فيها التحدي والإبداع هي ذات اللغة التي أخرجت من داخلهم القدرة على التعبير عن إرادتهم في الحوار والتعبير عن قدراتهم داخل إبداع الروبوت، فقال يوسف: أنا ابن لوالدين من الصم لقد شاركت في عدة مسابقات للروبوت وسعيد بهذا التميز وهذا النجاح وكما أسعدنا فهو أبهر الجميع وجعل الجميع ينظرون إلينا نظرة تقدير واعتزاز وإعجاب.. لقد انتزعنا هذه النظرة لنؤكد أننا نحن الصم نستحق أن نتواجد داخل المجتمع وبين أفراده وبينهم وأن نكون قدوة ومثلا أعلى حتى للسامعين..
تبقى من الفريق ابتسامتان لفتاتين تملأ السعادة قلوبهم وبريق الأمل في عيونهما ويتشابهان في الشكل إنهما دعاء ومريم الشقيقتان من الصم أيضاً.. أما دعاء فقد عبرت بلغة الإشارة وبحركات الأيدي وبثقة كامنة بداخلها: لقد كان مشروعناً عبارة عن سيارة تم تركيب عليها وحدتين حساستين للموجات فوق الصوتية Ultrasonic sensor تعمل عمل الرادار الموجود بإذن الخفاش بحيث أنها تضع دوماً مسافة بين السيارة خلفها والسيارة أمامها وتتوقف إذا لزم الأمر من خلال برمجة خاصة لمشغل السيارة بل وأضفنا لها حساسين للضوء أيضاً Light sensor ليتبع الخطوط البيضاء على الطريق ليسير داخل حارة الطريق المخصصة للسيارة. لقد قمنا بعمل الماكيت وقدمنا العرض كاملاً دون حوادث وقمنا بتطوير المشروع ليصل إلى درجة عدم الاصطدام بالأشخاص في الطريق والوقوف أيضاً عند الإشارات الحمراء بالطريق ذاته.. لقد استفدنا من إبداع الخالق سبحانه وتعالى في أذن الخفاش وقمنا بعمل محاكاة له يمكن أن تحقق لنا الأمان في شوارعنا..
أما الصغيرة مريم فأضافت: إننا نضع في تصورنا لهذا الإبداع للسيارة بأن نربطها بجهاز تتبع GPS ليتيح إبداعاً أكبر بسير السيارة على الطريق بدون سائق وبدون حوادث، أثق في أننا سنوجد مكاننا في المجتمع.. نستشعر الأمل.. نحب بلدنا التي بها وصلنا إلى هذا المستوى الرائع من الإنجاز.. ونثق في إننا وبأيدينا سنؤكد لمصر إننا خير استثمار لها على هذه الأرض الطيبة..
أنهيت حديثي مع الفريق الأول لأزداد انبهاراً بهذا العالم.. عالم الصم.. وازداد تشوقاً لاستكمال الحديث مع الفريق الثاني بلا كلل أو ملل.. لقد رفعوا بداخلي الإحساس بالتفاؤل والأمل.. وزادوا من دافعيتي نحو استكمال حديثي معهم.. شيء مبهر يبعث على التفاؤل في مستقبل متميز يحققه الصم.. فكان لقائي الثاني مع فريق من الصم أيضًا بمدربه الأسمر ابن أسوان جمال محمود ومعه مدرب المشروع البشوش أندرو وكلاهما من الصم أيضاً.
في لقائنا مع جمال قال: لقد بدأت طريقي في مجال الروبوت كلاعب منذ عام 2010 لن أنسى أبداً من قاموا بتدريبي من مهندسي الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا: م. إيمان الملاح، م. كريم يسرى م. جلال، م. ممدوح عزمي وغيرهم.. لقد وضعوني على أول الطريق للمشاركة في مسابقة الروبوت بمصر.. كما شاركت قى المسابقة الأوروبية للروبوت بتركيا والمسابقة العربية للروبوت بدولة الإمارات العربية المتحدة.. وها أنا ذا أضع ما اكتسبته من خبرات ومهارات كاملة لأدرب بها إخواني وأخواتي الصغار من الصم وضعاف السمع..
وبادر أندرو وهو مدرب مشروع الروبوت لذات الفريق: لقد شاركت بمسابقات الروبوت منذ 3 سنوات.. ولقد أبدعنا في تصميم مشروع الروبوت ومارست مع الفريق مهارات البحث والتعلم والإبداع.. لقد حققنا دمجنا بأيدينا وبأنفسنا في مجال الروبوت.. لقد أثبتنا للمجتمع قدراتنا وإبداعاتنا.. ألا ترى المؤسسات التكنولوجية في مصر أن تستفيد مما وهبنا الله سبحانه وتعالى من قدرات وما ننميه لدينا من إبداعات…!!
أنظر إلى فريقه لأجده من أربعة أفراد: آدم.. عمرو.. أمين.. حسن، وبدأت حواري مع آدم ذو الشعر الأشقر وعين ينطلق منها بريق الذكاء والتفتح قائلاً: رغم صغر سني إلا إنني اكتسبت مهارات كثيرة في مجال الروبوت.. لقد شاركت في مسابقة للروبوت بروسيا وأخرى بإندونيسيا وهو ما دفعني لاستمر في تعلم المهارات في تصميم وبرمجة الروبوت.. إننا بالفعل من ندمج أنفسنا بالمجتمع بذاتنا.. وإننا من نحقق قيمة ذاتنا بأنفسنا.. وإننا من نغير نظرة المجتمع تجاهنا.. الآن أقولها.. أفخر بأنني أنتمي لفئة الصم.
أما عمرو ذو الشعر الأسمر والبشرة البيضاء المفعمة بالإشراق وبابتسامة لا تغيب عن وجهه فقد عبر بالكلام أحياناً وبلغة الإشارة أحياناً أخرى باعتباره من فئة ضعاف السمع: أنا وفريقي بذلنا الكثير من الجهد لنصل إلى هذا المستوى الرائع من الأداء والتميز وسط 120 فريقـاً جميعهم من السامعين.. لقد كنا بالفعل على قدر المسؤولية في المسابقة ليس لمجرد الحصول على مركز متقدم وأخذ لقطة فوتوغرافية مع الكأس.. إنها رحلة طويلة من التحدي زرعناها بداخلنا لنؤكد للمجتمع ككل أننا نقدر وأننا نستطيع وإن استثمر المجتمع فينا سيجد ما ينشده من قيمة.. سنكون نموذجـاً يحتذي به شباب مصر إذا ما اتيحت لنا الفرصة كاملة.. فهل من مستجيب؟!!
أمين بسماعته التي يتابع بها حديثنا بجانب قراءته لحركة الشفاه وطوله اليافع الذي يعبر عن ثقة بالنفس أفاد: سعيد بأننا في هذا الموسم حققنا هذا التميز لنحصل على المركز الثاني مجاورين لزملائنا الصم الحاصلين على المركز الأول.. لقد كان إبداعنا بمشروع الروبوت هو King Snake وهو عبارة عن الاستفادة من سمة في الثعبان بوجود ندبات حساسة أعلى فمه يستشعر بها حرارة جسم أي كائن حي قريباً منه فيرى صورة هذا الكائن في عقله كصورة حرارية فيتمكن من القبض على الفريسة والتهامها. لقد استفدنا من تلك السمة في الثعبان بجانب حركته الالتوائية.. وقمنا بتصنيع ثعبان من الروبوت أضفنا في تصميمه الحركة الإنقباضية والانبساطية لجسمه، وكذا الحركة الالتوائية لينفذ عبر الأنقاض داخل المباني المنهارة.. ثم أضفنا إليه حساسًا للحرارة بحيث يمر بحركته الالتوائية داخل الأنقاض بسهولة.. وبالحساس يستشعر الحرارة لجسم دافئ لشخص من الأحياء تحت الأنقاض ليصل إليه، كما أضفنا للثعبان الروبوت كاميرا فيديو صغيرة وكشاف ضوئي مرتبط بشاشة مراقبة خارج الأنقاض يحدد بها ما يراه الثعبان ومكان وصوله واكتشافه لجسم إنسان حي تحت الأنقاض، ثم يكون الحفر داخل الأنقاض وصولا ً لإنقاذ الشخص الحي أسفل هذه الأنقاض.
حسن وبصوته الواضح جدًا لكونه من ضعاف السمع وبدرجة بسيطة من فقد السمع مع وجود سماعة أذن يرتديها أفاد: نحن الصم من نقدم الحلول لمجتمعنا ولا زلنا.. إن هذا المشروع وهو King Snake قد أتعبنا كثيراً في البحث عن سمات الثعبان وصولاً إلى تلك المعلومات من خلال البحث عبر أفلام الفيديو التسجيلية بجانب البحث في المواقع العلمية بشبكة الإنترنت.. أما في تصميمه فقد كان تعاوننا كفريق واحد الفضل الأكبر في الوصول إلى هذا التصميم وما يتطلبه من برمجة.. نؤمن بالعمل كفريق ونتحلى بالإيثار وانكار الذات.. ولم يكن الفوز فقط هو حلمنا… بل كان سعينا الدؤوب للوصول إلى هذه المعلومات والمعارف.. ووضع الحلول لتحديات مسابقة هذا العام كان الأكبر.. وهو ما توصلنا به إلى هذا المستوى المتميز من الإبداع.
يزداد انبهاري وإعجابي بهم وتزداد ثقتي في قدراتهم ومهاراتهم ويزداد إعجابي بقيمتهم الإنسانية في قدراتهم التي تدعمها بالفعل إعاقتهم السمعية.. وتحديهم ليس فقط من أجل المسابقة بل هو تحدى من أجل الوجود واثبات الذات وسط المجتمع الأم.. إنهم هم حقاً من أوجدوا مكاناً لهم وسط المجتمع.. بل وأصبحوا الأكثر تميزًا عن السامعين.. بريق أمل واضح، يؤكد أن مصر ستظل مهد المبدعين وأرض الإعجاز..
أزداد تشوقاً لأن التقى الفريق الثالث.. إنه فريق Smart Dolphin بمدربه نادر شريف في مجال الروبوت والمدربة بسمة السيد في مجال المشروع.. بدأ نادر حديثه قائلا: لقد بدأت في اختراق عالم الروبوت في عام 2008 ومنذ أن وطأت قدمي عالم الروبوت لم أجد سوى النجاح والتميز والتفوق دائماً كلاعب.. كان التميز والتحدي بمصر ثم كأس أحسن مشروع روبوت بالأردن 2009 يليه المركز الأول في مصر وسط السامعين عام 2010 ثم كأس أفضل مشروع روبوت وكأس أفضل تدريب وإشراف في المسابقة الدولية للروبوت بأمريكا 2010 وسط 84 دولة مشاركة وأكثر من 120 فريقـاً من كافة دول العالم جميعهم من السامعين لأنتقل إلى مرحلة أفضل بأن أصبح مدرباً لفرق الروبوت من الصم، ونحقق المركز الأول في مصر عام 2012 وانضم بعدها إلى الجمعية التي تتبنى إبداعاتنا أكثر من مائة متدرب من الصم في مجال الروبوت ونحو أكثر من إثني عشر مدرباً منهم في ذات المجال..
أما بسمة السيد فهي من السامعين وتقول: أنا شقيقة لأخ يكبرني سناً من ضعاف السمع، ولكن ما أراه الآن هو إبداع جيل من الصم وضعاف السمع.. لقد بهرت بهم، وما كنت أتصور هذا التحدي وهذه الإرادة الجميع ينظرون إليهم بانبهار وتقدير لافت للانتباه.. أفتخر بأنني ضمن نسيج هذا التميز واثقة في أنهم سيجدون مكانتهم في هذا المجتمع بأيديهم.. نجاحهم وتميزهم موثوق فيه إذا ما تم تقدير قدراتهم والثقة في إمكاناتهم.. لقد حققوا ذلك من خلال جمعية أهلية.. فما بال الأمر إن اجتمعت مؤسسات الدولة للارتقاء بهم..
نظرت إلى الفريق.. تنوع كبير الطويل والقصير.. الأصم وضعيف السمع.. ابن الإسكندرية وابن أسوان.. محمود، فاروق، نورهان، آلاء، حسام، روان. في لقاءنا بمحمود ذو البشرة السمراء ابن اسوان قال: تعبنا كثيرا لنحقق هذا الانجاز لقد حصلنا على المركز الخامس بجدارة وسط مائة وعشرون فريقا وحصلنا على كأس التحدي من لجنة التحكيم.. أننا في هذه المسابقة وبقدراتنا جعلنا الجميع ينظرون إلينا نظرة إعجاب وتقدير رأيتها بأعينهم بمتابعتهم لأدائنا.. أزداد فخراً لكوني أصم.. لقد استشعرت في أعين المشاركين والمنافسين لنا في المسابقة وكأنهم تمنوا ولو للحظة لأن يكونوا مثلنا في هذا التميز حتى لو أصبحوا مثلنا صماً!
فاروق ظهر مرتدياً سماعة أذن وقال معبراً ما بين لغة الاشارة وحركات الشفاه: دومًا ما كنت ألاحظ أنه لا وجود لنفسي في هذا المجتمع.. أتلمس طريقي في حذر أخطو خطواتي ببطء شديد وخوف من هذا المجتمع لكنني في هذه المسابقة أصبحت أكثر قدرة على مواجهة التحديات وأجد بداخلي القدرة على المبادرة نحو إثبات الوجود وبكل ثقة وبإرادة حقيقية دون تخوف من المجتمع.. لقد أعطتني هذه المسابقة الوجود وحققت لي نقلة نوعية وتميز واضح داخل هذا المجتمع..
نورهان ذات الابتسامة العريضة والشعر المنسدل تظهر بداخله سماعة الأذن.. وبرغم كونها ضعيفة سمع إلا أنها كانت تتحدث بطلاقة ووضوح وبلا مترجم بل وتستقبل أسئلتنا كاملة.. وتعبر عن إحساسها فتقول: إنني في فرحة لا تضاهيها فرحة.. لقد بكيت في هذه المسابقة من فرط سعادتي.. استشعرت القلق وتمالكت نفسي خلال تقييم مشروعنا الإلكتروني.. أعود أدراجي وأسترد في لحظة ثقتي بنفسي ويخرج ذلك المارد من داخلي وأشرح وأفسر كافة جوانب إبداعنا في مجال الروبوت بل واستكملت كافة فعاليات المسابقة لأحقق وفريقي المركز الخامس وسط 120 فريقاً جميعهم من السامعين.. بل اندمجت مع كافة المشاركين ولعبت مع الجميع ومرحت كثيراً وتبادلنا الهدايا.. وسعدت كثيراً بوجودي في هذا المحفل التنافسي.. سأعود لمدرستي وأسرد لزميلاتي ما حققته وكيف كانت مشاركتنا.. بل سأدمج السامعين في عالمنا.. عالم ضعاف السمع.. ألسنا نحن الأفضل والأقدر في أداء الروبوت.
آلاء.. أيضاً ذات بشاشة ونظرة أمل عالية للمستقبل تقول: أنا طالبة في مدرسة لضعاف السمع وفي هذه المسابقة تعلمت مهارات مواجهة وحل المشكلات ووضع التصور للابتكارات والإبداعات غير التقليدية في حل المشكلات.. أنظر الآن إلى الحياة بمنظور كله أمل وتفاؤل.. أرى مستقبلي بعيني واثقة في أننا بقدراتنا سوف نحقق المستحيل.
أما حسام.. فقد قال: لقد كان مشروع التحدي لنا هو ابتكار سمكة دولفين من الروبوت تصدر أصواتاً ذات ترددات عالية تزعج أسماك القرش وتطردها بعيداّ.. كما تم إضافة مجال كهرومغناطيسي على الروبوت الدولفين وبقوة مغناطيسية عالية تستشعرها الخلايا الحساسة للموجات الكهرومغناطيسية بمقدمة فم اسماك القرش وتسبب لها الإزعاج فتبتعد عن أسماك الدولفين الروبوت ومن ثم تحقق الأمان في شواطئنا المصرية التي بدأت تظهر فيها أسماك القرش بالساحل الشمالي وبشرم الشيخ والبحر الأحمر.. وذلك لحماية المصطافين وتحقيق الأمان للسياح بشرم الشيخ والغردقة بما يدعم السياحة ويرفع مستوى الدخل القومي لمصر.. ولقد استشعرت وزملائي قيمتنا بأنه يمكننا أن يكون لنا دوراً في خدمة بلادنا مصر..
أما روان سمير.. فقد عبرت عن سعادتها بهذا التميز قائلة: لقد حصلت مع فريق آخر منذ عامين على المركز الأول في مصر وها أنا ذا أنضم إلى فريق آخر لأرفع من قيمته وخبراته ولأشارك معهم بخبرتي في هذا التميز.. مضيفة: إن وجودنا في هذه المسابقة وبهذا المستوى من التميز هو تأكيد على ذاتيتنا وتميزنا.. وأنه تأكيد على أن قيمة الإنسان بقدراته وليس بإعاقته..
وبحديثنا مع الأستاذة / فاطمة حسين المشرف العام على الفرق وتحمل ذات الابتسامة المشرقة التي تعلو وجهها وتملؤها بالأمل بدأت حديثها: إن جمعية أصداء دمجت المجتمع ككل.. ولم تفرق بين ذوي إعاقة وآخر ولم تميز ابن الاسكندرية عن ابن البحيرة وابن أسوان.. إن أصداء هي بالفعل نموذج حقيقي لواقع حياة المصريين نسيج واحد متكامل..
وأردفت قائلة: لي شقيقة من الصم وأفضل وأسعد لحظات حياتي هي التي أقضيها مع هذا المجتمع.. إن هذه القدرات وهذا الابداع وهذه الصورة من التألق الرائع تضيف إليّ أملاً مجدداً.. ففي هذا المجتمع وجدت الأمل والطموح والدافعية العالية جداً للوجود التي أستمدها منهم.. لقد توليت الترجمة للصم اللاعبين على أرضيات الروبوت حيث خصصت ثمان أرضيات للروبوت في الجناح المخصص لهذا البند من المسابقة التي شارك فيها 120 فريقاّ بالتناوب والتبادل ولثلاث محاولات لكل فريق.. وكان في كل أرضية محكم واحد ومراقبان إثنان وخلال ممارسة إحدى فرق الصم المتميزة على أرضية الروبوت وسط تشجيع زملائهم من الصم أيضاً.. فوجئنا خلال حماسة اللعب وتميز اللاعبين الصم أنه بقي محكم واحد بكل أرضية روبوت بينما كافة المراقبين والملاحظين تحولت نظراتهم إلى أرضية الروبوت التي يلعب عليها الصم نظراً لتميز الأداء وحماسة التشجيع بل أن الانبهار بالأداء دفع بالعديد من أولياء الأمور الملاحظين للعب أبنائهم المشاركين وتحولت أنظارهم جميعاً إلى أرضية روبوت الصم.. لقد استشعرت أنا ومن خلال الصم بقمة الفخر كوني واحدة من هذه الفرق المبدعة.
كل هذا الحديث الدائر يلاحظه معنا سامي جميل مؤسس الجمعية ورئيس مجلس إدارتها الذي تبنى رسالة الارتقاء بمجتمع الصم عيناه تبرقان سعادة واعتزاز وتقدير منه لأبنائه الصم وهم يتحدثون ويعبرون عن آمالهم وطموحاتهم وإحساسهم بالتميز.. وتبادلنا معه أطراف الحديث في شمولية فقال: للصم وضعاف السمع قدرات خاصة وقيمة إنسانية ستحقق لبلدنا التنمية المنشودة والرقي الرائع.. فقط اتيحوا للصم ويسروا لهم المؤسسات التعليمية والمؤسسات التكنولوجية العامة والخاصة ستجدون إبداعات تفوق الإبداع.. لقد حصلوا على منح دراسية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري ومنح دراسية بإحدى الجامعات بالولايات المتحدة عن طريق هيئة فولبرايت وغيرها الكثير.. إنهم حقاً استثمار في صمت..
إن جمعية أصداء قد آمنت بقدراتهم وأتاحت لهم الفرصة الكاملة للحصول على التدريب الأمثل ومنح دراسية للتعلم في مجالات عدة أبرزها مجال التكنولوجيا والبرمجيات وحققوا ذاتهم بالفعل وبإعجاز يفوق الوصف.. أنهم حقاً يستحقون مكانهم في وطننا الغالي مصر.. أليسوا هم أبناء هذا الوطن..