لا تطيب الحياة ما لم يحيها صاحبها راضياً مطمئناً هادىء النفس لا يشغله شيء يكدر صفوه، بغير سعي ملح وراء التطرف والمغالاة في الهروب مما قد يلم به، بل يلتمس من مصادر صحيحة مجربة مدروسة لا تسبب انتكاسات جانبية، بدلاً مما يحاوله البعض من الالتجاء إلى متع عارضة حسية يغرق فيها هموم نفسه على حين، ثم يعود إلى أسوء مما كان عليه فيحاول الهروب بنفس المتع ولكن بجرعة أكبر وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية لأن العلاج لم يكن بدواء صحيح.
ولذلك ينبغي قبل أن ندرس هذا العلاج أن نقف قليلاً عند تعريف السعادة، وقد نرى أنها قبل كل شيء إحساس نابع من داخل النفس، وبهذا الإحساس يتكيف خط مسار الحياة ولذلك تختلف باختلاف النفوس فما قد يسعد إنساناً قد لا يرضى به آخر، غير أن هناك حقيقة مشتركة لا يصح إغفالها، وهي أن أسلوب حياة كل إنسان رهن بمزيج من صحته، وتكوينه العقلي، وطبعه الشخصي، وغرائزه، والقدرة على التأليف بين هذا كله في اتزان واعتدال بتوجيه عقيدة سليمة.
ولئن كانت هناك أخطاء وعادات غير سوية، فإنه من الخير أن يحاول تأمل ذاته بنفسه ودراستها في أناة، غير متحيز، عسى أن يرى ما إذا كانت هذه العناصر قد اكتسبها من ممارسات سابقة، أو بحكم البيئة أو الوراثة، وعليه بعد ذلك أن يعجل بتنمية الجانب الإيجابي منها، وسيجد أن ذلك ليس صعباً إذا استعان بحقائق ثابتة لتصحيح خط مسار الحياة مما هو مجرب ومعروف من القواعد والنظم والأخلاقيات، وسوف يجد في ذلك رياضة نفسية تسعده بتنمية إرادته وصنع حياته كما يحب فالإرادة عنصر أساسي هام.
وهذه حقيقة مقررة في قوله تعالى: (ونفس وما سواها) (الشمس: 7) أي خلقها سبحانه سوية لا اعوجاج فيها للاتجاه السليم نحو سعادة الحياة ما سلكت سبيل الفطرة الكامنة فيها، ولذلك قال سبحانه وتعالى: (قد أفلح من زكاها) (الشمس: 9) أي عمل على تنمية فضائلها المركوزة في داخلها إذ خلقت سوية باستعداد فطري طيب لإسعاد صاحبها، فأسباب السعادة كنز مخبوء في أعماقها، وعلى العموم فإنه يمكن باختزال للأمر أن نقول: إن السعادة هي ثمرة تحقيق الإنسان لأمانة وجوده، مع الاستمتاع بالعافية والنجاح، ولا يتم ذلك بغير خلق متين وطبع رشيد بغير عائق أو مكدرات وقد تكفل خالق النفس إذا التزمت فطرتها أن يهديها سبيلها: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) (النحل: 97).
ولما كان الإنسان قد خلق ضعيفاً حتى يكون دائماً في أمس الحاجة إلى الاتجاه نحو ينابيع القوة التي هي تحت مطلبه إن شاء بالاتجاه إلى صاحبها، والذي فتح لها الأبواب لمن يبغي الوصول إليها، فإن عليه في سبيل ذلك أن يجتاز مغريات سلبية تعترض طريق التجربة الأرضية واضعاً نصب عينيه القواعد الصحيحة لاتزان نفسه وهدوئها في نطاق الحياة السليمة مع الآخرين، وذلك بتنمية الإرادة لأنه بغير هذه الإرادة لا يستطيع أن يرد عنه الإغراء الشديد البراق الصادر عن كل ما هو هابط وسلبي ووهمي وغير سليم، مما يبدو من معوقات لذات مزينة في أبهى زينة، مزيفة تحاول أن تشده عن طريقه، ويعقبها بعد ذلك ندم طويل.
ويمكن مراعاة هذه القواعد البسيطة من خلال ما يلي:
- أدرس ما يحقق سعادتك على ضوء إيمانك.
- أدرس الجوانب الإيجابية في نفسك التي تعاون على تحقيق هدفك.
- استعن بالله ثم بإرادتك على تحقيق أهدافك موطداً النفس مسبقاً على الرضا بالنتائج.
- إذا وقعت في إغراء بسبب الضعف أو أخطأت فلا تقف عند ذلك طويلاً وعد إلى طريق مسارك.
وهناك شعار يقول: (من أراد وفق واستطاع) فالزم هذا الشعار.
وهذه التعليمات تكفي تماماً لراحة النفس فما دام الإنسان مؤمناً بكلمات ربه بالقبول أو على الأقل فهو يحاول الفهم والتأمل وما دام المرء مؤمناً فقد أصبح من أحباب الله، ولما كان الحبيب ـ أي حبيب حتى الحبيب الأرضي ـ لا يرضى لحبيبه شيئاً يضره وفي مقدوره أن يمنعه، فكيف بربك حين يكون حبيبك الذي جربت أنه سخر كل شيء لراحتك ونفعك وخدمتك؟ وليس معنى هذا أنه يشترط لتنال عفوه سبحانه أن تكون في الذروة العليا من الأبرار بل يكفي النية الصادقة في مواصلة الطاعات ما استطعت حتى لو أخطأت أو نسيت أو وقعت في إثم عابر بغير إصرار فإن حبل الود موصول والعفو عند الرجوع إليه في الانتظار، وإذا استشعر المؤمن هذا المعنى وكان دائماً في تقديره فإن الشقاء لن يعرف إليه سبيلاً.
قيل إن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال لامرأته في مغاضبة عابرة: لأشقينك! قالت: لن تستطيع لأن سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لك عليه، لقد كانت ـ رضي الله عنها ـ على يقين من المعنى الذي لا ننساه في قوله تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد: 282).
وليس معنى السعادة في ظلال الإيمان أن يصبح الإنسان فرحاً فخوراً متهللاً يمشي في الأرض لا يغضب لشيء ولا يهمه شي.
إن هذا التصوير غير وارد لأنه ما دامت الدنيا مزرعة الآخرة، وكل مزرعة فيها آفات تعترض نموها وطفيليات تعوقها، وربما لصوص يتربصون بها، ولذلك فإن الزارع يمتحن برعايته لما يزرع وحرصه على جودة الحصاد.
قال سبحانه وتعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) (البقرة: 155) ولذلك كان الصالحون يواجهون الشدائد بالقبول لإدراكهم ما وراءها من الأجر والثواب.
من مواليد 17 ابريل 1964 حاصلة على دكتوره طرق تدريس مواد زراعية، كلية التربية ـ جامعة الاسكندرية
مصـر ـ البحيرة ـ المحمودية ـ شارع الثورة
الخبرات العلمية والعملية
بحث بعنوان (الشبكات الإجتماعية وانحراف الشباب),.
بحث بعنوان (نحو تدريس مادة حقوق الإنسان في المؤسسات التربوية.
بحث بعنوان (التربية البيئية لأطفال المدارس الإبتدائية),
بحث بعنوان (منظومة القيم الإسلامية وأثرها في تأكيد التعايش السلمي),.
الكتب
كتاب بعنوان (الحوار في السيرة النبوية),، تحت الطبع.
كتاب بعنوان (أخلاقيات التعامل الأسري),، تحت الطبع.