كلمة رقابة لغوياً من (رقب)، ومنها الفعل المضارع يرقب. ويقال (رقبه) أي حرسه، انتظره، حاذره، ورصده.
وقيل: (هو رقيب نفسه) أي ينتقد أعماله فلا يدع سبيلا للناس لومه
والرقيب: الحارس الحافظ. و(يرقب ذاته): أي يتبع طريقة النقد الذاتي فينفذ أعماله بنفسه فلا يلام.
تعريف الرقابة الذاتية:
هي إحساس الفرد والموظف والعامل بأنه مكلَّف بأداء العمل ومؤتمنٌ عليه، من غير حاجة إلى مسؤول يذكِّره بمسؤوليته.
والرقابة الذاتية منطلقةٌ من الحديث الشريف (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) والعموم في لفظ الكل يشمل من يرعى عملاً أو غيره.
من أسس الإيمان لدى كل مسلم أن يعلم كل مسلم أن الله تعالى معه ويعلم تفاصيل ما يقوم به، قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (ق: 18). وقال تعالى: (إن الله كان عليكم رقيبا) (النساء: 1)، وفي حديث أبي برزة الأسلمي مرفوعاً: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) (رواه الترمذي)، ولو استشعر كل مسلم هذا الحديث لصلح حاله، ومن ثم ارتقى المجتمع الإسلامي إلى ما نطمح إليه من تطور ورقي بين أمم الأرض.
ومن أعظم ما يقي من الفساد السعي لمرتبة الإحسان التي حدد النبي صلى الله عليه وسلم معالمها في حديث جبريل والذي فيه: قال جبريل: ما الإحسان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) (رواه البخاري).
وللرقابة الذاتية أهمية كبيرة حيث تعتبر أهم عامل لنجاح العمل؛ لأنها تغني عن كثير من النظم والتوجيهات والمحاسبة والتدقيق وغير ذلك.
ولنا قدوة في رسولنا عليه أفضل الصلاة والسلام عندما مرَّ على بائعٍ يبيع الطعام وقد جعل الرطب منه في الأسفل واليابس في الأعلى فقال له (أفلا جعلته فوق الطعام، من غش فليس منا) رواه الترمذي، كان يعلِّم هذا البائع أن يعتمد على نفسه في الرقابة الذاتية، ولا ينتظر أحداً يحتسب عليه.
ونجد أن الشريعة السمحة قد جعلت للوازع الداخلي للموظف بل وكل مسلم أهمية جليلة في التمييز بين الحسن والقبيح عند الاشتباه، وهو ما يعرف بالضمير. فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس) مختصر صحيح مسلم.
ونظراً لزيادة الثقة بين الفرد والإدارة في بعض مؤسساتنا في واقعنا الحالي، وتغير نظرة الإدارة نحو مواردها البشرية، تلك النظرة المبنية على القدرة والكفاءة والانتماء، الأمر الذي أدى إلى زيادة حماس الأفراد ودافعيتهم نحو تحسين وتطوير الأداء، بالإضافة إلى العمل الجماعي والمشاركة الأمر الذي قلل من أهمية الرقابة الإدارية وتراجعها وزيادة دور الرقابة الذاتية النابعة من قيم الفرد ومدى إحساسه بالانتماء وارتباط المصالح الشخصية مع المصالح العامة.
ونرى اتجاه الدول الحديثة لتقوية الرقابة الذاتية، حيث أن كثيراً من الدول ليس لها معايير أخلاقية سماوية فقد اتجهوا إلى إنشاء ميثاق لأخلاق العمل، وقد أكدت دراسة صادرة عن الأمم المتحدة أن وجود ميثاق لأخلاق العمل يعتبر من الوسائل الوقائية المهمة لمحاربة الفساد في الدول النامية.
وكما نعلم بأن اليابانيين يشتهرون بجديتهم الذاتية في أداء العمل، حيث أن العمل هو وجود المواطن الياباني، وهو ما يعرف بالـ (YORUKI) أي: النزعة الذاتية للبحث عن الذات من خلال العمل. ولذا كانت نسبة الغياب عن العمل في اليابان (2%)! وحاولت الحكومة اليابانية تخفيض ساعات العمل ففشلت! لأن الموظفين يريدون بقاء ساعات العمل طويلة.
ولقد ورد في القرآن الكريم ونهجنا القويم الكثير من الآيات والعظات التي تحث على أهمية الرقابة الذاتية لدى المسلم وتحدث خبراء علم الإدارة عن أهمية ووسائل الرقابة الذاتية عند الموظف ولكن المهم هو وسيلة الحصول على هذه الرقابة والتي تهدف إلى تمكين الرقابة الذاتية لدى الموظفين ومن أهم الوسائل ما يلي:
أولاً ـ خشية الله تعالى: حيث يشعر الموظف أنه محاسبٌ على عمله، لا من قبل الناس، وإنما من قبل رب الناس، وليس في الدنيا، بل في الآخرة، قال سبحانه: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) (الغاشية: 25، 26)، وقال عز وجل: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ، عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر: 92، 93) وقال عيه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) (رواه مسلم).
لذا فإن الموظف المؤمن هو أقدر الناس على القيام بالعمل المخلص؛ لأنه أكثرهم مراقبة لله، فلا يقصِّر في عمله، ويجتهد في ألا يشوب الوظيفة أية شائبة، بل إنه يتعدى ذلك فلا يقتصر على نظافة أدائه وإتقانه، بل يجتهد في نظافة أداء المؤسسة كلها التي يعمل فيها. فإذا أحسّ بشيءٍ من الحرام في عمل المؤسسة بادر إلى التنبيه عليه، حرصاً على تطهير مال المؤسسة من الشبهة والحرام، من باب قوله: (الدين النصيحة) (رواه مسلم)، إنها ليست رقابة ذاتية فحسب، بل هي رقابة مركَّبة يستشعرها الموظف المؤمن الذي يخشى الله سبحانه.
ثانياً ـ الشعور بالمسؤولية: حيث يشعر الموظف أنه مكلَّفٌ بالعمل المناط به، ويجب عليه الالتزام بالعقد المتفق عليه، هذا من جهة المسؤولية الوظيفية، ومن جهة أخرى فإن الموظف عليه مسؤولية اجتماعية تجاه المجتمع، فالطبيب والقاضي والمعلِّم والجندي يقومون بخدمةٍ اجتماعية لا يمكن أن يقوم بها غيرهم، فتنامي الإحساس بهذه المسؤولية عندهم يحثُّهم على جودة الأداء الوظيفي بغض النظر عن الرقابة الإدارية، والمسؤولية الوظيفية. إن النفوس العالية لا تعيش لنفسها، بل تعيش للآخرين، لذا فإنها تتعب لإسعاد الناس:
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسامُ
ثالثاً ـ الاهتمام بالمصلحة العامة: حيث للوظيفة هدفٌ تحققه للدولة وللمؤسسة التي تعمل فيها، فإذا راعى الموظف أنه يخدم شريحةً كبيرة من الناس من خلال وظيفته، لا ينفع نفسه فقط ولا صاحب المؤسسة التي يعمل فيها فحسب، فعند ذاك يجتهد في تحسين أدائه ويخلص في عمله، بعكس من يستغل الوظيفة لمصلحته الشخصية ضارباً مصالح الآخرين عرض الحائط.
رابعاً ـ حبّ نفع الآخرين: حيث أن الوظيفة من المجالات الواسعة في تقديم الخدمات للناس، حين يسعى الموظف للتعجيل في أداء العمل الذي كلف به وتسليمه وفق موعده بل قبل ذلك، وأيضا يسعى إلى إنهاء معاملة أحد المراجعين، وربما كانت المعاملة معطَّلة لمدة طويلةٍ قبل ذلك، فيكون الفرج على يد هذا الموظف، ألا ما أجمل اللحظة التي يخدم فيها الموظف أحد الناس، فينصرف وهو يرفع يديه إلى الله تعالى يدعو لهذا الموظف الذي خدمه، بأن يوفقه الله ويسدد خطاه.. فمتى استشعر الموظف هذا المعنى تلذَّذ ـ إن صح التعبير ـ بأداء العمل، لأنه يحب الخير للآخرين راجياً بذلك الأجر من الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس) (رواه الطبراني).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله تعالى عباداً اختصهم بحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله) (رواه الطبراني)، وقال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله) (رواه البخاري ومسلم)، وقال: (من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة) (رواه مسلم).
أما الموظف الذي لا يحبّ خدمة الناس ولا يفتح لهم أبوابه مع قدرته على ذلك فهو مقيتٌ عند الله وعند الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فاحتجب دون خلَّتهم وحاجتهم وفقرهم وفاقتهم، احتجب الله عز وجل دون خلَّته وفاقته وحاجته وفقره) (رواه أبو داود).
نسأل الله الرضا والتوفيق وسداد الخطى لما فيه الخير والصلاح والعطاء.
- مسؤول التخطيط والمتابعة، والمشرف العام لبرنامج العلاج بالموسيقى ، والمشرف للفريق البحثي في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية ، ورئيس رابطة التوعية البيئية في مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية حتى الآن
- حاصلة على بكالوريوس من جامعة بيروت العربية ، وعلى العديد من الدبلومات المهنية والتخصصية العربية الدولية في مجالات التخطيط والجودة والتميز والتقييم والتدريب
- اختصاصي في التخطيط الاستراتيجي والاستشراف في المستقبل – LMG – جنيف ، سويسرا
- مدرب دولي معتمد من الأكاديمية البريطانية للموارد البشرية والمركز العالمي الكندي للتدريب وجامعة مانشستر وبوستن
- خبير الحوكمة والتطوير المؤسسي المتعمد من كلية الإدارة الدولية المتقدمة IMNC بهولندا
- مقيم ومحكم دولي معتمد من المؤسسة الأوربية للجودة EFQM، عضوة مقيمة ومحكم في العديد من الجوائز المحلية والعربية والدولية خبيرة في إعداد تقارير الاستدامة وفق المبادرة العالمية للتقارير – GRI
- مدقق رئيسي في الجودة الإدارية أيزو 9100 IRCA السجل الدولي للمدققين المعتمدين من معهد الجودة المعتمد بلندن – CQI
- أعددت مجموعة من البحوث و الدراسات منها ما حاز على جوائز وقدم في مؤتمرات
- كاتبة و لديها العديد من المقالات المنشورة في الصحف و المجلات وبعض الإصدارات
- قدمت ونفذت العديد من البرامج والمشاريع والمبادرات الهادفة والتطوعية والمستدامة لحينه
- حاصلة على العديد من الجوائز على المستوى المحلي والعربي منها : جائزة الشارقة للعمل التطوعي ، جائزة خليفة التربوية ، الموظف المتميز ، جائزة أفضل مقال في معرض الشارقة الدولي للكتاب
- حاصلة على العديد من شهادات الشكر والتقدير على التميز في الأداء والكفاءة.
- شاركت في تقديم العديد من البرامج التدريبية في مختلف المجالات الإدارية والجودة والتميز
- عضوة في العديد من الهيئات و المنظمات التربوية والتدريبية والجودة والتميز والتطوعية داخل وخارج الدولة