يتلقف الإنسان الأخبار المبهجة التي تحمل الإيجابية والفرحة وتغمره بمشاعر الفخر والدهشة والتمني بالمزيد لأنها تحمل السعادة في طياتها ولطالما كانت السعادة هدفاً يسعى المرء إليه منذ الأزل وها هم أبناء جمعية أصداء للارتقاء بالصم وضعاف السمع يحملون إلينا فيضاً من هذه المشاعر بعد أن أبدعوا وتألقوا في مسابقات الروبوت وحصدوا العديد من الميداليات والمراكز الأولى والمتقدمة حول العالم.
وعلى الرغم من أن بعض أفراد المجتمع ما زالوا ينظرون إليهم باعتبارهم أشخاصاً من ذوي الإعاقة يحتاجون فقط إلى الرعاية لكنهم بتميزهم في عالم الروبوت وسط أقرانهم السامعين ومن خلال تحقيقهم للمراكز الأولى في مسابقات الروبوت التي جرت وقائعها في جمهورية مصر العربية بالإضافة إلى تألقهم في المسابقات العالمية أثبتوا للجميع ما يمتلكونه من قدرات وطاقات جديرة بكل احترام وتقدير.
فضمن فعاليات الأولمبياد الدولي للروبوت الذي عقد في مقر الجامعة الفرنسية بمدينة الشروق بالقاهرة شارك عدد من الأشخاص الصم في الحوار وكانوا يتسمون بروح المرح والثقة بالنفس وقد شكلوا ثلاثة فرق في مجال الروبوت المصارع الياباني (السومو) حيث تميز أداؤهم بالإتقان اللافت ما أهل هذه الفرق المتميزة للفوز بالمراكز الثاني، الثالث والرابع بالإضافة إلى أن فريقين منهم سيشاركان في نهائي الأولمبياد الدولي للروبوت تحت شعار تحدي الروبوت Robot Challenge والمقرر عقده على المستوى الدولي في جمهورية الصين الشعبية في أغسطس القادم 2018م ومما لا شك فيه أنهم يستحقون المشاركة في هذه المنافسات ورفع علم مصر عالياً في المحافل العربية والدولية.
وفي نهائيات مسابقة الليجو للروبوت التي جرت وقائعها في مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال برعاية وزارة الاتصالات قدم الفريقان اللذان تأهلا إلى النهائيات أداءً مبهراً من خلال (الروبوت) الخاص بهما فتنافسا على المركزين الأول والثاني بين 38 فريقاً جميعهم من الأشخاص السامعين وبالفعل فاز أحد الفريقين بالمركز الأول في أداء الروبوت وحقق الآخر المركز الثاني ليستمر التميز والإبداع كذلك في مسابقة الليجو للروبوت حيث شارك الأشخاص الصم من خلال ستة فرق في المسابقات التي قدموا فيها ستة مشاريع في مجال الروبوت هي:
Green Desert
هو روبوت مزود بحساس للون color sensor يستشعر اللون الأخضر بدرجاته للتعرف على أماكن وجود الزراعات الصحراوية بالإضافة إلى حساس للموجات فوق الصوتية Ultra Sonic sensor يقوم بحماية الروبوت من الاصطدام بالصخور أو الأماكن الحجرية ويستطيع معرفة ارتفاع النباتات الصحراوية فالنباتات القصيرة تكون عادة ذات جذور عميقة لبعد المياه الجوفية عن سطح التربة أما النباتات الطويلة فتمتد جذورها لمسافات أقل عمقاً تحت سطح التربة.
يستكمل الروبوت دوره بمهمتين فوفقاً لما تحدده حساسات الموجات الفوق صوتية عن ارتفاع النبات يحدد الروبوت مستوى الحفر إن كان عميقاً أو قريباً من سطح التربة ثم يقوم بسحب المياه الجوفية وتكوين فتحة البئر لاستخراج المياه الجوفية..
هذا الاختراع يتيح توفير المياه الجوفية في الصحراء مع إتاحة فرص العيش وتكوين مدينة توفر من استهلاك مياه النيل وتتيح مياهً صالحة للزراعة والشرب وإنشاء مدن حياتية كاملة.
Golden Liquid
هو روبوت يجمع البول من دورات المياه العامة للرجال ويضعها في خزان معاير بكمية محددة ثم يضعه على كمية تماثل خمسة أمثال كمية البول من الماء العذب ويتم خلطها ليصبح مصدر سماد للنباتات مثل الخس والطماطم والنباتات الزهرية فسائل البول يحوي عناصر الفوسفات والبوتاسيوم والمنجنيز اللازمة كعناصر سمادية للنباتات مما يوفر في تكلفة السماد الكيماوي بالإضافة إلى حماية البيئة من التلوث بالبول ويمكن أن يحصل كل متبول عند خروجه على ثمرة نبات أو زهرة تمت زراعتها حول دورات المياه بالإضافة إلى اللمسة الجمالية المتمثلة بزراعة الزهر حول أماكن دورات المياه العامة.
Fountain Generator
هو روبوت يقوم بتوليد الكهرباء من حركة مياه النافورة ويستمد من حركة المياه طاقة حركية تولد طاقة كهربية يستفاد بها في إضاءة النافورة بالطاقة الذاتية المستمدة من حركة مياه النافورة وبالتالي يتيح الإضاءة في الشوارع عند انقطاع التيار الكهربائي بالطرق من خلال النافورة. كما أن تلك الطاقة الكهربائية تحرك محركات دفع المياه بالنافورة وتحقق استمرارية حركة مياه النافورة مع توليد الكهرباء والإضاءة بصفة مستمرة.
Grey Water Robo Recycle
هو روبوت يقوم بتجميع المياه الرمادية الناتجة عن غسيل الملابس بالغسالات الأوتوماتيكية ومياه الاستحمام بـ (الدش) ومياه حوض الحمام ويقوم بتمريرها عبر فلتر رملي يحجز الأجسام كالشعر والخيط والأزرار وغيرها كما يحجز الأتربة الرمادية الموجودة في مياه الغسيل عبر طبقات الفلتر لتخرج المياه من الفلتر بما تحويه من مادة الصابون ليمر خلال تربة مزروعة بنبات قصبي يسمى (الحلفا) يقوم النبات بامتصاص الصوديوم والكلور لحاجة النبات إليها كعناصر سمادية تاركاً المياه تمر من التربة أقرب إلى أن تكون أقل قلوية لتمر عبر فلتر رملي آخر وتجمع المياه فى خزان يتم تمريره مرة أخرى إلى وحدة الطرد (السيفون) بدورة المياه و(دش) الاستحمام وغسالة الملابس مما يحقق توفير ما يقارب الـ 50% من استهلاك مياه الشرب النظيفة ويوفر من إهدار المياه ويحقق الأمان فيما يخص الاحتياطي المائي.
Stool Robo Remover
هو روبوت يتم تحريكه داخل أنابيب ومواسير الصرف الصحي مزود بوحدة دائرية متحركة منطبقة يتم فتحها إذا وجدت أجساماً صلبة يستشعرها الروبوت بحساسات مدعمة بالموجات الفوق صوتية Ultra Sonic Sensor وعندئذ يتم تشغيل الحركة الدائرية المزودة بأسلحة تصل إلى جدار المواسير من الداخل فتقوم بكسر وتفتيت الوحدات الصلبة للبراز لتقوم بعدها وحدة الكسح بنقل ما تم كسره أمامها ويتم إخراجها واخراج الروبوت من خلال وحدة التفتيش لأنابيب الصرف مما يقلل من استهلاك المواسير ويطيل عمر الاستفادة منها دون انسدادها.
Rain Robo Collector
هو روبوت يقوم بجمع مياه الأمطار من على أسطح المباني مع تركيب مواسير تجمع المياه مزودة في فتحتها بشبكة ضيقة الفتحات تسمح بمرور المياه دون مرور الشوائب وأوراق الأشجار والأحجار الصغيرة وغيرها كما يتم تجميع مياه الأمطار في خزانات خاصة ثم يتم تمرير مياه الأمطار في الخزان من خلال فلتر رملي لتستخدم في ري المزروعات والأشجار ورش الشوارع وغسيل السيارات وفي خزانات السيفون وغسيل الأيدي والاستحمام ومن ثم توفير الاحتياطي المتاح من مياه الشرب.
تلك المشاريع الإبداعية هي نتاج مشاركة ستة فرق من الأشخاص الصم وضعاف السمع في مسابقة الليجو للروبوت خلال تصفيات مسابقة الإسكندرية حيث حصلت الفرق الستة على المراكز الثاني والثالث والرابع والخامس والسابع والثامن في أداء الروبوت بتحدٍ واضح وأداء متميز وسط الأشخاص السامعين بل وحصلوا على كأس أحسن مشروع روبوت وكأس أحسن تصميم للروبوت خلال تصفيات الإسكندرية بالإضافة إلى تأهل فريقين منهم للمشاركة في نهائيات مسابقة الروبوت بمركز الإبداع وتكنولوجيا المعلومات التابع لوزارة الاتصالات في القرية الذكية.
هؤلاء المبدعون من المنتسبين لجمعية أصداء التي ربت ورعت وزرعت القيم وعلمت بكل ما تملك من قدرات فجعلت أحلامهم حقيقة واضحة وأتاحت لهم الفرص فاغتنموها واثبتوا بحق أنهم جديرون باحترام قدراتهم بل والأكثر من ذلك أنهم حققوا المراكز الأولى والتميز في كل محفل من تلك البطولات ومسابقات الروبوت المحلية والعربية والدولية.
نتذكر أيضاً فوزهم في المسابقة الدولية للروبوت التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2010 وحصلوا فيها على كأسين عن أحسن مشروع إبداعي للروبوت وأحسن تدريب وإشراف بالدرجة حيث وقفت كافة وفود دول العالم لتحييهم على هذا الإنجاز الذي أبهروا الجميع به.
وكما أبهرهم الروبوت بقدراته أبهروه في رفع مستوى أدائه واندمجوا مع أقرانهم السامعين وأثروا خبراتهم ومهاراتهم الحياتية فتغلبوا على التحديات وأثبتوا للجميع أن تعليمهم وتدريبهم ومناصرتهم هي حقوق لهم وليست ضرباً من الإحسان.
إنها جمعية أصداء التي وضعت قضايا الأشخاص الصم نصب عينيها بهدف الارتقاء بهم تربوياً وتعليمياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وصحياً كي يتواصلوا مع المجتمع ويندمجوا في كافة مناحي الحياة عبر صياغة معاصرة للعمل الاجتماعي والتطوعي تتواءم وطبيعة الأشخاص الصم وضعاف السمع بهدف تعزيز مكانتهم الاجتماعية لتصبح أصداء هي بيت العائلة بالنسبة لهم ومقراً لحل مشكلاتهم ومشاركتهم حياتياً وقد أصبحت فرق الأشخاص الصم مصدر إلهام للفرق الأخرى.
إن هذا التميز الذي حققوه ساهم في رفع وعي المجتمع بقدراتهم فنالوا احترام وتقدير الجميع وقد كان ملاحظاً كيف تجمعت العديد من الفرق مع لجان التحكيم والمنظمين بل وأولياء الأمور لمتابعة أداء فرق الأشخاص الصم المبهر.
الشابة روان علي أكدت أن سعادتها بهذا التميز يزيدها فخراً وثقة بالنفس في تأكيد للجميع أن الأشخاص الصم يستحقون الدمج المناسب في المجتمع داعية إلى تفهم قضايا الاشخاص الصم والمساهمة في مواجهة التحديات معهم يداً بيد.
ختاماً، لقد أعلنوها صراحة، وإذا كانت القيادة السياسية في الدولة قد وجدت عام 2018 عاماً للأشخاص ذوي الإعاقة فها هم الأشخاص الصم يؤكدون أنهم ليسوا عبئاً على الدولة بل مشاركين في تنميتها ورفع علمها في كافة المحافل المحلية والعربية والدولية..
ملاحظة:
في المسابقتين تم دعم الفرق فيها برعاية كاملة من بنك الكويت الوطني راعي إبداع الصم في مجال الروبوت.. وهو ما شجع الفرق على أن تبذل الجهد الفكر والإبداع ليؤكدوا للمجتمع كافة بأنهم يستحقون أن يكون لهم كياناً ووجوداً بالمجتمع أسوة بالسامعين.